هل للرجل نشوز كما للمرأة في الشرع؟ دراسة شرعية في المفهوم والمظاهر والعلاج والآثار

يُستخدم مصطلح النشوز في الخطاب الشرعي غالبًا لوصف خروج الزوجة عن طاعة زوجها، غير أنّ القرآن الكريم أطلق ذات المصطلح على الرجال أيضاً، مما يدل على أنّ النشوز ليس صفة نسائية، بل قد يقع من الزوج كما من الزوجة، وفق ضوابط محددة في الشريعة الإسلامية.
قال الله تعالى:
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: 128].

وهذه الآية أصلٌ شرعيّ معتبر لإثبات أنّ الرجل قد يصدر منه نشوزٌ تجاه زوجته، وله مظاهر وأحكام وعلاجات.

النشوز لغةً: الارتفاع والتعالي.
واصطلاحًا: مخالفة الزوج للمعاشرة بالمعروف، وترك أداء حقوق الزوجة الواجبة، والتعالي عليها أو ظلمها أو إهمالها، بما يخلّ بمقاصد الزواج وأهدافه.

وقد أثبت الفقهاء أنّ نشوز الزوج وارد شرعًا، بل قد يكون أشد أثرًا من نشوز الزوجة، لأنه يملك القوامة ويتحكم في كثير من مفاصل الحياة الزوجية.
قال الإمام الطبري في تفسير الآية:

“النشوز من الزوج يكون بترفعه عن زوجته، وتركه القيام بحقها، وإعراضه عنها.”

تظهر حالة النشوز لدى الزوج بعدة صور عملية، منها:

1. الإعراض عن الزوجة وترك الاهتمام بها

وهو المعنى الذي أشار إليه القرآن الكريم:
﴿نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾، أي ترك المودة والرحمة، والابتعاد العاطفي أو الجسدي.

2. سوء المعاشرة وترك المعاملة بالمعروف

قال تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
فإذا خالف الزوج هذا الأمر الإلهي كان ناشزًا.

3. الظلم المادي

مثل:

• الامتناع عن النفقة الواجبة.
• التضييق المتعمّد.
• حجب الأموال الضرورية عن الزوجة والأبناء.

4. الظلم الجسدي أو النفسي

كضرب الزوجة بغير حق، أو إهانتها، أو إذلالها، أو التحقير المستمر.

5. الميل لزوجة أخرى أو لعلاقات محرمة

إذا أدى ذلك إلى إهمال الحقوق أو تفضيل غير مشروع، فإن ذلك يدخل في نطاق النشوز.

6. الهجر غير المبرر

الهجر الجسدي أو العاطفي لفترة طويلة دون سبب شرعي.

7. إساءة استخدام القوامة

كجعل القوامة وسيلة للتحكم والبطش، لا للقيادة بالمسؤولية والعدل.

تتعدد دوافع النشوز، ومن أبرزها:

• خلل تربوي أو نفسي لدى الزوج.
• ضعف الإيمان وغياب التقوى.
• وجود مشكلة قديمة لم تُحل بين الزوجين.
• فتور العلاقة الزوجية أو الوصول لمرحلة "التعايش البارد".
• البحث عن علاقات بديلة أو الانشغال المحرم.
• ضغوط مالية أو اجتماعية وانعكاسها سلبيًّا على الأسرة.
• إهمال أحد الطرفين لاحتياجات الآخر.

جاءت الشريعة بمنهج دقيق يعالج نشوز الزوج بمنظور إصلاحي لا تصعيدي، لأن هدفها استبقاء الأسرة.
ومن أهم خطوات العلاج:

1. المصارحة والحوار الحكيم

القرآن بدأ بالعلاج السلمي:
﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128].
فالصلح أول أبواب العلاج.

2. التنازل اليسير من أحد الطرفين

الآية نصّت على إمكانية أن تقدم الزوجة بعض التنازلات إن كان ذلك يحفظ كيان الأسرة:
﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾.
وهو أمر جائز لا واجب، ويعود لتقدير الزوجة.

3. تدخل طرف حكيم

كما في قوله تعالى:
﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: 35].
الحَكَمان يدرسان المشكلة بموضوعية.

4. إلزام الزوج بحقوق زوجته عبر القضاء الشرعي

عند الضرورة يلجأ القضاء لإلزام الزوج بالنفقة أو السكن أو حسن المعاملة.

5. منح الزوجة حق طلب الفسخ عند الضرر

إذا وصل النشوز إلى مستوى لا يُطاق، فلها شرعًا طلب:

• الخلع، أو
• فسخ العقد للضرر
  بحسب ما يراه القاضي الشرعي.

6. تعزيز الوازع الديني لدى الزوج

بالتذكير بقول النبي ﷺ:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»
رواه الترمذي.

نشوز الزوج ليست مسألة بسيطة؛ بل له آثار خطيرة، منها:

1. تفكك الأسرة وفقدان السكينة

لأن العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، فإذا تهدّمت اختفت السكينة التي هي مقصد أصيل في الزواج.

2. اضطراب الصحة النفسية لدى الزوجة

يؤدي النشوز إلى:

• القلق
• التوتر
• الشعور بالدونية
• انعدام الأمان الأسري

3. تأثر الأطفال سلوكيًّا وتعليميًّا

إهمال الزوج أو ظلمه ينعكس مباشرة على الأبناء، ويولد لديهم مشكلات نفسية.

4. تعطيل مقاصد الزواج الشرعية

مثل الاستقرار والعفاف وبناء الأسرة الصالحة.

5. دخول الزوج في دائرة الظلم المحرّم

قال ﷺ:
«اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»
رواه مسلم.

6. ضعف بركة الرزق

فالظلم سبب لرفع البركة، كما ورد في النصوص الشرعية.

• نعم، للرجل نشوز كما للمرأة في الشريعة.
• النشوز يتجلى في سوء المعاشرة، الإعراض، الظلم، الهجر، وإساءة القوامة.
• العلاج يقوم على الصلح، الحوار، تدخل الحكمين، المعالجة القضائية، والتوعية الشرعية.
• آثاره تمتد إلى تفكك الأسرة، تضرر الزوجة والأبناء، وزعزعة مقاصد الزواج.