من علامات الساعة تقارب الزمان: المعنى الصحيح والتفسير النبوي والواقع المعاصر

تعرف على معنى حديث "يتقارب الزمان" من علامات الساعة الصغرى، وتفسير العلماء له، وعلاقته بسرعة التكنولوجيا وكثرة الفتن، مع بيان الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وشرح العلماء القدامى والمعاصرين.

من علامات الساعة تقارب الزمان: المعنى الصحيح والتفسير النبوي والواقع المعاصر
من علامات الساعة تقارب الزمان: المعنى الصحيح والتفسير النبوي والواقع المعاصر
  • مقدمة

    يُعدّ تقارب الزمان من أبرز علامات الساعة الصغرى التي أنبأ بها النبي ﷺ، وهو من الظواهر التي تُدهش العقول حين يتأمل المرء كيف تمرّ الأيام والسنون بسرعة غير معهودة. وقد فسر العلماء هذا الحديث على أوجه متعددة تجمع بين المعنى الحسي والمعنوي، مما يجعل هذا العلامة من أصدق دلائل النبوة، إذ نعيش مظاهرها اليوم بوضوح في حياتنا المعاصرة.

  • تعريف الساعة وأشراطها

    الساعة في الاصطلاح الشرعي هي قيام القيامة وانتهاء الحياة الدنيا، كما قال تعالى:

    {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1].

    وسُميت "ساعة" لسرعة وقوعها، وقيل: لأن حساب الخلق فيها يتمّ في "ساعة" من الزمان.
    أما أشراط الساعة فهي علاماتها التي تدل على قرب وقوعها، وقد وردت في القرآن والسنة، وهي نوعان:

    1.   علامات كبرى: تقع قبيل قيام الساعة مباشرة مثل خروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة.

    2.   علامات صغرى: تسبق الكبرى بزمن طويل، وبعضها وقع وانتهى، وبعضها يتكرر ويستمر، ومنها:

    o       كثرة المال.

    o       انتشار الزنا والربا.

    o       ضياع الأمانة.

    o       تقارب الزمان.

  • النص النبوي في تقارب الزمان

    جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

    «لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل»
    رواه البخاري (1036) ومسلم (157).

    وفي رواية أخرى:

    «يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج»
    رواه البخاري (7061) ومسلم (157).

  • شرح معنى "يتقارب الزمان" عند العلماء

    1. التقارب الحسي للزمان

    ذهب بعض العلماء إلى أن المقصود أن الزمن نفسه يُصبح أقصر، أي أن مرور الأيام والأعوام يكون أسرع مما كان عليه سابقًا.
    قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:

    "اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان؛ فقيل هو قصره بالنسبة إلى بركته، أي أن الأيام تمرّ سريعًا ولا ينتفع الناس بها كما كانوا ينتفعون قبل، وقيل هو قصره حقيقة، وذلك من علامات الساعة".

    وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (13/16):

    "وقد يكون المراد بتقارب الزمان قلة البركة في الوقت، حتى تمرّ السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة".

    وهذا المعنى هو الأظهر، إذ نشهد في عصرنا أن السنوات تمضي كالأيام، والأشهر تمرّ دون أن يشعر بها الناس لكثرة الانشغال وضياع البركة في الوقت.

    2. التقارب المعنوي (تقارب الأمكنة والأحداث)

    فسّر بعض العلماء الحديث على أن المقصود تقارب المسافات وسرعة الوصول، وهو ما نشهده بوضوح في عصر المواصلات الحديثة والاتصال الفوري.
    قال ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي:

    "يتقارب الزمان بمعنى تقارب المسافات، بحيث يُقطع ما كان يُحتاج فيه إلى يوم في ساعة، وذلك بفضل تسخير الله تعالى الوسائل".

    وفي تفسير الشيخ ابن باز رحمه الله:

    "تقارب الزمان يحتمل أن يكون من سرعة مرور الوقت، ويحتمل أن يكون من تقارب الأمكنة وسرعة المواصلات كما هو مشاهد في هذا العصر".

    أما الشيخ ابن عثيمين فقال في الشرح الممتع:

    "من علامات الساعة تقارب الزمان، وهو من جهة حسية محسوسة، فالآن يقطع الإنسان آلاف الكيلومترات في ساعات معدودة، وهو ما لم يكن متصورًا في الزمن السابق".

  • التقارب الزمني في الواقع المعاصر

    لقد تحققت مظاهر تقارب الزمان في عصرنا بوضوح، ومن أبرزها:

    1.    سرعة وسائل النقل:
    فالسفر الذي كان يستغرق شهورًا أصبح لا يتعدى ساعات، مما جعل الأرض قرية صغيرة متقاربة الأرجاء.

    2.    الثورة الرقمية والاتصالات:
    الرسائل التي كانت تُرسل في أسابيع باتت تصل في ثوانٍ عبر الإنترنت والهواتف الذكية.

    3.    تسارع الأحداث العالمية:
    الأخبار تنتقل في لحظة، والوقائع تتتابع بوتيرة مذهلة، مما يشعر الناس أن الزمن يركض بلا توقف.

    ضياع بركة الوقت:
    كثرة الملهيات الإلكترونية والتزاحم في المسؤوليات قللت من البركة في اليوم، فيمرّ اليوم دون إنجاز يُذكر، وهذه من أعظم مظاهر التقارب الزمني المذكور في الحديث.

  • الحكمة من تقارب الزمان

    • اختبار للناس في سرعة الفتن: فكلما تسارع الزمن، زادت الفتن وتداخلت، كما قال ﷺ:

    «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا» (رواه مسلم 144).

    • إشارة إلى ضعف الهمة وقلة البركة: فالزمن هو هو، ولكن البركة تُرفع.
    • تمهيد للعلامات الكبرى: لأن انشغال الناس وكثرة الفتن تُلهيهم عن التوبة والاستعداد للآخرة.
  • كيف يتعامل المسلم مع هذه العلامة؟

    1.   التمسك بالعبادة والطاعة: فكلما ضاعت البركة، كان اللجوء إلى الله هو الحل.

    2.   تنظيم الوقت واستثماره في الخير والعلم والدعوة.

    3.   الابتعاد عن الملهيات التي تسرق العمر دون فائدة.

    4.   الإكثار من الذكر والاستغفار، فهما مفتاح البركة في الوقت والعمر والرزق.

    قال النبي ﷺ:

    «اللهم بارك لأمتي في بكورها» (رواه أبو داود 2606).

  • تفاسير العلماء المعاصرين

    قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

    "من علامات الساعة أن يقلّ إحساس الناس بالزمن، فتجد العام يمر كالشهر، والشهر كالأسبوع، لكثرة الانشغال بالماديات وذهاب البركة من الأعمار".

    وقال الدكتور محمد راتب النابلسي:

    "بركة الوقت تُسحب عندما يغفل الإنسان عن مهمته، فالساعة تمرّ وكأنها دقيقة، وهذا هو معنى تقارب الزمان الذي نعيشه اليوم".

  • الخاتمة

    إن حديث «يتقارب الزمان» معجزة نبوية خالدة تُظهر صدق النبي ﷺ، إذ نعيش اليوم تفاصيلها بكل معانيها الحسية والمعنوية. فالعاقل من وعى هذه العلامات واستثمر وقته في طاعة الله، قبل أن يُصبح من الذين قال الله فيهم:

    {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99].

    فاغتنم وقتك، فالزمان يمضي سريعًا، والساعة تقترب، وما بعد ذلك إلا اللقاء بالله جل وعلا.