حكم تبييت القمامة في البيت في ضوء الشريعة الإسلامية
تعرف على حكم تبييت القمامة في البيت في ضوء الشريعة الإسلامية، مع بيان صحة حديث "لا تبيتوا القمامة في بيوتكم"، وفتاوى العلماء حوله، وأهمية النظافة في الإسلام للحفاظ على الطهارة والصحة العامة.
-
مقدمة
تعدّ النظافة مبدأً أصيلًا في الشريعة الإسلامية، فهي من دلائل الإيمان وركيزة من ركائز الطهارة الحسية والمعنوية. ومع كثرة الأحاديث المنتشرة بين الناس حول النهي عن تبييت القمامة في البيت، يكثر التساؤل عن مدى صحتها وعن الموقف الشرعي الحقيقي من ترك القمامة في المنازل ليلًا. وفي هذا المقال نستعرض صحة الحديث المنسوب إلى النبي ﷺ، ونبين المنهج الفقهي الصحيح في التعامل مع هذه المسألة، مع التوضيح العلمي لمقاصد الشرع في الحفاظ على النظافة والوقاية من الأذى والأمراض.
-
نص الحديث الوارد في النهي عن تبييت القمامة في البيت
ورد حديث يُروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، بلفظ:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُبيت القمامة في البيت، وقال: لا تبيتوا القمامة في بيوتكم، فإنها مقعد الشيطان."
وقد أخرجه عبد بن حميد في المنتخب من المسند (2/179)، وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (4/320 – 321) وحكم عليه بقوله:
"ضعيف جدًا، رواه عبد بن حميد عن حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما مرفوعًا، وحرام هذا قال فيه الشافعي وابن معين: الرواية عن حرام حرام، وقال مالك: ليس بثقة."
كما روى نحوه عبد الرزاق في المصنف (11/32) عن معمر عن حرام بن عثمان، عن ابن جابر، عن جابر أن النبي ﷺ قال:
"نهى أن تُترك القمامة في الحجرة؛ فإنها مجلس الشيطان."
وكلا الإسنادين ضعيف جدًا، لوجود حرام بن عثمان في السند، وهو متروك الحديث كما نص على ذلك كبار النقاد من المحدثين.
-
الحكم على الحديث من الناحية الحديثية
أجمع علماء الحديث على أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي ﷺ، لأن في سنده راوٍ متروك، وهو حرام بن عثمان.
قال الإمام الذهبي في الميزان: "حرام بن عثمان المدني، قال مالك: ليس بثقة. وقال الشافعي: لا يكتب حديثه."وبناءً على ذلك، فالحديث لا يُحتج به شرعًا، ولا يُنسب إلى النبي ﷺ، ولا يصح أن يُقال إن النبي نهى عن تبييت القمامة في البيت على وجه النسبة القطعية.
ومع ضعف الحديث، فإن المعنى العام الذي تضمنه لا يخالف مقاصد الشريعة، إذ إن الإسلام دعا إلى النظافة والطهارة في جميع شؤون الحياة.
-
التوجيه الشرعي من النصوص الصحيحة في شأن النظافة والطهارة
الإسلام دين الطهارة والنقاء، وقد جعلها عنوانًا للإيمان، فقال النبي ﷺ:
«الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ»
رواه مسلم (223).وقال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
[سورة البقرة: 222].كما أمر النبي ﷺ المسلمين بالنظافة في كل مظاهر الحياة، فقال:
«إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود»
رواه الترمذي (2799) وحسّنه الألباني.فهذه النصوص تؤسس لقاعدة شرعية عامة، وهي أن النظافة والطهارة من محاسن الأخلاق الإسلامية، وأن ترك الأوساخ والقمامة في البيوت يتعارض مع هذا الأصل النبوي.
-
الحكمة من تجنب تبييت القمامة في البيت
حتى مع ضعف الحديث، فإن المنع من تبييت القمامة في البيوت له مسوغات عقلية وصحية وشرعية، منها:
1. الوقاية من الأمراض والأوبئة
القمامة بيئة خصبة لنمو البكتيريا والحشرات والجراثيم، وتركها في البيت ليلًا قد يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة ونقل العدوى.2. منع انتشار الروائح المنفرة
وهي منافية لمكارم الأخلاق التي حث عليها الإسلام، إذ نهى النبي ﷺ عن كل ما يؤذي الناس أو يسبب لهم ضيقًا في بيوتهم أو مساجدهم.3. سدّ أبواب الأذى ومداخل الشيطان
وإن لم يثبت نص صريح في كون القمامة "مجلسًا للشيطان"، إلا أن الشرع أمرنا باتخاذ الأسباب التي تُبعد الوساوس والنجاسات وكل ما يُفسد بيئة البيت الطيبة.4. تحقيق الجمال والنظام في البيت المسلم
فالمسلم مدعوٌّ إلى العناية ببيئته ومحيطه، امتثالًا لقوله تعالى:﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
[سورة البقرة: 195]. -
النظافة في منظور الشريعة والمقاصد العامة
تندرج النظافة ضمن مقاصد الشريعة الخمسة من جهة حفظ النفس، إذ إن بقاء القاذورات في البيوت سبب مباشر لانتشار الأمراض والضرر، والضرر منفي في الإسلام، كما في قول النبي ﷺ:
«لا ضرر ولا ضرار»
رواه ابن ماجه (2341) وصححه الألباني.فمن مقتضيات هذا الحديث أن يسارع المسلم إلى إزالة كل ما يسبب ضررًا له أو لأهل بيته، والقمامة من أبرز تلك الأسباب في البيئات الحديثة.
-
موقف العلماء المعاصرين
صرح عدد من العلماء واللجان الشرعية الحديثة، كـاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، بأنه:
"لم يثبت عن النبي ﷺ حديث صحيح في النهي عن تبييت القمامة، ولكن إخراجها من البيت من مكارم الأخلاق ومن النظافة التي يحبها الله."
وكذلك أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين في فتاواهما بأن الحديث لا يصح، ولكن العمل بمقتضى معناه من باب النظافة والطهارة مطلوب شرعًا.
-
الخاتمة
يتضح مما سبق أن حديث النهي عن تبييت القمامة في البيت لا يصح من حيث السند، لكن مضمونه يتفق مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها في النظافة والطهارة، والابتعاد عن كل ما يسبب الضرر أو الأذى. فالمسلم مأمور بأن يكون بيته طاهرًا نقيًّا، خاليًا من القاذورات والروائح الكريهة، امتثالًا لأمر الله تعالى:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [سورة المدثر: 4].
فإخراج القمامة قبل الليل ليس التزامًا بنصٍّ نبويٍّ ثابت، وإنما تعبير عن سلوك حضاري وديني يعكس وعي المسلم وحرصه على طهارته ونظافة بيئته.