هل يجوز الجماع بعد الطهر وقبل الغسل؟ رأي العلماء بالتفصيل

هل يجوز الجماع بعد انقطاع الحيض وقبل الغسل؟ تعرف على الحكم الشرعي لهذه المسألة الحساسة كما أوضحها القرآن والسنة، مع أقوال العلماء بالتفصيل، وحكم من وقع في ذلك عن جهل أو عمد، ونصائح فقهية وروحية لضمان طهارة العلاقة الزوجية.

هل يجوز الجماع بعد الطهر وقبل الغسل؟ رأي العلماء بالتفصيل
هل يجوز الجماع بعد الطهر وقبل الغسل؟ رأي العلماء بالتفصيل
  • مقدمة

    من القضايا التي يكثر السؤال عنها بين الأزواج المؤمنين الراغبين في الالتزام بشرع الله، مسألة الجماع بعد انقطاع الحيض وقبل الاغتسال. فقد تظن بعض النساء أن انقطاع الدم وحده كافٍ لإباحة المعاشرة الزوجية، بينما يغفلن عن أن الشريعة جعلت للطهارة أحكامًا دقيقة مرتبطة بالعبادة والجماع معًا. وفي هذا المقال سنعرض الحكم الشرعي المستند إلى القرآن والسنة وأقوال كبار العلماء، ونبين أيضًا ما يجب فعله إن وقع أحد الزوجين في ذلك من غير علم أو عن خطأ.

  • معنى الطهر في اللغة والشرع

    • الطهر في اللغة: النظافة والنزاهة من الأدناس.
    • وفي الاصطلاح الشرعي: زوال المانع الحسي أو الحكمي الذي يمنع العبادات، كالحيض والجنابة.

    فالحائض لا تُعد طاهرة بمجرد توقف الدم، بل لا تُعد طاهرة إلا بعد أن تغتسل غسل الحيض الكامل، لأن الله تعالى علّق الإباحة على التطهّر بالماء لا بمجرد انقطاع الدم.

  • الدليل القرآني والبيان النبوي

    قال الله تعالى:

    ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
    (سورة البقرة: 222)

    وقد قال المفسرون، ومنهم الإمام ابن كثير والطبري والقرطبي:

    “قوله تعالى (حتى يطهرن) أي حتى ينقطع الدم، و(فإذا تطهرن) أي اغتسلن بالماء، فلا يحلّ قربانهن حتى يجتمع الشرطان معًا: انقطاع الدم والغسل.”

    فدلّ على أن الإباحة لا تكون إلا بعد الغُسل الكامل الذي يرفع حكم الحيض.

  • الحكمة من اشتراط الغسل بعد انقطاع الدم

    إن الغسل بعد الحيض ليس مجرد طهارة حسية، بل هو تطهير معنوي يرفع الحدث ويعيد للمرأة أهلية العبادة والمعاشرة.
    ومن الحكم في ذلك:

    1.   تحقيق النظافة التامة من أثر الدم وما يسببه من ضرر أو رائحة.

    2.   تأكيد الطهارة الشرعية لأن الغُسل عبادة مقصودة لرفع الحدث.

    3.   إعادة السكينة النفسية والجسدية للزوجين بعد فترة الامتناع.

  • آراء العلماء في المسألة

    1. رأي الجمهور (المالكية، الشافعية، الحنابلة):

    يحرم جماع الزوجة بعد انقطاع دم الحيض وقبل غسلها، ولو انقطع الدم يومًا أو أكثر، حتى تغتسل بالماء أو تتيمم لعذر، لأن الطهر لا يتم إلا بالغسل.

    قال الإمام النووي في "المجموع":

    “لا يحل للزوج وطؤها حتى تغتسل، وإن طهرت وانقطع الدم، لقوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن).”

    وقال ابن قدامة في "المغني":

    “لو جامعها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فهو آثم، لأن الله تعالى جعل شرط الإباحة التطهر لا مجرد الطهر.”

    2. الحنفية:

    قالوا: إن كان انقطاع الدم بعد تمام أكثر مدة الحيض وهي عشرة أيام، جاز الجماع قبل الغسل لأن الحيض قد انتهى شرعًا.
    أما إن انقطع قبل العشرة، فلا يحل إلا بعد الغسل أو دخول وقت الصلاة.

    3. القول الراجح المفتى به اليوم:

    هو قول الجمهور، لأنه الأحوط للدين والأقرب لمعنى الآية، ولأنه يجمع بين المعنى اللغوي والشرعي للطهارة.

  • حكم من جامع زوجته بعد انقطاع الدم وقبل الغسل

    من جامع زوجته في تلك الحالة فقد ارتكب محرمًا، لأن الجماع لم يبح بعد شرعًا.

    الحالة الأولى: إن كان ذلك عن جهلٍ بالحكم

    فلا إثم عليه بعد العلم، لكن يجب عليه التوبة والاستغفار والالتزام بعدم العود.
    قال الله تعالى:

    ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (البقرة: 286)

    الحالة الثانية: إن كان ذلك عن علمٍ متعمدٍ

    فقد ارتكب ذنبًا عظيمًا، لأن النهي صريح، ويجب عليهما:

    1.   التوبة النصوح والندم.

    2.   الاستغفار والإكثار من الطاعات.

    3.   التصدق بدينار أو نصف دينار؛ عملًا بحديث النبي ﷺ:

    «إذا واقع الرجل امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار»
    (رواه أبو داود والترمذي وصححه بعض أهل العلم)

    والتصدق هنا مستحب وليس واجبًا، وهو من تمام التوبة وإظهار الندم.

  • ما الواجب على المرأة في هذه الحالة؟

    1.   تغتسل فورًا بعد علمها بالحكم لتصح عبادتها وجماعها لاحقًا.

    2.   تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مع الاستغفار والدعاء بالمغفرة.

    3.   تتعلم أحكام الطهارة، فالعلم بأحكام الحيض واجب على المرأة المسلمة.

  • نصائح للزوجين لتجنب الوقوع في الخطأ

    1.   التأكد من ظهور علامة الطهر قبل الجماع، سواء القصة البيضاء أو الجفاف التام.

    2.   تذكير الزوجة بضرورة الغُسل قبل المعاشرة.

    3.   استغلال فترة الحيض في تعزيز المودة والتقارب العاطفي بعيدًا عن الجماع.

    4.   الحرص على تعليم الأبناء مفاهيم الطهارة بآداب ووعي شرعي.

  • البعد الإيماني والروحي للطهارة

    الطهارة ليست شرطًا للعبادات فحسب، بل هي سلوك إيماني يدل على التزام العبد بأوامر الله.
    قال النبي ﷺ:

    «الطهور شطر الإيمان» (رواه مسلم)

    ومن عظمة الشريعة أنها تربط الطهارة بالسكينة الزوجية، فلا يكون اللقاء الحميم إلا في حالة من الصفاء والرضا، مما يعمّق الحب والرحمة بين الزوجين.

  • أثر المعصية وضرورة التوبة

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي:

    “المعاصي تترك في القلب ظلمة، لا يزيلها إلا نور التوبة، وكلما كثرت الذنوب قلّ الإحساس بها حتى يظنّها العبد هينة وهي عند الله عظيمة.”

    فمن وقع في هذا الفعل فعليه أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يعلم أن التوبة تجبّ ما قبلها، وأن باب المغفرة مفتوح لكل من أقبل بصدق.

  • الخاتمة

    إن حكم الجماع بعد انقطاع الحيض وقبل الغسل من المسائل التي ينبغي للمسلم أن يحيط بها علمًا، لأنها تتعلق بعِرض الإنسان وعبادته معًا. وقد بيّن الإسلام ضوابط الطهارة بدقة لتظل العلاقة الزوجية نقية من الحرام والأذى.
    فمن وقع في ذلك جاهلًا فعليه أن يتوب ويغتسل، ومن تعمد فعليه التوبة والصدقة والإنابة إلى الله.
    ولا ننسى أن الطهارة عنوان الإيمان، ومن أحب أن يرضى الله عنه فليكن من "المتطهرين" الذين يحبهم الله كما ختمت الآية الكريمة:

    ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222)