نزول عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق
مقالة شرعية موسعة توثق بالنصوص الصحيحة نزول عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بالاستناد إلى حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم، مع تحليل فقهي وتاريخي شامل.
-
مقدمة
يُعَدّ الحديث عن نزول عيسى عليه السلام من أبرز محاور العقيدة الإسلامية المرتبطة بأشراط الساعة الكبرى. وقد شكّل هذا الحدث نقطة ارتكاز في الدراسات الدينية والشرعية نظرًا لوروده في أصحّ كتب السنة، إضافة إلى ما يحمله من دلالات عقدية ومعرفية عميقة.
وفي هذا المقال، نقدّم دراسة شاملة ومدقّقة تعتمد على النصوص الصحيحة. -
النص الصحيح الذي يحدد موقع نزول عيسى عليه السلام
أصل هذه المسألة يرتكز على حديث صحيح صريح ورد في صحيح مسلم، من رواية النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، وهو من أوثق نصوص الملاحم والفتن.
النص كما ورد :
قال النواس بن سمعان رضي الله عنه:
"... فبينما هو كذلك إذ بعث اللهُ المسيحَ ابنَ مريم، فينزلُ عند المنارةِ البيضاءِ شرقيِّ دمشق بين مهرودتَينِ واضعًا كفَّيه على أجنحةِ مَلَكَين، إذا طأطأ رأسَه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمانٌ كاللؤلؤ..."
رواه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم 2937).هذا الحديث هو المرجع الرئيس الذي بنى عليه العلماء تحديد مكان نزول عيسى عليه السلام، وهو نص ثابت بإسناد صحيح لا مطعن فيه.
-
لماذا لم يذكر البخاري موقع النزول؟
رغم أن الإمام البخاري أخرج أحاديث نزول عيسى عليه السلام، إلا أنه لم يذكر فيها تحديد الموقع. وهذا أمر منهجي لا يقدح في ثبوت الرواية الواردة في مسلم؛ لأن:
1. عدم ذكر البخاري لشيء لا يعني عدم صحته.
2. صحيح مسلم أثبت التفاصيل بنصّ صريح محقق.
3. العلماء قدّموا الروايات المبيّنة على المجملة.
وعليه، يصبح النص الوارد في مسلم هو المعتمد في تحديد المكان.
-
لماذا المنارة البيضاء شرقي دمشق؟ قراءة تاريخية وجغرافية
تُعدّ دمشق إحدى أقدم الحواضر الحضارية التي لعبت دورًا محوريًا في التاريخ الإسلامي. وتحديد النزول شرق المدينة له دلالات:
- منطقة ذات كثافة سكانية وتقاطعات حضارية.
- موقع استراتيجي تاريخي بين المشرق والجزيرة.
- وجود معالم معمارية قديمة حملت اسم "المنارة البيضاء" في فترات معينة، مما أتاح تفسيرًا ميدانيًا للرواية.
العلماء رجّحوا أن التحديد جاء لربط الحدث ببقعة واضحة معروفة للناس لحظة وقوع العلامات الكبرى.
- منطقة ذات كثافة سكانية وتقاطعات حضارية.
-
الدلالات العقدية لنزول عيسى عليه السلام
نزول عيسى عليه السلام ليس حدثًا رمزيًا، بل حقيقة كبرى تترتب عليها تحولات كونية وبشرية. ومن أبرز دلالاتها:
1. إظهار صدق النبوة
عودة عيسى عليه السلام تصديق للرسالات السابقة واللاحقة، وتجسيد لارتباط الأنبياء برسالة التوحيد.
2. إقامة العدل وإنهاء الطغيان
في الحديث الصحيح:
"فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية..."
رواه البخاري (حديث رقم 3448).الهدف: إعادة ضبط النظام العقائدي العالمي وفق ميزان التوحيد.
3. القضاء على المسيح الدجال
وهو ذروة المواجهة الشرعية بين الحق والباطل.
4. توحيد البشرية على قيم السماء
فترة حكم عيسى عليه السلام تتميز بالسلام والرخاء كما جاء في نصوص السنة.
-
كيف تعامل العلماء مع رواية المنارة البيضاء؟
أجمع المفسرون وشُرّاح الحديث – وعلى رأسهم النووي وابن حجر وابن كثير – على الأخذ بظاهر النص في صحيح مسلم دون تأويل، وعدّوا مكان النزول حقيقة ثابتة:
- النووي في شرحه لمسلم أكد صحة الرواية واعتمادها.
- ابن حجر في فتح الباري أشار إلى أن عدم ذكر البخاري للتفاصيل لا ينافي ورودها عند من هو في درجته من حيث الصحة.
- ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم أيّد رواية المنارة البيضاء بنص مسلم.
- النووي في شرحه لمسلم أكد صحة الرواية واعتمادها.
-
الخاتمة
يتضح من خلال النصوص الصحيحة أن نزول عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ثابت ثبوتًا قطعيًا بنص واضح في صحيح مسلم، وأن هذا الموضع يحظى بإجماع العلماء لسلامة السند ودقة المتن.