كثرة النساء وقلة الرجال في آخر الزمان: دراسة شرعية وتحليل واقعي

اكتشف الحكمة من كثرة النساء في آخر الزمان كما أخبر النبي ﷺ، وتعرّف على المعنى الشرعي للحديث، وأهم أسبابه ومظاهره في الواقع المعاصر، مع بيان دلالاته الاجتماعية والشرعية وفق أقوال العلماء.

كثرة النساء وقلة الرجال في آخر الزمان: دراسة شرعية وتحليل واقعي
كثرة النساء وقلة الرجال في آخر الزمان
  • مقدمة

    من علامات الساعة الصغرى التي أخبر بها النبي ﷺ، ما يتعلق بالاختلال الديموغرافي بين عدد النساء والرجال في آخر الزمان، وهو ما عبّر عنه الحديث الشريف بقوله ﷺ:

    «وَيَقِلُّ الرِّجَالُ، وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةٍ الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ»
    (رواه البخاري ومسلم).

    وهذه العلامة النبوية الدقيقة تمثل إشارة إلى تحولات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية كبيرة تسبق قيام الساعة، حيث تقل أعداد الرجال الصالحين القائمين بمسؤولياتهم، وتكثر النساء، فيحدث خلل في توازن المجتمع وتركيب الأسرة.

    في هذا المقال سنسلط الضوء على معنى هذا الحديث، وأقوال العلماء فيه، والأسباب التي قد تؤدي إلى تحقق هذه العلامة، ثم نناقش دلالاتها الواقعية والاجتماعية والنفسية، وكيف ينبغي للمجتمعات المسلمة أن تتعامل مع هذا الواقع بما يحفظ توازنها وأمنها القيمي.

  • النصوص الشرعية المتعلقة بكثرة النساء آخر الزمان

    1. حديث كثرة النساء وقلة الرجال

    روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

    «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةٍ الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ».

    وهذا الحديث متفق على صحته، وهو من علامات الساعة الصغرى التي تقع قبل قرب قيام الساعة بمدة طويلة.

    2. معنى "القَيِّم الواحد"

    فسر العلماء لفظ "القَيِّم" بأنه: من يقوم بأمر النساء، فينفق عليهن، ويعولهن، ويحفظ حقوقهن. قال الإمام النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم":

    «المعنى أن الرجال يقلّون، فيحتاج الرجل الواحد أن يقوم بأمر عدد كبير من النساء من قرابة أو زوجات أو غيرهن».

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

    «المقصود بالقَيِّم من يقوم على شأن النساء بالنفقة والرعاية، والمعنى أنه يقلّ عدد الرجال في آخر الزمان، فيكثر النساء اللاتي يحتجن إلى القيم» (فتاوى ابن باز).

  • أقوال العلماء في تفسير هذا الحديث

    1. الإمام النووي رحمه الله

    يرى أن الحديث يدل على أن هذا الأمر من علامات الساعة الصغرى، وأن المقصود به الكثرة الحقيقية للنساء بسبب قلة الولادات من الذكور أو كثرة وفياتهم بالحروب والمحن، أو بسبب كثرة النساء في مقابل الرجال الصالحين القادرين على القوامة.

    2. الحافظ ابن حجر العسقلاني

    قال في "فتح الباري":

    «فيه إشارة إلى كثرة الفتن، وقلة من يُعتمد عليه من الرجال، وكثرة النساء لقلّة من يتزوج بهن».
    وفسّر العدد "خمسين" بأنه للتكثير لا للتحديد، أي أن المقصود كثرة النساء وقلة الرجال بشكل ظاهر يلفت الأنظار.

    3. الشيخ عبد الرحمن السعدي

    ذكر أن هذه العلامة من مظاهر اختلال التوازن الاجتماعي في آخر الزمان، وأنها ناتجة عن ضعف الإيمان، وانتشار الفساد، وكثرة القتل، والفتن التي تزهق أرواح الرجال أكثر من النساء.

  • الأسباب المحتملة لكثرة النساء في آخر الزمان

    1. الحروب والملاحم والقتل

    من أبرز الأسباب التي ذكرها العلماء: كثرة الحروب والقتال في آخر الزمان، حيث يهلك فيها عدد كبير من الرجال، ويبقى النساء.
    قال ابن باز رحمه الله:

    «هذا – والله أعلم – من أسباب كثرة النساء في آخر الزمان، لكثرة الحروب والفتن التي يقتل فيها الرجال» (موقع ابن باز الرسمي).

    2. ضعف الإنجاب في الذكور

    قد يكون من قدر الله في تلك المرحلة أن يقل عدد الذكور المولودين، وتكثر الإناث، وهو ما أشار إليه العلماء كاحتمال قدري ضمن سنة الله في الخلق.

    3. انتشار الفتن والمعاصي

    من نتائج الفتن ورفع العلم وظهور الجهل أن يقل الرجال القادرون على القوامة الشرعية، لأن الرجل في الإسلام لا يُقاس بعدده الجسدي فقط، بل بقدرته على تحمل المسؤولية والقيادة والإصلاح، فإذا ضعف الإيمان وعم الجهل، قلّت القوامة، وزادت الفوضى الاجتماعية.

    4. انصراف الرجال عن الزواج أو القوامة

    من الأسباب المعاصرة التي يرى بعض الباحثين أنها تمهد لعلامة كثرة النساء:

    • عزوف الرجال عن الزواج لأسباب اقتصادية أو فكرية.
    • انشغالهم بملذات الدنيا وضعف الوازع الديني.
    • تحوّل الأدوار الاجتماعية مما جعل القوامة مفهوماً غائباً أو مشوشاً في بعض المجتمعات.
  • التحليل الاجتماعي والواقعي

    1. دلالات الحديث في ضوء الواقع المعاصر

    إذا نظرنا إلى إحصائيات الأمم المتحدة اليوم، نرى أن نسبة النساء إلى الرجال عالمياً تقارب (102 إلى 100)، أي أن عدد النساء يفوق الرجال قليلاً، لكن في بعض المناطق الإسلامية التي ابتليت بالحروب – مثل فلسطين، وسوريا، واليمن – يظهر التفاوت بوضوح أشد.

    ورغم أن الحديث لا يُقصد به هذا العصر بالضرورة، إلا أن المؤشرات الديموغرافية والفتنية المعاصرة تمهد لفهم أعمق للعلامة النبوية.

    2. الانعكاس على بناء الأسرة

    قلة الرجال الصالحين تعني بالضرورة قلة القوامة، وضعف الاستقرار الأسري، وارتفاع معدلات العنوسة، وازدياد الضغوط النفسية والاجتماعية على النساء.

    كما يؤدي ذلك إلى ظهور أنماط اجتماعية غريبة عن الفطرة مثل:

    • تأخر الزواج.
    • ضعف المسؤولية الأسرية.
    • ارتفاع نسب الطلاق والانفصال.

    3. الجانب النفسي والأخلاقي

    يشير علماء النفس والاجتماع إلى أن اختلال النسبة بين الجنسين يؤدي إلى تغيّر في البنية العاطفية والاجتماعية للمجتمع، حيث تزداد المنافسة غير المشروعة، وتضعف قيم العفة، ويقلّ الزواج الشرعي، وهو ما أشار إليه الحديث بظهور الزنا وشرب الخمر ورفع العلم.

  • رمزية العدد في الحديث النبوي

    1. هل العدد خمسين على سبيل الحقيقة أم المبالغة؟

    ذهب أكثر العلماء إلى أن العدد المذكور في الحديث «خمسين» هو للمبالغة في الكثرة، وليس للحصر. أي أن المقصود هو الكثرة المفرطة في النساء بالنسبة إلى الرجال.
    وقد قال ابن حجر:

    «يُراد به المبالغة لا التحديد، لأن الكثرة تتفاوت باختلاف الأزمنة والأمكنة».

    2. الدلالة البلاغية

    يُحتمل أن النبي ﷺ أراد بهذا العدد أن يصور الموقف تصويراً بليغاً يجعل السامع يتخيل الفجوة الكبيرة بين الجنسين، وليس المقصود الإحصاء الرقمي.

  • المعنى الإيماني والأخلاقي للعلامة

    1. هذه العلامة ليست مدحاً ولا ذماً

    كثرة النساء ليست شراً في ذاتها، ولا قلة الرجال خيراً في ذاتها، لكن السياق النبوي يربطها بعلامات ضعف الإيمان وانتشار الفتن، مما يجعلها إنذاراً للأمة بوجوب العودة إلى منهج الله قبل فوات الأوان.

    2. المعنى التحذيري

    هذه العلامة تحذر من زمن تغيب فيه معاني الرجولة والقوامة، وتظهر فيه المرأة بلا حماية أو توجيه، فتكون أكثر عرضة للضياع والانحراف، لذا جاء الحديث تنبيهاً للمسلمين ليعدّوا للأمر عدته بالإصلاح والإيمان.

    3. المعنى الإصلاحي

    إذا قلّ الرجال بالعدد أو بالمعنى (أي قلّت القوامة الصادقة)، وجب على الأمة أن تعيد بناء مؤسساتها التربوية والاجتماعية، لتنشئ جيلاً من الرجال يحمل مسؤولية الدين والدنيا.

  • انعكاسات العلامة على الواقع الإسلامي

    1. مسؤولية المجتمع والدولة

    ينبغي للمجتمعات الإسلامية أن تستعد لهذه التحولات من خلال:

    • نشر التعليم الديني والأخلاقي.
    • تشجيع الزواج المبكر وتيسيره.
    • حماية المرأة بالضوابط الشرعية من الانحراف أو التبعية.
    • بناء الوعي الأسري في مواجهة العزوف عن الزواج.

    2. مسؤولية المرأة المسلمة

    حين تقل القوامة، تزداد أهمية الوعي الذاتي لدى المرأة؛ فينبغي أن تعتصم بدينها، وتحصن نفسها بالعلم الشرعي والحشمة، وألا تستجيب لموجات التحرر التي تُزيّن لها الخروج من دورها الفطري بدعوى المساواة.

    قال الله تعالى:

    ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾
    (الأحزاب: 32).

  • البعد الحضاري والفلسفي للعلامة

    الحديث النبوي لا يُقصد به مجرد الوصف العددي، بل يحمل رسالة حضارية وتنبيهية، فحين يقلّ الرجال – بمعنى أهل القيم والمروءة – تضعف الأمة في ميدان البناء والجهاد والعلم، وحين تكثر النساء بلا قيادة راشدة، يختل التوازن الاجتماعي وتفقد الأمة استقرارها.

    وهذا ينسجم مع قوله ﷺ في الحديث الآخر:

    «يُوشِكُ الأُمَمُ أن تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قصعتها».
    فكثرة النساء ليست السبب المباشر للضعف، بل نتيجة من نتائج انحسار القيادة الإيمانية.

  • كيف نواجه هذه الظاهرة بإيمان وحكمة

    1.    الرجوع إلى منهج الإسلام في بناء الأسرة:
    أن تكون القوامة عبادة ومسؤولية، لا تسلطاً أو ترفاً.

    2.    إحياء التربية الرجولية والإيمانية:
    تربية الأبناء على الجهاد والعلم والخلق، لا على الترف والكسل.

    3.    دعم المرأة المسلمة علمياً وروحياً:
    لتحمل رسالتها بوعي وثبات، فحين يقل الرجال الصالحون، تبقى المرأة الصالحة عماد المجتمع.

    4.    تفعيل دور المؤسسات الدينية والإعلامية:
    في توعية الأمة بهذه العلامة، وفهمها ضمن منظومة السنن الإلهية لا كخبر ترهيبي فقط.

    5.    الاستعداد الاجتماعي والاقتصادي:
    بوضع خطط لدعم الزواج وتكوين الأسرة، لأن الفتن الاجتماعية غالباً ما تنشأ من انهيار هذا الركن.

  • خاتمة

    إن كثرة النساء وقلة الرجال في آخر الزمان ليست مجرد ملاحظة رقمية، بل هي علامة نبوية ذات دلالة روحية وأخلاقية واجتماعية عميقة، تشير إلى خلل في ميزان المسؤولية والقيادة والإيمان.
    فحين يغيب الرجل القائم بأمر الله، وتُترك المرأة بلا رعاية شرعية، يختل المجتمع، ويضعف البناء الأسري، وتضيع القيم.

    وهذه العلامة دعوة صريحة للمسلمين جميعاً أن يعودوا إلى روح الإسلام، وأن يُصلحوا واقعهم قبل أن تتفاقم الفتن.
    فكثرة النساء وقلة الرجال ليست قدراً سلبياً، بل اختبار من الله تعالى لأمة أراد لها أن تنهض على ميزان القوامة العادلة والعدل بين الجنسين كما أراده الله في قوله تعالى:

    ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34).