حكم صلاة الرغائب في الفقه الإسلامي
تعرف على حقيقة صلاة الرغائب، وحكمها الشرعي، وأقوال الأئمة الأربعة وعلماء الحديث، مع بيان سبب بدعيتها وموقف السلف الصالح منها.
-
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه العبادات المشروعة التي دل عليها الكتاب والسنة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإحداث في الدين، فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم.
ومن العبادات التي اختلف فيها العلماء قديماً وحديثاً: صلاة الرغائب، وهي صلاة مخصوصة تُصلى في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وقد انتشرت في بعض البلاد الإسلامية واعتقد بعض الناس مشروعيتها، بينما حكم جمهور أهل العلم ببدعيتها وعدم مشروعيتها.
وفي هذه المقالة الشاملة نستعرض حقيقة هذه الصلاة، وأقوال العلماء فيها من المذاهب الأربعة وغيرهم، مع بيان موقف علماء السلف الصالح منها، معتمدين على أوثق المصادر والمراجع الإسلامية. -
تعريف صلاة الرغائب
المعنى اللغوي
الرغائب جمع رغيبة، وهي من الرغبة بمعنى الطلب والمسألة، وتطلق على الأمور المرغوب فيها والعطايا الكثيرة.
المعنى الاصطلاحي
صلاة الرغائب اصطلاحاً: هي صلاة مخصوصة تُصلى ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب، بين صلاتي المغرب والعشاء، وتتكون من اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاث مرات وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة، يسلم بين كل ركعتين، وبعد السلام من كل ركعتين يقول دعاءً معيناً. -
نشأة صلاة الرغائب وتاريخها
ظهورها في القرن الخامس الهجري
أجمع المحققون من أهل العلم أن صلاة الرغائب لم تكن معروفة في القرون الأولى الفاضلة (القرن الأول والثاني والثالث الهجري)، وإنما ظهرت بعد القرن الرابع الهجري.
قال الإمام النووي رحمه الله: "هذه الصلاة بدعة قبيحة منكرة أشد الإنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها، وقد صنف الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة كتاباً نفيساً في إبطالها سماه: (الباعث على إنكار البدع والحوادث)".
الحديث المكذوب في فضلها
روي في فضل هذه الصلاة حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: "ما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب، ثم يصلي ما بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة..."، وذكر فضائل عظيمة لهذه الصلاة.
وهذا الحديث موضوع مكذوب باتفاق أهل العلم بالحديث. -
حكم صلاة الرغائب عند المذاهب الأربعة
1. المذهب الحنفي
القول الراجح في المذهب: أنها بدعة منكرة.
جاء في "الفتاوى الهندية" المعروفة بـ "الفتاوى العالمكيرية": "وأما صلاة الرغائب فلم ترد في حديث صحيح ولا ضعيف، بل ورد النهي عنها".
وقال علاء الدين الحصكفي في "الدر المختار": "وتكره صلاة الرغائب"، وعلق ابن عابدين في حاشيته: "لأنها بدعة".
2. المذهب المالكي
موقف المالكية: الإنكار الشديد على صلاة الرغائب.
قال الإمام مالك رحمه الله كما في "الموطأ": "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة".
وجاء في "المدخل" لابن الحاج المالكي: "ومن البدع المنكرة صلاة الرغائب في رجب، وهي بدعة ظاهرة".
3. المذهب الشافعي
القول المعتمد: أنها بدعة مذمومة.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" و"فتاواه": "صلاة الرغائب بدعة قبيحة منكرة أشد الإنكار، مشتملة على منكرات".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب": "لم يصح في فضل رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة".
وذكر الإمام السيوطي في "الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع": أن صلاة الرغائب من البدع المحدثة.
4. المذهب الحنبلي
موقف الحنابلة: التشديد في إنكارها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" و"اقتضاء الصراط المستقيم": "وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى، فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
وقال ابن القيم في "المنار المنيف في الصحيح والضعيف": "ومن ذلك: حديث صلاة الرغائب، وهو حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث".
وجاء في "الإنصاف" للمرداوي و"كشاف القناع" للبهوتي: التصريح بكراهة هذه الصلاة وأنها بدعة. -
أقوال علماء الحديث والمحققين في صلاة الرغائب
الإمام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي (ت 481هـ)
قال: "هذا الحديث - يعني حديث صلاة الرغائب - باطل، والصلاة المذكورة فيه بدعة".
الحافظ أبو بكر البيهقي (ت 458هـ)
قال في "السنن الكبرى": "لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة".
الحافظ ابن الجوزي (ت 597هـ)
قال في "الموضوعات": "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق علماء الحديث على أنه موضوع".
الإمام العز بن عبد السلام (ت 660هـ)
قال في "القواعد": "صلاة الرغائب بدعة ظاهرة، والحديث فيها موضوع".
الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ)
قال في "لطائف المعارف": "لم يصح في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة".
الحافظ السخاوي (ت 902هـ)
قال في "المقاصد الحسنة": "حديث صلاة الرغائب موضوع باتفاق الحفاظ".
الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ)
قال في "كشف الشبهات": "من البدع المحدثة صلاة الرغائب". -
أدلة بطلان مشروعية صلاة الرغائب
الدليل الأول: الحديث المروي فيها موضوع
أجمع علماء الحديث على أن الحديث المروي في فضل صلاة الرغائب موضوع مكذوب، لا يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام النووي: "والحديث المروي فيها موضوع باتفاق المحدثين".
الدليل الثاني: عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى هذه الصلاة، ولا أمر بها، ولا فعلها أحد من الصحابة رضوان الله عليهم.
والقاعدة عند أهل العلم: "ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي وانتفاء المانع يدل على عدم مشروعيته".
الدليل الثالث: عدم معرفة السلف الصالح لها
لم تكن هذه الصلاة معروفة في القرون المفضلة الثلاثة الأولى، وإنما ظهرت بعد ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (متفق عليه).
الدليل الرابع: النهي عن الإحداث في الدين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
الدليل الخامس: تخصيص زمان للعبادة بلا دليل
إن تخصيص زمان أو مكان أو هيئة معينة للعبادة يحتاج إلى دليل من الشرع، وإلا كان ذلك من البدع المحدثة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما تخصيص بعض شهر رجب بالصوم أو القيام أو غير ذلك فلم يشرع، ولم يفعله السلف". -
شبهات المجيزين والرد عليها
الشبهة الأولى: قياسها على صلاة التراويح
يقول بعض الناس: إن صلاة الرغائب مثل صلاة التراويح، فكما أن التراويح لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكيفية وأحدثت في عهد عمر، كذلك صلاة الرغائب.
الرد:
هذا القياس باطل من عدة وجوه:
صلاة التراويح ثابتة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلاها بالصحابة ثلاث ليالٍ، ثم تركها خشية أن تُفرض عليهم، كما ثبت في الصحيحين.
عمر رضي الله عنه لم يحدث صلاة التراويح، وإنما جمع الناس على إمام واحد، والصلاة كانت موجودة.
صلاة الرغائب لا أصل لها في السنة النبوية، ولم يفعلها أحد من الصحابة.
الشبهة الثانية: أنها من قبيل النوافل المطلقة
يقول البعض: إن هذه الصلاة من قبيل النوافل المطلقة، فلا حرج في فعلها.
الرد:
التخصيص بزمان معين يخرجها من كونها نافلة مطلقة إلى كونها عبادة مقيدة تحتاج إلى دليل.
الاعتقاد بفضلها الخاص في هذا الزمان بدون دليل هو من البدع.
النوافل المطلقة لا تُخص بزمان ولا بهيئة معينة ولا بصفة مخصوصة، أما هذه الصلاة فمخصوصة بكل ذلك.
الشبهة الثالثة: عمل كثير من الناس بها
يحتج بعضهم بأن كثيراً من المسلمين يصلونها في بلاد كثيرة، فكيف تكون بدعة؟
الرد:
العبرة بالدليل لا بكثرة الفاعلين، قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
البدعة قد تنتشر بين الناس بسبب الجهل، وهذا لا يجعلها مشروعة.
إجماع العلماء المحققين على بدعيتها أقوى من عمل العامة. -
موقف علماء السلف الصالح (الترجيح)
بعد استعراض أقوال العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم، يتبين بوضوح أن موقف السلف الصالح وأتباعهم من أهل السنة والجماعة هو:
القول الراجح: أن صلاة الرغائب بدعة محدثة لا تجوز
وهذا هو قول جمهور علماء الأمة من المحدثين والفقهاء، وذلك للأسباب التالية:
انعدام الدليل الشرعي: لم يثبت في فضلها حديث صحيح ولا ضعيف يُحتج به، بل الحديث المروي فيها موضوع باتفاق أهل العلم.
عدم فعل السلف: لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا تابعوهم، ولو كانت مشروعة لنُقلت إلينا.
إجماع المحققين: أجمع المحققون من أهل العلم على بدعيتها وإنكارها، من جميع المذاهب.
مخالفتها لأصول الشريعة: فإن تخصيص عبادة بزمان معين بلا دليل من أصول البدع.
اشتمالها على منكرات: من تكرار السور مرات معينة، والتزام صفة معينة، وربطها بفضائل عظيمة لم تثبت.
أقوال الأئمة الأربعة مجتمعة
اتفق أئمة المذاهب الأربعة على إنكار صلاة الرغائب:
الحنفية: قالوا بكراهتها وأنها بدعة
المالكية: شددوا في إنكارها
الشافعية: وصفها النووي بأنها بدعة قبيحة منكرة
الحنابلة: نص ابن تيمية وابن القيم وغيرهما على بطلانها
وهذا الإجماع العملي من أئمة المذاهب يدل على أن الأمة متفقة على إنكارها. -
الخلاصة
بعد هذا العرض الشامل لمسألة صلاة الرغائب، نخلص إلى النتائج التالية:
صلاة الرغائب بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع، وهذا قول جمهور علماء الأمة من جميع المذاهب.
الحديث المروي في فضلها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا السلف الصالح.
أئمة المذاهب الأربعة متفقون على إنكارها وعدم مشروعيتها.
الواجب على المسلم تركها والتمسك بالسنة الثابتة.
البديل الشرعي هو الإكثار من النوافل المطلقة وقيام الليل بدون تخصيص زمان معين.
الموقف السلفي الراجح:
أن صلاة الرغائب بدعة ضلالة يجب تركها وإنكارها، وهذا هو قول السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان من علماء أهل السنة والجماعة، استناداً إلى:
عدم الدليل الشرعي الصحيح
مخالفتها لمنهج السلف
إجماع المحققين على بدعيتها
موافقتها لتعريف البدعة في الشرع