الأدعية التي تُقال عند زيارة القبور: أدعية نبوية وآداب شرعية وأحكام فقهية

تعرف على الأدعية الصحيحة التي تُقال عند زيارة القبور كما وردت عن النبي ﷺ، مع بيان آداب زيارة المقابر، وأقوال العلماء في أحكام الدعاء للميت، وصيغ السلام على أهل القبور كما وردت في السنة النبوية.

الأدعية التي تُقال عند زيارة القبور: أدعية نبوية وآداب شرعية وأحكام فقهية
الأدعية التي تُقال عند زيارة القبور
  • مقدمة

    زيارة القبور عبادة جليلة وسنّة مؤكدة، أمر بها النبي ﷺ بعد أن نهى عنها أول الإسلام، لتذكّر المسلم بالآخرة، وللدعاء للأموات بالرحمة والمغفرة. وقد جاءت نصوصٌ صحيحة عن النبي ﷺ تبين ما يُقال عند زيارة القبور من أدعية مأثورة وصيغ شرعية تحفظ للعبادة معناها الإيماني والروحي.

  • مشروعية الدعاء عند زيارة القبور

    ثبتت مشروعية الدعاء للأموات وزيارة قبورهم في السنة النبوية الصحيحة، فقد قال النبي ﷺ:

    "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة."
    (رواه مسلم، رقم الحديث 977).

    فالدعاء عند القبور من أعظم القربات، إذ يجمع بين تذكّر المصير، والإحسان إلى الميت بالدعاء له، وهو من الأعمال التي يبقى نفعها متصلًا، لقوله ﷺ:

    "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له."
    (رواه مسلم، رقم الحديث 1631).

  • الأدعية النبوية المأثورة عند زيارة القبور

    1. الدعاء العام عند دخول المقبرة

    روى مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال:

    "كان رسول الله ﷺ يُعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا:
    السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية."
    (رواه مسلم، رقم الحديث 975).

    وهذا الدعاء هو الأشمل والأفضل أن يقوله الزائر كلما مر على المقابر، لما فيه من سلام ورحمة ودعاء بالعافية للأحياء والأموات.

    2. الدعاء الوارد عن عائشة رضي الله عنها

    روى مسلم عنها أنها قالت:

    "قلت: يا رسول الله، ماذا أقول إذا مررت بالمقابر؟ قال ﷺ:
    قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون."
    (رواه مسلم، رقم الحديث 974).

    وفي هذا الدعاء بيان لأدب الزائر مع أهل القبور، إذ يبدأ بالسلام ثم يتبع ذلك بالدعاء لهم بالرحمة، مع تذكّر أنه سيلحق بهم لا محالة.

    3. الدعاء المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما

    قال ابن عباس:

    "مرّ رسول الله ﷺ بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال:
    السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر."
    (رواه الترمذي، رقم الحديث 1053، وحسنه).

    وهذا الدعاء من أجمل الأدعية المأثورة لما فيه من روح التواضع والمواساة، إذ يجمع الزائر نفسه مع الموتى في طلب المغفرة والرحمة.

    4. الدعاء للميت عند قبر معين

    من السنة أن يقف الزائر عند القبر، مستقبلًا الميت بوجهه، ويدعو له بالدعاء الوارد عن النبي ﷺ في الجنازة، وهو:

    "اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار."
    (رواه مسلم، رقم الحديث 963).

    ويُستحب تكرار هذا الدعاء عند زيارة قبر قريب أو صديق أو أحد الصالحين، رجاء أن يناله فضل هذا الدعاء النبوي.

  • آداب الدعاء عند القبور

    زيارة القبور ليست فقط لتلاوة الدعاء، بل لها آداب شرعية تحفظ للعبادة سمتها وخشوعها، ومن أهم هذه الآداب:

    1.    النية الصادقة:
    أن تكون الزيارة بنية الاتعاظ والدعاء، لا للرياء أو العادة.

    2.    السكينة والوقار:
    أن يسير الزائر في المقبرة بخشوع، ويخفض صوته، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا.

    3.    الطهارة المستحبة:
    الوضوء عند زيارة القبور ليس واجبًا، لكنه مستحب لما فيه من تعظيم العبادة.

    4.    استقبال الميت بالوجه عند الدعاء:
    يُستحب أن يقف الزائر بحيث يكون القبر بينه وبين القبلة، ثم يُسلِّم ويدعو.

    5.    عدم قراءة القرآن عند القبور بنية الإهداء:
    فلم يثبت ذلك عن النبي ﷺ، وإنما المشروع هو الدعاء، لا القراءة.

    6.    عدم لمس القبور أو التبرك بها:
    فهذا منهيٌّ عنه، لأن العبادة تكون لله وحده، والدعاء للأموات لا يُستغاث بهم.

    7.    عدم تخصيص يوم للزيارة:
    كزيارة المقابر يوم الجمعة أو العيد دون دليل شرعي، فهو من البدع المحدثة.

  • الحكمة من الدعاء للأموات

    يُعد الدعاء للأموات من أعظم صور البرّ بعد موتهم، وهو باب من أبواب الرحمة المتصلة بين الأحياء والأموات. قال الله تعالى:

    ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾
    (سورة الحشر: 10).

    فمن دعا لأموات المسلمين نال الأجر العظيم، لأن الدعاء من الأعمال التي يُضاعف ثوابها، كما أنه سبب لرحمة الله بالميت.

  • نماذج من الأدعية العامة للزائر

    يمكن للزائر أن يجمع بين الأدعية النبوية والذكر العام، ومن الصيغ المستحبة:

    • اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النار.
    • اللهم اجعلهم من المبشرين بالجنة يوم العرض، واغفر لهم ولجميع موتى المسلمين.
    • اللهم أنر قبورهم، واجعل لهم فيها أنسًا ونورًا ورحمة.
    • اللهم اجعلهم ممن قلت فيهم: ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الجاثية: 30].

    مع الحرص على أن تكون الأدعية خالية من التكلف والاعتداء في الدعاء.

  • فضل الدعاء عند القبور

    الدعاء عند القبور له فضل عظيم، لأنه يجمع بين رحمة الأحياء بالأموات، وذكر الآخرة، وتزكية النفس. قال الإمام النووي رحمه الله:

    "يُستحب أن يكثر الزائر من الدعاء والاستغفار للموتى، فإنهم أحوج ما يكونون إليه، وهو من أعظم القربات."

    كما أن الدعاء للأموات سبب لرفع درجاتهم في الجنة، لما ثبت أن الميت يُرفع فيقول:

    "يا رب أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك."
    (رواه ابن ماجه، رقم الحديث 3660).

  • الخاتمة

    إن الدعاء عند زيارة القبور عبادة عظيمة تُحيي في النفس الشعور بالآخرة، وتُرسّخ مفهوم الرحمة والتواصل الإيماني بين المسلمين. ومن السنة أن يُسلّم الزائر على أهل المقابر، ويدعو لهم بالأدعية المأثورة عن النبي ﷺ، دون ابتداع أو غلوّ.

    فالزيارة المشروعة تُثمر قلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا، وتُعيد للعبد توازنه الروحي وتذكّره بأن المصير إلى الله لا محالة.
    نسأل الله أن يرحم أموات المسلمين جميعًا، وأن يجعل زيارتنا لهم سببًا لمغفرته ورضوانه.