الأطفال الذين يموتون صغاراً: منزلتهم في الإسلام وفضلهم لوالديهم

اكتشف مكانة الأطفال الذين يموتون صغاراً في الإسلام، ومعنى أن يكونوا "فرطاً" لوالديهم، ونص الحديث الصحيح عن كفالتهم عند إبراهيم عليه السلام في الجنة، مع شرح فضلهم وأثرهم في دخول الوالدين الجنة.

الأطفال الذين يموتون صغاراً: منزلتهم في الإسلام وفضلهم لوالديهم
الأطفال الذين يموتون صغاراً: منزلتهم في الإسلام وفضلهم لوالديهم
  • مقدمة

    من أعظم الابتلاءات التي قد تواجه الوالدين في حياتهما فقدُ طفلٍ صغير لم يبلغ الحلم. وقد يثور في ذهن المسلم تساؤلات: ما حكم هؤلاء الأطفال في الآخرة؟ وهل يدخلون في عموم الأحاديث التي تبشر الوالدين بدخول الجنة إذا صبروا واحتسبوا؟ وما معنى أن يكون الطفل "فرطاً" لوالديه؟ وهل صحيح أن الأطفال في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام؟

    لقد جاء في السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تبشر الوالدين الذين يفقدون أبناءهم برحمة الله وفضله العظيم، كما بينت منزلة هؤلاء الأطفال في الجنة ومكانتهم الخاصة، الأمر الذي يخفف من مصاب الفقد ويجعل الصبر والاحتساب زاد المؤمن في مثل هذه المواقف.

  • حكم الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ

    أجمع العلماء على أن الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ لا إثم عليهم، لأنهم لم يبلغوا سن التكليف، ولم يجر عليهم قلم السيئات. جاء في الحديث الصحيح:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني.

    وبناءً على ذلك، فإن الطفل الذي يموت صغيراً لا يحتاج إلى دعاء بالمغفرة من الذنوب، لأنه لم يكتب عليه ذنب. لكن يمكن الدعاء له بالرحمة والنعيم، والأهم من ذلك الدعاء لوالديه بالصبر والأجر والثواب.

  • فضل موت الأولاد قبل البلوغ للوالدين

    وردت في السنة أحاديث كثيرة تبشر الوالدين الذين يفقدون أولادهم، إذا صبروا واحتسبوا، بدخول الجنة.

    1- حديث الثلاثة من الولد

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "
    ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم". رواه البخاري (1248) ومسلم (2632).

    2- حديث الاثنين والواحد

    روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    "
    ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما". قالوا: يا رسول الله، واثنان؟ قال: واثنان. قالوا: وواحد؟ قال: وواحد. والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته". صححه الألباني.

    هذا الحديث يبين أن حتى السقط (الجنين) الذي يسقط قبل أن يولد يمكن أن يكون سبباً في دخول أمه الجنة، بشرط أن تصبر وتحتسب.

  • معنى كلمة "فرطاً" في الأحاديث

    كلمة فرط في اللغة تعني: المتقدم أمام القوم ليهيئ لهم المكان والماء.
    وجاء في "لسان العرب": "الفرط: هو الذي يتقدم القوم إلى الماء ليهيئ لهم الدلاء، فيشربون بعده".

    وفي الحديث:
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجاباً من النار". وفي رواية: "كانوا له فرطاً".

    المعنى الشرعي لـ "فرطاً":

    أي أن الطفل يكون متقدماً لوالديه إلى الجنة، فينتظرهم ويدخلون بسببه. وكأن الله سبحانه وتعالى جعله ذخراً لهم يوم القيامة، وسبباً في نجاتهم من النار إذا صبروا على فقده واحتسبوا أجرهم عنده.

  • كفالة سيدنا إبراهيم للأطفال في الجنة

    جاء في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه في حديث الرؤيا الطويل:

    أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأما الرجل الطويل في الروضة فهو إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة". فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال: "وأولاد المشركين". رواه البخاري (7047).

    المعنى:

    • أن الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ يكونون في الجنة في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء.
    • وهذا يشمل أبناء المسلمين وأبناء المشركين، لأنهم جميعاً لم يبلغوا سن التكليف.
    • في هذا بشارة عظيمة للوالدين بأن أبناءهم في نعيم مقيم عند خليل الرحمن، محفوظون في الجنة.
  • صيغ الدعاء للطفل في صلاة الجنازة

    لم يرد نص خاص في السنة بدعاء محدد للطفل في صلاة الجنازة، لكن العلماء ذكروا أن الأفضل أن يكون الدعاء مركزاً على الوالدين.

    قال ابن قدامة في المغني:
    "
    وإن كان الميت طفلاً، جعل مكان الاستغفار له: اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وسلفاً وأجراً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، اللهم اجعله في كفالة إبراهيم، وألحقه بصالح سلف المؤمنين".

    وهذا الدعاء من أجمع ما يقال للطفل ووالديه، لأنه يجمع بين البشارة بالجنة والرحمة والفضل.

  • الحكمة من هذا الفضل العظيم

    يمكن تلخيص الحكمة من جعل الأطفال الذين يموتون صغاراً سبباً لرحمة والديهم في أمور عدة:

    1.   التخفيف عن الوالدين في مصابهم: فقد الولد من أشد الابتلاءات، فجعل الله له هذا الثواب تطييباً لقلوب الوالدين.

    2.   زيادة الصلة بالله تعالى: إذ يدفع الفقد الوالدين إلى الصبر والاحتساب، ما يرفع درجتهم.

    3.   تكريم الطفل: بأن يكون شفيعاً لوالديه يوم القيامة، ويجعل له منزلة عظيمة في الجنة.

  • خاتمة

    ٠

    إن رحمة الله عز وجل شاملة وعظيمة، ومن تجلياتها ما اختص به الأطفال الذين يموتون صغاراً، فقد جعلهم الله ذخراً لوالديهم، وفرطاً لهم إلى الجنة، وحجاباً من النار. كما أن هؤلاء الأطفال يكونون في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام في الجنة، يعيشون في نعيمها، فيطمئن قلب المسلم أن ولده لم يذهب هدراً بل صار سبباً في رفع درجته ودخوله الجنة.

    فالواجب على المسلم عند فقد ولده أن يصبر ويحتسب، ويوقن أن الله تعالى أرحم به من نفسه، وأنه سبحانه كتب له الخير والأجر العظيم.