الدخان كعلامة من علامات الساعة الكبرى: معناها وأدلتها واختلاف العلماء فيها

مقال احترافي يشرح معنى الدخان كعلامة من علامات الساعة الكبرى، مع الأدلة من القرآن والسنة، وبيان أقوال العلماء في حقيقة الدخان وزمن وقوعه، وتحليل دقيق يثري المحتوى ويجعله مرجعًا موثوقًا للباحثين.

الدخان كعلامة من علامات الساعة الكبرى: معناها وأدلتها واختلاف العلماء فيها
الدخان كعلامة من علامات الساعة الكبرى: معناها وأدلتها واختلاف العلماء فيها
  • مقدمة

    يُعدّ الحديث عن علامات الساعة الكبرى جزءًا مركزيًا في الوعي الإسلامي، لما يحمله من رسائل عقدية وتربوية وأخلاقية. ومن أبرز هذه العلامات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة الصحيحة: الدخان. وقد حظي هذا الحدث باهتمام المفسرين لقدمه التاريخي وتعلّقه بمصير البشرية في آخر الزمان، فضلًا عن ما يحتويه من دلالات عميقة في منظومة الإيمان بالغيب.

    هذه الدراسة تُقدّم معالجة علمية متكاملة لمفهوم الدخان، مع توثيق الأدلة الشرعية وتحليل أقوال العلماء، وإضافة رؤية تفسيرية ومعرفية تكمّل الصورة وتغني المحتوى.

  • الدليل القرآني على الدخان

    ورد ذكر الدخان صريحًا في سورة الدخان، في قوله تعالى:

    ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
    سورة الدخان: 10–11

    هذه الآية هي النص القرآني الوحيد الذي ذكر الدخان كآية عامة تظهر للناس كافة.
    وقد اختلف المفسرون هل الآية تتحدث عن أمر وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم أنها علامة مستقبلية لم تقع بعد.

  • الدليل من السنة النبوية

    ثبت ذكر الدخان ضمن علامات الساعة الكبرى في أحاديث صحيحة.

    1. حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه

    روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    «إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ…»
    وذكر منها: «الدُّخَانُ».

    وهذا الحديث أصلٌ في عدّ الدخان من الأشراط الكبرى.

    2. حديث أبي هريرة رضي الله عنه

    روى مسلم أيضًا في كتاب الفتن:

    «بادروا بالأعمال ستًّا…»
    وذكر منها الدخان.

    وهذه الرواية تثبت أن الدخان من العلامات المرتقبة.

  • اختلاف المفسرين في حقيقة الدخان

    الاتجاه الأول: أنه علامة مضت

    وهو قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، حيث فسّر الدخان المذكور في سورة الدخان بأنه ما أصاب قريشًا من الجوع حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الرجل يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من شدة البلاء.

    يستدل ابن مسعود بما رواه مسلم عنه.

    الاتجاه الثاني: أنه علامة مستقبلية

    وهو قول جمهور المفسرين والفقهاء، ومنهم:
    ابن عباس، ابن عمر، علي بن أبي طالب، زيد بن علي، قتادة، الحسن البصري، وأكثر أهل الحديث.

    حجتهم:

    • أن حديث حذيفة بن أسيد صريح في أن الدخان من علامات الساعة الكبرى، ولم يظهر بعد.
    • وأن آية سورة الدخان تتحدث عن عذاب شامل للناس كافة، لم يقع بعد.

    الراجح عند كثير من العلماء

    ترجيح القول بأن الدخان علامة مستقبلية، لأنه هو الذي تجمع عليه نصوص الأحاديث الصحيحة.

  • صفات الدخان عند ظهوره في آخر الزمان

    1. دخان شامل

    يعمّ الناس كافة، كما قال تعالى: ﴿ يَغْشَى النَّاسَ ﴾.

    2. أثره مختلف بين المؤمن والكافر

    ذكر بعض السلف – كالطبري وابن كثير – أنه يصيب المؤمن كالزكام، ويثقل على الكافر حتى يخرج من أنفه وأذنيه.

    3. مدة بقائه

    لم يرد نص قطعي، لكن بعض الآثار تشير إلى أنه يمكث مدة محدودة ثم يزول، كغيره من العلامات الكبرى.

  • الحكمة الإيمانية من ظهور الدخان.

    رغم أن النصوص لم تصرّح بحكمة محددة، إلا أن تحليل العلماء يُظهر دلالات مهمة:

    1. تذكير البشر بقرب النهاية

    فالدخان آية عامة تُشعر العالم كله بأن دورة الحياة تتجه نحو نهايتها.

    2. إظهار قدرة الله على تغيير نواميس الكون

    الدخان يأتي من السماء، مما يدل على تدبير إلهي خارق للعادة.

    3. امتحان للناس

    يميز الله به بين من يعتبر ومن يستكبر.

    4. تأسيس وعي ديني يُرسّخ الإيمان بالغيب

    كونه من العلامات الكبرى يعزز الركن السادس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر.

  • علاقة الدخان بتسلسل علامات الساعة الكبرى

    بحسب روايات صحيح مسلم، يظهر الدخان قبل أحداث أخرى مثل:

    • خروج الدجال
    • طلوع الشمس من مغربها
    • الدابة

    وهذا يعزز النظر الشرعي القائل بأن الدخان باب افتتاح لسلسلة من التحولات الكونية الضخمة.

  • آراء علمية وحديثة حول مفهوم الدخان

     الالتزام بحدود النصوص الشرعية، يُمكن تقديم طرح علمي تحليلي دون الجزم:

    • قد يكون ظهور الدخان مقترنًا بحدث كوني (انفجار عظيم، ظاهرة فلكية، نيازك، أو اضطرابات في الغلاف الجوي).
    • وقد يكون الدخان ظاهرة تتجاوز المألوف البشري، لأن النصوص لم تربطه بأسباب أرضية معروفة.

    هذه التحليلات لا تُخالف الشرع ما دامت لا تنسب شيئًا إلى الغيب بغير دليل.

  • الخاتمة

    الدخان علامة كبرى ثابتة في القرآن والسنة الصحيحة، وهو حدث عظيم يشهده الناس قبل قيام الساعة. اختلف العلماء في زمنه، لكن جمهور أهل العلم يرون أنه علامة مستقبلية لم تقع بعد.
    ومع ذلك، يبقى الأساس الذي يؤكد عليه القرآن والسنة: أن هذه الآيات إنما هي تذكير وبلاغ، وأن النجاة الحقيقية تكون بالرجوع إلى الله، والتزود بالإيمان والعمل الصالح.