حكم الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل

حكم الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل، دراسة فقهية شاملة بأقوال العلماء وفتاوى المعاصرين وضوابط الرخصة الشرعية.

حكم الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل
حكم الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل
  • مقدمة

    يُعَدُّ صيام شهر رمضان أحد أعمدة المنظومة التعبدية في الإسلام، وركنًا ثابتًا من أركان هذا الدين، لا يسقط عن المكلف إلا بعذر معتبر شرعًا. ومع تطور أنماط العمل، وازدياد المهن الشاقة التي تتطلب جهدًا بدنيًا مضاعفًا، يبرز سؤال فقهي متكرر: هل يجوز الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل؟
    هذا المقال يعالج المسألة معالجة علمية دقيقة، قائمة على النصوص الشرعية، وأقوال أئمة المذاهب، وفتاوى الهيئات العلمية المعاصرة، مع ضبط ضوابط الرخصة ومنع التوسع غير المشروع فيها.

  • الأصل الشرعي في حكم صيام رمضان

    الأصل الذي لا خلاف فيه بين العلماء أن صيام رمضان واجب على كل مسلم مكلف، صحيح، مقيم، قادر، لقوله تعالى:

    ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].

    ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بعذر معتبر ثبت بدليل شرعي، لأن العبادات توقيفية، ولا تُرفع إلا بنص أو قاعدة معتبرة.

  • مفهوم القدرة والاستطاعة في الصيام

    الواجبات الشرعية منوطة بالقدرة والاستطاعة، قال تعالى:

    ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]،
    وقال سبحانه:
    ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].

    والاستطاعة في الصيام لا تعني انتفاء المشقة مطلقًا؛ لأن جنس المشقة ملازم للتكاليف، وإنما المقصود المشقة الزائدة غير المعتادة التي يترتب عليها ضرر محقق أو غالب على الظن، إما بتجربة الشخص نفسه، أو بتقرير أهل الخبرة.

    وقد قرر الإمام ابن القطان المالكي أن العاجز عن الصوم هو:

    "من يؤذيه الصوم ويتكلفه ويخاف على نفسه منه".

  • حكم الفطر بسبب مشقة العمل عند الفقهاء

    1. مذهب الجمهور في المسألة

    اتفق الفقهاء على أن مجرد كون العمل شاقًا لا يبيح الفطر ابتداءً، بل يجب على العامل:

    • تبييت نية الصيام.
    • الشروع في الصيام.
    • فإن وقعت مشقة شديدة غير محتملة، جاز له الفطر بقدر ما يدفع الضرر فقط.

    2. أقوال المذاهب الفقهية

    ● الحنفية

    قال العلامة ابن عابدين في رد المحتار:

    "إذا كان المحترف محتاجًا إلى نفقته، وعلم أنه لو اشتغل بحرفته لحقه ضرر مبيح للفطر، لا يجوز له الفطر قبل وقوع المشقة".

    ● المالكية

    قال الحطاب في مواهب الجليل:

    "إن كان محتاجًا لصنعته لمعاشه ولا بد له منها، فله ذلك، وإلا كُره".

    ● الشافعية

    قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج:

    "لو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه على فطره فله الفطر، لكن بقدر الضرورة".

    ● الحنابلة

    نقل ابن مفلح في الفروع عن الآجري:

    "من صنعته شاقة فإن خاف تلفًا أفطر وقضى، وإن لم يضره تركها أثم".

    وهذا ما قرره ابن مفلح بقوله:

    "هذا قول الفقهاء رحمهم الله تعالى".

  • فتاوى الهيئات العلمية المعاصرة

    . فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:

    "لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان لمجرد كونه عاملاً، لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار، فإنه يفطر بما يدفع المشقة، ثم يمسك ويقضي ذلك اليوم".

    وأكدت اللجنة أن على العامل:

    • تبييت نية الصيام.
    • عدم نية الفطر مسبقًا.
    • قضاء الأيام التي أفطرها.

    2. فتوى الشيخين ابن باز وابن حميد

    جاء في فتواهما:

    "وأصحاب الأعمال الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية الصيام، فإن اضطروا للفطر أفطروا بقدر الضرورة ثم أمسكوا وقضوا".

    3. فتوى دار الإفتاء المصرية (2024م)

    قررت دار الإفتاء المصرية:

    "أصحاب المهن الشاقة إذا لم يمكنهم أداء العمل مع الصوم بسبب مشقة زائدة غير معتادة، ولم يكن عندهم ما يكفيهم وعيالهم، أبيح لهم الفطر مع وجوب القضاء متى تيسر".

    واشترطت:

    • تبييت نية الصيام.
    • تحقق المشقة بالفعل، لا بمجرد الظن.
    • عدم الفطر إذا كانت المشقة معتادة.
  • هل يدخل أصحاب الأعمال الشاقة في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾؟

    الجواب: لا يدخلون.

    وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما الآية بقوله:

    "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة...".

    وعند جمهور العلماء أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:

    ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].

    وعليه، فلا يجوز للعامل أن يترك الصيام ويكتفي بالإطعام.

  • ضوابط الفطر بسبب مشقة العمل

    يمكن تلخيص الضوابط الشرعية في النقاط التالية:

    1.   وجوب تبييت نية الصيام كل ليلة.

    2.   تحريم نية الإفطار مسبقًا بسبب العمل.

    3.   جواز الفطر عند تحقق المشقة الشديدة فقط.

    4.   أن يكون الفطر بقدر ما يدفع الضرر.

    5.   الإمساك بقية اليوم بعد زوال الضرورة.

    6.   وجوب القضاء عند القدرة.

    7.   تحريم التساهل أو اتخاذ الرخصة عادة.

  • ثواب الصيام مع المشقة

    تحمل المشقة في العبادة مع القدرة يزيد الأجر، لقول النبي ﷺ:

    "إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ".

    وقاعدة الفقهاء:

    "ما كان أكثر فعلًا كان أكثر فضلًا".

  • الخلاصة

    • الأصل وجوب صيام رمضان على كل مكلف.
    • العمل الشاق ليس عذرًا مستقلًا للفطر.
    • يجوز الفطر عند تحقق مشقة غير معتادة تفضي إلى ضرر.
    • يجب تبييت نية الصيام وعدم نية الإفطار.
    • الفطر يكون بقدر الضرورة مع القضاء.
    • لا يجوز الإطعام بدل الصيام لأصحاب الأعمال الشاقة.
    • التساهل في ترك الصيام منكر عظيم.
  • أهم المصادر والمراجع

    • القرآن الكريم.
    • فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء.
    • فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز.
    • فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد.
    • دار الإفتاء المصرية – فتوى رقم (8341).
    • رد المحتار لابن عابدين.
    • مواهب الجليل للحطاب.
    • تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي.
    • الفروع لابن مفلح.
    • الموسوعة الفقهية الكويتية.
    • موقع الإسلام سؤال وجواب.