شرح باب مخارج الحروف من القصيدة الجزرية

فيما يلي شرح باب مخارج الحروف اعتمادًا على المصادر المعتمدة في علم التجويد عند المتقدمين، من أهمها:

• النشر في القراءات العشر لابن الجزري
• التمهيد في علم التجويد لابن الجزري
• الرعاية لتجويد القراءة لأبي علي الأهوازي
• التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني
• التبيان في تجويد القرآن لمكيّ القيسي
• شرح الجزرية لعدد من المحققين (منهم المرصفي في هداية القارئ، والجمزوري في شرحه)

وقد بُني الشرح مباشرة على ما نصّ عليه هؤلاء الأئمة في بيان المخارج السبعة عشر، وهو العدد الذي اعتمده ابن الجزري في منظومته المقدمة الجزرية، بقوله:
"مخارِجُ الحروفِ سبعةَ عشرْ … على الذي يختاره من اختبرْ"
وهو نفس البيت الذي يبدأ به هذا الباب.

مَخَارِجُ الحُرُوفِ سَبْعَةَ عَشَرْ ... عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ
فَأَلِفُ الجَوْفِ وأُخْتَاهَا ... وَهِي حُرُوفُ مَدٍّ للْهَوَاءِ تَنْتَهِي
ثُمَّ لأَقْصَى الحَلْقِ هَمْزٌ هَاءُ ... ثُمَّ لِوَسْطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ
أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا والْقَافُ ... أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقُ ثُمَّ الْكَافُ
أَسْفَلُ وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا ... وَالضَّادُ مِنْ حَافَتِهِ إِذْ وَلِيَا
لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا ... وَاللاَّمُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا
وَالنُّونُ مِنْ طَرَفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا ... وَالرَّا يُدَانِيهِ لظهر أدخل
والطاء والدال وتا منه ومن ... عليا الثناياو الصفير مُسْتَكِنْ
مِنْهُ وَمِنْ فَوْقِ الثَّنَايَا السُّفْلَى ... وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِلْعُلْيَا
مِنْ طَرَفَيْهِمَا وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ ... فَالْفَا مَعَ اطْرافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ
لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ ... وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ

البيت الأول

مَخَارِجُ الحُرُوفِ سَبْعَةَ عَشَرْ ... عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ

الشرح المعتمد

هذا هو العدد الذي قرّره الإمام ابن الجزري في النشر والتمهيد، ونقله عن جمهور المحقّقين من أهل الأداء.
قال ابن الجزري:
"والصحيح المختار أن المخارج سبعة عشر، وهو قول الخليل وسيبويه ومن تبعهما."

معنى البيت

المخرج يُعرَّف عند الأئمة بأنه:

"محل خروج الحرف عند انقطاع صوته"
(كما عرّفه الداني في التحديد).

تحديد العدد «سبعة عشر» هو اختيار من مارس القراءة والضبط، أي أهل “الاختبار” العملي.

البيت الثاني

فَأَلِفُ الجَوْفِ وأُخْتَاهَا ... وَهِي حُرُوفُ مَدٍّ للْهَوَاءِ تَنْتَهِي

الشرح المعتمد

الجوف مخرج واحد لحروف المد الثلاثة: الألف، الواو الساكنة، الياء الساكنة بشرط أن تكون الحروف مدّية.
هذا ما نصّ عليه:

• الداني في التحديد: «الجوف مخرج حروف المد».
• ابن الجزري في النشر: «لا مخرج للألف إلا الجوف».

التحليل الدقيق

تمر هذه الحروف بلا اعتراض، فهي تعتمد على امتداد الهواء في الفم.

البيت الثالث

ثُمَّ لأَقْصَى الحَلْقِ هَمْزٌ هَاءُ ... ثُمَّ لِوَسْطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ

الشرح المعتمد

قال ابن الجزري:
«الحلق ثلاثة مخارج: أقصاه للهمزة والهاء، ووسطه للعين والحاء».
وهذا ما قرره الخليل وسيبويه أيضًا.

معنى التقسيم

• أقصى الحلق (أبعده مما يلي الصدر): للهمزة والهاء.
• وسط الحلق: للعين والحاء.

البيت الرابع

أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا والْقَافُ ... أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقُ ثُمَّ الْكَافُ

الشرح المعتمد

أدنى الحلق — أي أقربه للفم — يخرج منه الغين والخاء، كما ذكره ابن الجزري والداني.

ثم ينتقل إلى اللسان:

• القاف: من أقصى اللسان مع ما فوقه من الحنك.
• الكاف: أسفل بقليل من موضع القاف.

هذا ثابت في التحديد والنشر وشرحهما.

البيت الخامس

أَسْفَلُ وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا ... وَالضَّادُ مِنْ حَافَتِهِ إِذْ وَلِيَا

الشرح المعتمد

• الجيم والشين والياء غير المدّية تخرج من وسط اللسان، كما نصّ الداني: «ومن وسط اللسان مخرج واحد».
• أما الضاد فمخرجها من حافة اللسان مع الأضراس العليا، وهو أعسر الحروف، وقد خصّها العلماء بباب مستقل، وذكر ابن الجزري: «وهي أصعب الحروف».

البيت السادس

لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا ... وَاللاَّمُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا

الشرح المعتمد

• موضع الضاد قد يكون من الحافة اليمنى أو اليسرى (المرصفي: هداية القارئ).
• اللام تخرج من أدنى حافة اللسان إلى منتهاها مع لثة الأسنان العليا (كما في التحديد والنشر).

البيت السابع

وَالنُّونُ مِنْ طَرَفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا ... وَالرَّا يُدَانِيهِ لظهر أدخل

الشرح المعتمد

• النون: من طرف اللسان وما يحاذيه من لثة الثنيتين العلويتين.
• الراء: قريبة جدًا من مخرج النون لكنها تميل خلفًا قليلًا ليظهر تكرارها الخاص.
  المصدر: الداني — التحديد، ابن الجزري — النشر.

البيت الثامن

والطاء والدال وتا منه ومن ... عليا الثناياو الصفير مُسْتَكِنْ

الشرح المعتمد

الطاء والدال والتاء من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا (كما في كتب التجويد كلها).
أما الصفير فهو وصف لحروف: السين، الصاد، الزاي، ويكون الصفير بين الثنايا العليا.

البيت العاشر

مِنْ طَرَفَيْهِمَا وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ ... فَالْفَا مَعَ اطْرَافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ

الشرح المعتمد

الفاء: من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا.
وهذا ما أجمع عليه كتب التجويد.

البيت الحادي عشر

لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ ... وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ

الشرح المعتمد

• الواو غير المدّية، الباء، الميم: تخرج من انطباق الشفتين.
• الغنة: مخرجها الخيشوم، وقد نص ابن الجزري على أنها «صفة لازمة للنون والميم».

يمثل باب مخارج الحروف أساسًا جوهريًا في بنية علم التجويد، فهو الإطار الذي تُبنى عليه صحة النطق وسلامة الأداء وفق ما قرره أئمة هذا الفن من المتقدمين. وقد أظهر تحليل الأبيات بيتًا بيتًا — بالرجوع إلى المصادر المعتمدة مثل النشر لابن الجزري، التحديد للداني، والرعاية للأهوازي — مدى الدقة التي التزم بها العلماء في ضبط مواضع الحروف وتعيين مخارجها السبعة عشر، مع بيان الفروق الصوتية الدقيقة بين الحروف المتقاربة. ومن خلال هذا الشرح يتضح أن استحضار هذه المخارج أثناء التلاوة ليس مسألة نظرية فحسب، بل هو مهارة تطبيقية تُصقل بالممارسة، وتظهر آثارها في إحكام القراءة والارتقاء بجودة الأداء. ويظل هذا الباب مدخلًا أساسيًا لكل دارس للتجويد وعلوم القراءات، لما يؤسس له من فهم صوتي دقيق يُسهم في قراءة القرآن الكريم على الوجه الذي تلقاه أهل الأداء جيلاً بعد جيل.