فضل صيام الست من شوال وأحكامه الشرعية
تعرف على فضل صيام الست من شوال وأحكامها الشرعية، مع الأدلة من السنة النبوية، وأقوال العلماء في حكمها، وبيان فوائدها الروحية والإيمانية، لتغتنم الأجر العظيم وتستمر في الطاعة بعد رمضان.
-
مقدمة
بعد أن يُوفَّق المؤمن لإتمام فريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، تتجلّى رحمة الله تعالى في أن يفتح له أبواب الطاعات بعد رمضان ليواصل سيره إلى الله بصدق وثبات، ومن أعظم تلك النوافل التي شُرعت بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال، التي جعلها النبي ﷺ سببًا في مضاعفة الأجر حتى يكون صيامها مع رمضان كصيام الدهر كله.
وقد أجمع العلماء على أن صيام هذه الأيام سنة مؤكدة عن رسول الله ﷺ، لما فيها من فضل عظيم ومصلحة دينية وروحية، فهي تكمل ما قد يقع من نقص في صيام الفريضة، وتُعدُّ علامة على قبول العمل، واستمرار الصلة بين العبد وربه بعد شهر المغفرة والعتق من النار.
-
الدليل من السنة النبوية
ثبت في صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر".
وفي رواية عند ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}"، صححه الألباني.
وفسّر العلماء هذا الحديث بقولهم: الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان يعادل صيام عشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال يعادل شهرين، فالمجموع اثنا عشر شهرًا، أي سنة كاملة، فكأن العبد صام الدهر كله.
-
الحكمة من مشروعية صيام الست من شوال
لم يشرع الله شيئًا إلا لحكمة بالغة، ومن أهم حِكم صيام الست من شوال:
1. جبر النقص في صيام رمضان:
فالصيام – كغيره من العبادات – قد يشوبه التقصير أو السهو، فتأتي النوافل لتكمّل ما نقص من الفرائض، كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه أبو داود:"إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة..."
2. دليل على قبول العمل:
قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. فمن وُفِّق لصيام الست بعد رمضان، كان ذلك علامة على قبول الله لصيامه في رمضان، لأن الله إذا تقبل من عبدٍ عملًا، يسّره لعملٍ صالحٍ بعده.3. شكر لله على توفيقه لصيام رمضان:
فالطاعة تقتضي شكرًا بعدها، وصيام الست من شوال هو مظهر من مظاهر الشكر لله على تمام نعمة الصيام، كما قال تعالى:{لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
4. الاستمرار على الطاعة بعد مواسم الخير:
فالمؤمن الحق لا يعبد الله في موسم دون آخر، بل يواصل الطاعة طوال العام، وصيام الست من شوال تدريب عملي على الثبات بعد رمضان، وهو ما عبّر عنه بشر الحافي بقوله:"بئس القوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في رمضان، إن الصالح من يتعبد ويجتهد السنة كلها."
-
فضل صيام الست من شوال
1. مضاعفة الأجر وكسب صيام الدهر كله:
بفضل الله وكرمه، جعل صيام هذه الأيام القليلة يعدل صيام سنة كاملة، وهذا فضل لا يُقدّر بثمن، يدل على سعة رحمة الله وعظيم عطائه لعباده.2. الارتقاء في درجات الإيمان:
فالاستمرار على الطاعات بعد رمضان دليل على صفاء القلب وإخلاص النية، وصيام الست يعين على تزكية النفس وإحياء روح العبادة في القلب.3. تربية النفس على الصبر والمداومة:
الصيام مدرسة في ضبط النفس، وصيام الست من شوال امتداد لتلك المدرسة الإيمانية التي تزرع في المسلم قوة الإرادة ومجاهدة النفس.4. مضاعفة الرصيد من الحسنات:
كل يوم من أيام شوال الست له أجر عظيم، والحسنة بعشر أمثالها، فكل يوم يعادل عشرة أيام من الصيام، وهي تجارة رابحة مع الله عز وجل. -
أحكام فقهية تتعلق بصيام الست من شوال
1. حكم صيام الست من شوال
اتفق جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم على أن صيام الست من شوال سنة مستحبة وليست بواجبة، لما ورد من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضلها دون الإلزام بها.
2. وقت صيام الست
يبدأ من اليوم الثاني من عيد الفطر (لأن صيام يوم العيد محرم)، ويستمر إلى آخر يوم من شهر شوال.
3. هل يجب أن تكون متتابعة؟
لا يشترط التتابع، بل يجوز صيامها متفرقة على مدار الشهر، لما ثبت في فتاوى اللجنة الدائمة:
"يجوز صيامها متتابعة أو متفرقة حسب ما تيسر، والأمر في ذلك واسع."
4. هل يجوز صيامها قبل قضاء رمضان؟
الأفضل تقديم القضاء على صيام الست، لأن النبي ﷺ قال:
"من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال..."
والقضاء جزء من رمضان، فلا يُعدّ العبد متبعًا له بالست إلا بعد إتمامه.
لكن لو صامها قبل القضاء جاز ذلك عند بعض الفقهاء كابن تيمية إذا لم يكن القصد التهاون في القضاء.5. هل يجوز الجمع بين نيتين؟
من نوى بصومه القضاء والست من شوال في وقت واحد، فله أجر النفل بإذن الله، لكن الأكمل والأفضل أن يفصل بينهما ليحصل على أجرٍ مضاعفٍ بيقين.
-
الخاتمة
إن صيام الست من شوال فرصة ربانية عظيمة تُظهر صدق العبد في محبته للطاعة واستمراره في طريق الإيمان بعد رمضان، وهي باب من أبواب مضاعفة الأجر، وتثبيت الإيمان، واستدامة الصلة بالله تعالى.
فمن أراد الفوز بصيام الدهر كله، فعليه أن يغتنم هذه الأيام المباركة، وأن يوقن أن من ذاق حلاوة القرب من الله في رمضان، فالسعادة الحقيقية في الاستمرار لا في الانقطاع.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].