حكم قضاء الصلاة والصيام عن الميت بين أقوال المذاهب
تعرف بالتفصيل على حكم قضاء الصلاة والصيام عن الميت بين المذاهب الأربعة، ومتى يشرع الصيام عنه، وهل تجوز الفدية عن الصلوات الفائتة. مقالة موسعة بالأدلة الشرعية والنقول الفقهية المتقدمة.
-
مقدمة
أحكام العبادات التي تتعلق بالذمة بعد وفاة المسلم تمثّل من أكثر المسائل إثارة للأسئلة، خصوصًا ما يتصل بقضاء الصلاة والصيام عن الميت. وقد اختلفت المذاهب في بعض مسائل الصيام، بينما اتفق جمهور العلماء على عدم جريان النيابة في الصلاة.
هذه المقالة تجمع النصوص الفقهية الواردة في المصادر المعتمدة، وتربط بينها وفق منهج تحليلي يقدّم صورة شاملة للمسألة. -
حكم قضاء الصلاة عن الميت
1. إجماع الجمهور على عدم جواز القضاء
اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يشرع قضاء الصلاة عن الميت مطلقًا؛ لأنها عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة.
نقول فقهية معتمدة
● قال الإمام الشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح (ص 170):
«ولا يصح أن يصوم الوليُّ ولا غيره عن الميت، ولا أن يصلي عنه».
● وقال الحطّاب المالكي في مواهب الجليل (2/544):
«الصلاة لا تقبل النيابة على المعروف من المذهب».
● وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين (2/381):
«ولو مات وعليه صلاة… لم يقض عنه وليه، ولا يسقط عنه بالفدية».
● وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (4/14):
«ولا يصلي عنه غيره فرضًا ولا نافلة… لأنها عبادة بدنية محضة فلا تدخلها النيابة».
هذه النقول تدلّ بوضوح على قاعدة فقهية مستقرة:
❖ العبادات البدنية المحضة — وعلى رأسها الصلاة — لا تجري فيها النيابة، لا في الحياة ولا بعد الموت. -
حكم إخراج الفدية عن الصلوات الفائتة عن الميت
مذهب الجمهور: عدم جواز الفدية
جمهور المالكية والشافعية والحنابلة في رواية، ومن وافقهم، يرون أنه لا تشرع فدية عن الصلاة؛ لأن الصلاة لم تشرع فيها الفدية في حق الحي، فلا تُشرع في حق الميت.
نقول فقهية صريحة
● قال الإمام القرافي المالكي في الفروق (3/186):
«اتفق الناس على عدم إجزاء فعل غير المأمور به في الإيمان والتوحيد… وكذلك الصلاة حُكي فيها الإجماع».
● وقال النووي في المجموع (6/372):
«ولا يسقط عنه بالفدية صلاة ولا اعتكاف».
● وقال ابن قدامة في الكافي (4/220):
«لا تقضى؛ لأنها لا تدخلها نيابة ولا كفارة».
ولذلك تؤكد دار الإفتاء المصرية عدم جواز الفدية عن الصلاة الفائتة عن الميت، وتعتبر هذا هو المختار للفتوى.
الاعتبارات الشرعية لرفض الفدية
1. فتح باب الاتهام في دين المسلم وتقليل شأن فريضة الصلاة.
2. استحالة الجزم بعدد الفوائت، وبالتالي يستحيل تقدير فدية دقيقة.
3. قاعدة: "ما لا يُعلم لا تُبنى عليه أحكام مالية".وبذلك فإن قضاء الصلاة عن الميت غير مشروع، والفدية عنها غير جائزة.
-
حكم قضاء الصيام عن الميت
تختلف مسألة الصيام عن الصلاة لوجود نصوص خاصة بالصيام.
ويُفرّق الفقهاء بين حالتين:
1. إذا مات المتوفى قبل التمكن من القضاء
كأن يستمر المرض أو السفر أو العذر حتى الوفاة.
الحكم:
لا يلزمه شيء، ولا يصام عنه، ولا يُطعَم عنه باتفاق العلماء.
2. إذا تمكن من القضاء ثم مات
أي زال العذر، وتمكن من الصوم، ثم توفي دون أن يقضي.
هنا وقع الخلاف بين العلماء:
تفصيل المذاهب في الصيام
الحنفية
يرون عدم مشروعية القضاء بالصيام مطلقًا، وإنما يكون بالإطعام إذا كان الميت قد تمكن من القضاء ولم يقضِ، بشرط الوصية.
قال السرخسي في المبسوط:
«لا يجوز لوليه أن يصوم عنه… لكن يطعم عنه لكل يوم مسكينًا… من ثلثه إذا أوصى».
المالكية
المعتمد عندهم:
❖ لا يصوم أحد عن أحد
ويجب الإطعام عند التمكّن من القضاء.الشافعية
لهم قولان:
1. لا يصام عنه وهو الجديد.
2. يصام عنه وهو القديم، وصححه جمع من المحققين.
قال النووي في المجموع:
«الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت… وقد صحت في المسألة أحاديث».
الحنابلة
يرجحون الصيام عن الميت لورود النص الصحيح.
قال ابن قدامة في المغني:
«من مات وعليه صيام صام عنه وليه»
واستدل بأحاديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم. -
الأدلة الشرعية على جواز الصيام عن الميت
. حديث عائشة رضي الله عنها
قال ﷺ:
«مَن ماتَ وعليه صيامٌ صام عنه وليّه»
متفق عليه.2. حديث ابن عباس رضي الله عنهما
أن امرأة قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم، أفأصوم عنها؟
قال ﷺ:
«أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي عنها؟»
قالت: نعم.
قال:
«فصومي عن أمك»
متفق عليه.وهذا دليل صريح يؤخذ به عند الحنابلة وجماعة من الشافعية.
-
هل يشترط إذن الزوج إذا كانت التي ستصوم عن الميت امرأة متزوجة؟
نعم، لأن هذا الصيام ليس واجبًا عليها، بل هو نفل، وبالتالي يجب أخذ الإذن.
قال النووي في شرح مسلم:
«صيام التطوع لا يجوز للمرأة المتزوجة إلا بإذن زوجها».
ولذلك:
❖ تصوم المتزوجة عن والدها أو والدتها بشرط إذن الزوج. -
مقدار الفدية عند القائلين بها في الصيام
● يطعم عن كل يوم مدًّا من الطعام (نحو 750 غرامًا من البر الجيد أو الأرز).
● إخراج الطعام هو الأصل، ولا تُجزئ القيمة عند الجمهور.
● الحنفية يجيزون إخراج القيمة. -
الخلاصة
1. الصلاة:
✦ لا تُقضى عن الميت، ولا تُجزئ الفدية عنها.
✦ وهذا هو قول جمهور الفقهاء والمختار للفتوى.2. الصيام:
✦ إن مات المكلّف قبل التمكن من القضاء: فلا شيء عليه.
✦ وإن تمكن من القضاء ولم يقض:
— يصوم عنه وليّه على الصحيح عند كثير من العلماء.
— أو يُطعم عنه عند من لا يرى الصيام.3. صيام الابنة المتزوجة عن والدها:
✦ يجوز لها الصيام عنه عند من يرى مشروعية الصوم.
✦ ويجب عليها استئذان زوجها قبل صيام النفل.