حكم العادة السرية في الإسلام: دراسة فقهية شاملة

مقالة فقهية موسعة تتناول حكم العادة السرية (الاستمناء) في الإسلام، مدعومة بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال المذاهب الأربعة، إضافة إلى الأضرار النفسية والطبية والاجتماعية، ووسائل عملية للتخلص منها.

حكم العادة السرية في الإسلام: دراسة فقهية شاملة
حكم العادة السرية في الإسلام
  • مقدمة

    تُعد مسألة العادة السرية (الاستمناء) من أكثر القضايا الفقهية التي يكثر السؤال عنها في العصر الحاضر، خصوصًا مع كثرة المغريات وتيسّر وسائل الإثارة وانتشار المحتويات غير المنضبطة عبر الوسائط الحديثة. وقد اهتم العلماء قديمًا وحديثًا ببيان حكمها، نظرًا لارتباطها الوثيق بحفظ الفروج الذي أمر الله تعالى به في القرآن الكريم، ولما يترتب عليها من أضرار روحية وبدنية ونفسية واجتماعية.

  • الأدلة القرآنية على تحريم العادة السرية

    سورة المؤمنون (5–7)

    قال الله تعالى:
    {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.

    هذه الآية نصّت على وجوب حفظ الفروج إلا في إطار الزواج أو ملك اليمين، وبيّنت أن من يبتغي غير ذلك فهو من العادين.

    تفسير ابن كثير

    قال ابن كثير: "فمن ابتغى وراء ذلك، أي غير الزوجة وملك اليمين، فأولئك هم العادون"، أي المتجاوزون حدود الله. وهذا يدخل فيه الاستمناء وغيره من الطرق غير المشروعة لإشباع الغريزة.

    تفسير البغوي

    قال البغوي: "وراء ذلك، أي سوى الأزواج أو الإماء"، وهو تصريح بأن الاستمناء مندرج في المحرّمات الداخلة في "وراء ذلك".

    تفسير الشنقيطي (أضواء البيان)

    أكد الشنقيطي أن هذه الآية أصل صريح في تحريم الاستمناء، وأنها تشمل كل انحراف خارج حدود الزواج الشرعي.

  • الأدلة من السنة النبوية

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» (رواه البخاري ومسلم).

    وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الاستمناء وسيلة بديلة، بل دلّ على الصوم كطريق مشروع لكبح الشهوة، مما يدل على تحريمه.

  • أقوال الفقهاء في حكم العادة السرية

    مذهب المالكية والشافعية

    يرون تحريم الاستمناء صراحة، مستندين إلى عموم الآيات والأحاديث. قال الشنقيطي: "الاستمناء محرم عند المالكية والشافعية بلا خلاف معتبر بينهم".

    مذهب الحنفية

    اعتبر الحنفية أن الاستمناء من المحظورات، لكنه قد يُباح عند الضرورة القصوى بضوابط:

    1.   أن لا يكون متزوجًا.

    2.   أن يخشى الوقوع في الزنا يقينًا.

    3.   أن يكون القصد دفع الشبق لا مجرد اللذة.

    وهذا على قاعدة "ارتكاب أخف الضررين".

    مذهب الحنابلة

    نصّ الحنابلة على تحريمه. قال ابن قدامة في المغني: "ولو استمنى بيده فقد فعل محرّمًا"، ويُعزّر فاعله، ولا يُباح إلا عند الضرورة القصوى.

  • موقف ابن القيم في حكم العادة السرية

    ورد في مجموع الفتاوى (34/229): قال ابن القيم: "الأصل فيه التحريم عند جمهور العلماء، وعلى فاعله التعزير؛ وليس مثل الزنا، لكنه من المحظورات."

    وهذا يوضح أن الاستمناء محرّم، لكنه أخف من الزنا من حيث العقوبة، مع بقاء الإثم والتحريم قائمين.

  • الأضرار الطبية والنفسية والاجتماعية

    الأضرار البدنية

    • ضعف عام في الجسد.
    • اضطرابات عصبية.
    • ضعف جنسي عند الزواج.

    الأضرار النفسية

    • الاكتئاب والقلق.
    • العزلة الاجتماعية.
    • ضعف الإرادة والشخصية.

    الأضرار الاجتماعية

    • تهديد الاستقرار الأسري.
    • زيادة نسب الطلاق.
    • استمرار الممارسة حتى بعد الزواج.

    بالنسبة للنساء

    خطرها أشد، إذ قد تؤدي إلى فقدان البكارة أو ضعف الاستمتاع الطبيعي بالحياة الزوجية.

  • وسائل التخلص من العادة السرية

    ذكر الشيخ حسنين مخلوف عدة وسائل نافعة، منها:

    1.   المسارعة إلى الزواج بوسائل ميسرة.

    2.   الإكثار من الصيام.

    3.   الاعتدال في الطعام والشراب.

    4.   البعد عن المثيرات البصرية والسمعية.

    5.   اختيار الصحبة الصالحة.

    6.   الانشغال بالعبادات والطاعات.

    7.   ممارسة الرياضة والنشاطات النافعة.

    8.   تجنّب النوم في فراش وثير.

    9.   الابتعاد عن الاجتماعات المختلطة.

  • اثر الإيمان في التخلص من العادة

    العادة السرية ليست مجرد فعل جسدي، بل هي امتحان للإيمان والإرادة. والنجاة منها تكون بالتوبة الصادقة، وكثرة تلاوة القرآن، والدعاء، والاستعانة بالله، وقطع أسباب الخلوة والمثيرات.

  • الخلاصة

    يتضح من الأدلة القرآنية والسنّة النبوية وأقوال جمهور الفقهاء أن العادة السرية محرمة شرعًا، باستثناء بعض الحنفية الذين أجازوها بشروط شديدة الضيق. وأثبت الأطباء آثارها الضارة بدنيًا ونفسيًا واجتماعيًا. وعلى المسلم أن يلجأ إلى الحلول الشرعية كالزواج والصيام، وأن يتوب توبة نصوحًا ويبتعد عن المثيرات.