الحكمة من قتل الوزغ(البرص) في الإسلام وأقوال العلماء فيه
تعرف على الحكمة من قتل الوزغ في الإسلام، مع أقوال العلماء والأدلة النبوية، وفوائد عظيمة شرعها الدين لدفع الأذى وحماية النفس.

-
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جعل الله تعالى شريعة الإسلام قائمة على درء المفاسد وجلب المصالح، وشرع لعباده ما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة. ومن تمام هذه الشريعة أنها اهتمت بتفاصيل دقيقة تتعلق بحياة الإنسان وسلامته، ومنها ما جاء في الحث على قتل الوزغ (البرص)، لما فيه من ضرر وأذى على الإنسان وبيئته.
وقد وردت عدة أحاديث صحيحة في هذا الباب، صرحت بالأجر العظيم لمن قتله، وكشفت عن بعض الجوانب الخفية التي تجعل هذا الحيوان من "الفواسق"، بل ووصِف بالشيطانية والخبث. فما هي الحكمة من قتل الوزغ؟ وما هي أقوال العلماء في هذه المسألة؟ هذا ما نعرضه مفصلًا في هذه المقالة. -
تعريف الوزغ (البرص) وصفاته
الوزغ، ويسمى أيضًا "البرص"، هو نوع من الزواحف الصغيرة التي تنتمي لفصيلة السحالي. يتميز بجلده الرقيق وقدرته على التسلق على الجدران والأسقف. وقد عُرف عنه دخوله البيوت دون استئذان، وانتشاره في الأماكن الرطبة والدافئة.
ويُعرف الوزغ بكونه من ذوات السموم، وتخرج منه إفرازات قد تؤدي إلى إفساد الطعام أو نقل الأمراض، وقد ذُكر في بعض الأقوال أن لعابه أو خُراؤه مفسد للطعام، لا سيما الملح. -
الأدلة الشرعية في قتل الوزغ(البرص)
1. حديث أم شريك رضي الله عنها
روى البخاري عن أم شريك رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال:
"وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام"
والحديث صريح في بيان أن الوزغ كان له دور خبيث وعدائي حتى في مشهد إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار.2. حديث عائشة رضي الله عنها
في صحيح ابن حبان أن مولاة فاكه بن المغيرة دخلت على أم المؤمنين عائشة، فرأت في بيتها رمحًا، فقالت: ما تصنعين به؟ قالت:
"نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار، لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه، إلا الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه، فأمر النبي بقتله".
3. حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قتل وزغة في أول ضربة كُتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك"
(رواه مسلم)
وفي رواية أخرى:
"من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له سبعون حسنة" (صحيح مسلم 3359)
وقد علّق العلماء على اختلاف العدد بأن الأجر يختلف باختلاف الإخلاص والمبادرة في القتل. -
تفسير العلماء للحكمة من قتل الوزغ(البرص)
قال الإمام النووي رحمه الله:
"الوزغ من الحشرات المؤذيات، وأمر النبي بقتله، وحث عليه، ورغّب فيه لكونه من المؤذيات."
وهذا يوافق القاعدة العامة في الإسلام بأن كل مؤذٍ يجوز قتله لدفع ضرره.2. تمرده وفساده وشيطنته
سمي الوزغ في الحديث بـ"فويسق"، وهذا من الفسق والخروج عن الطبيعة السوية. وقد شبّهه العلماء بالفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم، وهي:
- الغراب
- الحدأة
- العقرب
- الفأرة
- الكلب العقور
وقد قال ابن عمر رضي الله عنه:
"اقتلوه، فإنه شيطان" (رواه عبد الرزاق في المصنف)
وهذا التصريح يدل على أن الوزغ فيه نوع من التمرد والشبهة الشيطانية.3. مساندته للنار التي ألقي فيها إبراهيم عليه السلام
روى الإمام أحمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الوزغ فويسق"، وأنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام، ولم تشارك أي دابة في هذه الخيانة، إلا هذا الحيوان.
قال الإمام القاري:
"بيان لخبث هذا النوع وفساده، وأنه بلغ مبلغًا جعله أداة للشيطان، ليسعى في إيذاء خليل الله". - الغراب
-
أقوال الفقهاء في حكم قتل الوزغ
المذاهب الأربعة
- الحنفية والمالكية: أجازوا قتل الحشرات المؤذية بشرط دفع الضرر لا العبث.
- الشافعية: قسموا الحشرات إلى مؤذية وغير مؤذية، واستحبوا قتل المؤذي منها كالوزغ.
- الحنابلة: استحبوا قتل كل ما كان طبعه الأذى، حتى وإن لم يؤذ بالفعل، كالوزغ والعقرب والبعوض.
من الفتاوى المعاصرة
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية:
"قتل الوزغ مستحب، لورود الأحاديث في ذلك، وفيه أجر كبير، وقد دل الحديث على أنه من الفواسق، ومؤذٍ بطبعه".
- الحنفية والمالكية: أجازوا قتل الحشرات المؤذية بشرط دفع الضرر لا العبث.
-
الفوائد المستنبطة من مشروعية قتل الوزغ(البرص)
1. دفع الأذى عن النفس والأهل والبيئة، وهذا من مقاصد الشريعة.
2. التحذير من الكائنات الشيطانية التي تضر ولا تنفع.
3. أجر عظيم لمن بادر بقتل الوزغ؛ تحفيزًا على الإسراع في الخير ودفع الضرر.
4. تعظيم شأن نبي الله إبراهيم عليه السلام، والوقوف في صف من دافع عنه، والبعد عمن ناصبه العداء حتى من الحيوانات.
5. تعليم المسلم فقه التعامل مع الكائنات من حوله وفق ضوابط الشريعة.
-
أقوال العلماء في وصف الوزغ(البرص)
- قال النفراوي المالكي:
"قيل إن الوزغة كانت يهودية، مسخها الله؛ لأنها نفخت في نار إبراهيم، وهي من ذوات السموم، بل قال بعضهم إنها أشد سمًّا من الحية."
- وقال ابن حجر:
"هي تفسد الطعام، وتفسد الملح بخُرائها إن لم تجد طريقًا لإفساده مباشرة."
- قال النفراوي المالكي:
-
الخاتمة
إن دين الإسلام قد أتى بالتشريعات التي تضمن حماية الإنسان من الأذى، جسديًا ومعنويًا، حتى لو كان مصدره مخلوقات صغيرة كالحشرات والزواحف. وقد جاء الأمر بقتل الوزغ لما فيه من الضرر والفساد، وتعددت النصوص النبوية في التحفيز على قتله، بل ورفعت أجر من يقتله إلى مئة حسنة.
وختامًا، علينا أن نستجيب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقتل الوزغ دفعًا للأذى، وطلبًا للأجر، وأن نفقه علل التشريع ومراميه، فكل أمر في الشريعة مبني على حكمة وعدل ورحمة.