قصة شمويل عليه السلام – النبي الذي مهد لملك داوود
اكتشف قصة شمويل عليه السلام كاملة كما وردت في القرآن والتفاسير، من بعثته لبني إسرائيل حتى تمهيده لملك داوود عليه السلام، مع الدروس والعبر المستفادة من أحداث القصة.

-
مقدمة
شمويل عليه السلام، ويُعرف في بعض المصادر باسم أشمويل أو صموئيل، هو أحد أنبياء بني إسرائيل الذين بعثهم الله في فترة عصيبة بعد موت النبي اليسع عليه السلام. عُرف شمويل بأنه النبي الذي مهّد الطريق لقيام ملك داوود عليه السلام، وكان له دور محوري في إرشاد قومه حين انحرفوا وتسلط عليهم الأعداء.
اسمه في العبرية يعني: "سمع الله"، إذ استجاب الله دعاء أمه الصالحة التي كانت عاقرًا، فنذرت إن رزقها الله ولدًا أن تجعله خادمًا في بيت المقدس. فكان مولده بداية فصل جديد في تاريخ بني إسرائيل.
-
حال بني إسرائيل بعد اليسع عليه السلام
بعد وفاة النبي اليسع عليه السلام عمَّ الفساد في بني إسرائيل، وانتشر الشرك، وظهرت المعاصي. وكعادتهم في قتل أنبيائهم ومعاندة الحق، ابتلاهم الله بأعداء تسلطوا عليهم، كما سُلب منهم تابوت العهد الذي كان فيه بقايا مما ترك آل موسى وهارون، وفيه السكينة والطمأنينة لهم.
أمام هذا الانحراف والضعف، بعث الله شمويل نبيًا فيهم ليجدد العهد، ويعيدهم إلى التوحيد والطاعة.
-
بعثة شمويل عليه السلام
نشأ شمويل عليه السلام منذ صغره في خدمة بيت المقدس بعد أن نذرته أمه لله. وقد ذكر المفسرون أن الله أرسل إليه الوحي وهو غلام، فشبَّ نبيًا صالحًا مرشدًا لبني إسرائيل.
كان أول ما واجهه من قومه هو طلبهم المتكرر بأن يُقيم لهم ملكًا يجمع صفوفهم ليقاتلوا في سبيل الله ويستعيدوا هيبتهم بعد أن ذلّوا للأعداء.
-
طلب بني إسرائيل تنصيب ملك عليهم
ذكر الله تعالى هذه الحادثة في قوله:
"أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (البقرة: 246).
طلب بنو إسرائيل من شمويل أن يبعث الله لهم ملكًا يوحد كلمتهم، لكن النبي حذرهم من أن القتال قد يكون صعبًا عليهم، فقالوا: كيف لا نقاتل وقد أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ فلما فرض الله عليهم القتال نكص أكثرهم إلا القليل.
-
اختيار طالوت ملكًا
أوحى الله إلى شمويل أن الملك سيكون من نصيب رجل يُدعى طالوت. لكن بني إسرائيل اعترضوا: كيف يكون ملكًا علينا ولم يُعطَ مالًا كثيرًا؟ فرد شمويل مبينًا أن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم.
قال تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ" (البقرة: 247).
ولكي يطمئنوا لحكم الله، جعل شمويل العلامة على صدق الاصطفاء أن يُرد إليهم التابوت الذي سُلب منهم، وقد جاءهم تحمله الملائكة.
-
الابتلاء عند النهر
عندما خرج طالوت بجيشه، ابتلاهم الله عند النهر فقال شمويل بأمر الله:
"إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ" (البقرة: 249).
فشرب معظمهم إلا قلة قليلة ثبتت على الطاعة، وكان عددهم نحو 313 رجلاً، أي بعدد أهل بدر.
-
المعركة مع جالوت
خرج شمويل مع طالوت والجنود القلائل لقتال جالوت وجنوده العتاة. وكان جالوت قائدًا جبارًا يخشاه الناس. في هذا الموقف ظهر الشاب داوود عليه السلام، الذي لم يكن نبيًا بعد، فواجه جالوت بمقلاعه فأصابه فقتله.
قال تعالى:
"فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ" (البقرة: 251).
وبهذا انتهت معركة فاصلة في تاريخ بني إسرائيل، إذ تولى داوود بعد ذلك النبوة والملك، وكان شمويل عليه السلام هو الذي مهد لهذا التحول التاريخي.
-
الدروس والعبر من قصة شمويل
- الثقة باختيار الله: فقد اختار طالوت رغم اعتراض القوم، ليُبين أن القيادة ليست بالمال بل بالعلم والقوة.
- النصر من عند الله: لم ينتصروا بالكثرة، بل بالقلة الصابرة المخلصة.
- الصبر على الابتلاء: امتحان النهر كشف حقيقة الإيمان عند القوم.
- القوة بالإيمان: داوود الشاب الضعيف ظاهريًا قهر جالوت الجبار بقوة اليقين.
- الثقة باختيار الله: فقد اختار طالوت رغم اعتراض القوم، ليُبين أن القيادة ليست بالمال بل بالعلم والقوة.
-
خاتمة
قصة شمويل عليه السلام تقدم لوحة تاريخية مليئة بالدروس الإيمانية والقيادية. فقد كان نبيًا مربّيًا أعاد لبني إسرائيل معنى الطاعة والثبات، ومهّد لقيام ملك داوود عليه السلام. وهي قصة تؤكد أن الحق ينتصر ولو قلَّ أهله، وأن اختيار الله دائمًا هو الأكمل والأفضل.