فضل سورة الواقعة و حقيقة الأحاديث عنها لجلب الرزق ورفع الفقر

تعرف على فضل سورة الواقعة في القرآن الكريم، وهل صحّ حديث “من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبداً”؟ نوضح بالتفصيل أقوال العلماء والمحدثين في صحة الأحاديث، وفضل السورة وقراءتها، وحقيقة ارتباطها بجلب الرزق، مع توجيهات شرعية صحيحة حول أسباب البركة والرزق في الإسلام.

فضل سورة الواقعة و حقيقة الأحاديث عنها لجلب الرزق ورفع الفقر
فضل سورة الواقعة في القرآن الكريم: حقيقة الأحاديث عن سورة الواقعة للرزق ورفع الفقر
  • مقدمة

    سورة الواقعة من السور المكية العظيمة التي تحمل في آياتها مشاهد القيامة وأهوالها، وتدعو القلوب إلى الخشية، والعقول إلى التفكر في مصير الإنسان يوم الحساب. وقد اشتهر بين الناس أن قراءة سورة الواقعة تجلب الرزق وتدفع الفقر، حتى صار البعض يقرؤها يوميًا بنية الغنى. ولكن هل ثبت في السنة النبوية حديث صحيح في هذا الفضل؟ هذا ما سنوضحه في هذه المقالة بدراسة تحليلية دقيقة تجمع بين أقوال العلماء والمحدثين والفقهاء.

  • تعريف سورة الواقعة ومكانتها

    • الاسم: سورة الواقعة
    • الترتيب في المصحف: السادسة والخمسون
    • عدد الآيات: 96 آية
    • النزول: مكية
    • الموضوع الرئيس: تصوير مشاهد القيامة، وبيان مصير الخلائق بين الجنة والنار، وتقسيم الناس إلى ثلاث فئات: السابقون المقربون، أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال.

    سورة الواقعة تُعد من السور التي تغرس في النفس مفهوم المسؤولية الأخروية، وتدعو إلى العمل الصالح والإيمان بالبعث والنشور، كما أنها توقظ القلب من غفلته وتبعث فيه رهبة اليوم الآخر، فهي من سور الزجر والاعتبار.

  • الأحاديث الصحيحة في فضل سورة الواقعة

    لم يثبت في فضل سورة الواقعة حديث خاص يربطها بالرزق أو الغنى أو دفع الفقر، ولكن ثبت عنها فضل من جهة ما تضمنته من المواعظ والمشاهد الأخروية.

    الحديث الصحيح الوارد

    روى الترمذي والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:

    "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت."
    — صححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3723).

    وهذا الحديث يدل على عِظَم ما تضمنته سورة الواقعة من التخويف من عذاب الآخرة، وذكر أهوال يوم القيامة، لا على ارتباطها بالرزق أو الغنى. فالشيبة هنا ليست من كِبَر السن، وإنما من هيبة الموقف وعمق المعاني.

  • الأحاديث الضعيفة في فضل سورة الواقعة

    وردت عدة روايات في فضل سورة الواقعة في شأن الغنى والرزق، لكنها لم تثبت عن النبي ﷺ، بل حكم العلماء عليها بالضعف أو الوضع، ومن أشهرها:

    1. حديث: "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا"

    • المصدر: رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه.
    • حكم العلماء: ضعيف جدًا.
      • قال الإمام أحمد: "هو حديث منكر."
      • وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: "إسناده مضطرب وضعيف."
      • وضعفه الدارقطني، وأبو حاتم، والبيهقي، والزيلعي.
    • السبب: الانقطاع في السند، ونكارة المتن، وضعف الرواة، واضطراب الرواية.

    2. حديث: "علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى"

    • المصدر: رواه الديلمي في الفردوس (3/10) من حديث أنس بن مالك.
    • حكم العلماء: ضعيف جدًا.
      • قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (8/337):

    "إسناده ضعيف مظلم؛ فيه رواة مجهولون، منهم موسى بن فرقد البصري، لم يُعرف حاله."

      • وذكر السيوطي في الدر المنثور أن الرواية من طريق ابن مردويه، دون إسناد موصول.

    3. حديث: "من قرأ سورة الواقعة وتعلّمها لم يُكتب من الغافلين، ولم يفتقر هو وأهل بيته"

    • المصدر: أخرجه أبو الشيخ في الزيادات على الموضوعات.
    • السند: فيه عبد القدوس بن حبيب، وهو متروك الحديث.
      • قال الذهبي: "تركوه."
      • وقال ابن حبان: "كان يضع الحديث."
      • وقال الألباني: "موضوع." (السلسلة الضعيفة 1/459).

    ???? النتيجة:
    كل الأحاديث التي تخص سورة الواقعة بفضلٍ معين في جلب الرزق أو دفع الفقر هي ضعيفة أو موضوعة، ولا يجوز الاعتماد عليها في فضائل الأعمال الخاصة.

  • موقف العلماء من العمل بالأحاديث الضعيفة

    اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لكنهم اشترطوا لذلك ضوابط دقيقة، منها:

    1.   أن لا يكون الحديث شديد الضعف أو موضوعًا.

    2.   أن يكون داخلاً تحت أصل شرعي عام.

    3.   أن لا يُعتقد ثبوت النسبة إلى النبي ﷺ.

    وبما أن الأحاديث الواردة في فضل سورة الواقعة من حيث الرزق ضعيفة جدًا أو موضوعة، فلا يجوز العمل بها، لأن ضعفها شديد، كما نص على ذلك الألباني، وابن باز، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء.

  • الفضل العام لسورة الواقعة من حيث المعاني والمقاصد

    على الرغم من ضعف الأحاديث الخاصة بها، إلا أن سورة الواقعة لها فضل عظيم في تدبرها وفهم معانيها، إذ تناولت موضوعات عقدية كبرى:

    1.   الإيمان بالبعث والنشور.

    2.   بيان مراتب الناس يوم القيامة: السابقون، أصحاب اليمين، أصحاب الشمال.

    3.   إثبات قدرة الله في الخلق والرزق والموت والحياة.

    4.   التذكير بفضل القرآن وعلو شأنه:

    "فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم" (الواقعة: 75-77).

    فهي سورة ترسخ اليقين بالله وتدعو إلى الإيمان بالغيب، ومن واظب على قراءتها طلبًا للتذكير والاتعاظ لا رجاء لفضل مخصوص، فهو على خير عظيم.

  • أقوال كبار العلماء المعاصرين

    1. الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

    "قراءة سورة الواقعة بنية الغنى لا أصل له، والحديث الوارد في فضلها ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ. وعلى المسلم أن يسأل ربه الرزق، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح."
    (فتاوى نور على الدرب)

    2. اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء

    "كل ما ورد من أحاديث في فضل سورة الواقعة في دفع الفقر أو جلب الرزق لا يصح، فلا يشرع تخصيصها لذلك."
    (فتاوى اللجنة الدائمة 4/441)

    3. الشيخ آدَم فتحي

    "لا نعلم في تخصيص سورة الواقعة للرزق شيئًا. القرآن كله بركة وشفاء، والرزق يُنال بالصلاة في وقتها، والصدقة، وقيام الليل، والاستغفار، وسؤال الله من فضله."

  • السور والأعمال الشرعية التي ورد فيها فضل الرزق

    إن الرزق بيد الله، ولم يخص النبي ﷺ سورة بعينها لتحقيقه، ولكن وردت أعمال صريحة تجلب البركة، منها:

    1.   الاستغفار:
    قال تعالى:

    "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموالٍ وبنين..." (نوح: 10-12)

    2.   الصلاة على النبي ﷺ:
    لما فيها من البركة ودفع الهموم.

    3.   الصدقة ولو بالقليل:

    "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (سبأ: 39)

    4.   التقوى:

    "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب" (الطلاق: 2-3)

    5.   قراءة سورة البقرة:
    قال ﷺ:

    "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة"
    – رواه مسلم.

  • الخاتمة

    يتضح من التحقيق أن سورة الواقعة لم يثبت في فضلها نص صحيح يربطها بالرزق أو الغنى أو دفع الفقر، وأن الأحاديث المتداولة في هذا الشأن ضعيفة أو موضوعة.
    غير أن فضلها في تذكير الإنسان بمآله وحساب ربه مؤكد، وقراءتها من جنس الذكر المشروع والتعبد العام بقراءة القرآن الكريم.

    فمن قرأها تدبرًا وخشوعًا فله الأجر العظيم، ومن اعتقد أن لها فضلًا خاصًا في المال دون دليل فقد وقع في تخصيص بلا برهان.

    قال ابن تيمية رحمه الله:
    "
    تخصيص العبادة بزمان أو مكان أو هيئة لم يثبت بها دليل، من البدع المحدثة."

    فلتكن قراءتنا للواقعة بابًا للخشية والعمل، لا بابًا للغنى المادي.