حكم كشف اليدين في الصلاة للمرأة – آراء العلماء والأدلة الشرعية بالتفصيل

تعرفي على حكم كشف اليدين في الصلاة للمرأة بالتفصيل، مع بيان أقوال المذاهب الأربعة، الأدلة الشرعية، وترجيح القول الراجح.

حكم كشف اليدين في الصلاة للمرأة – آراء العلماء والأدلة الشرعية بالتفصيل
حكم كشف اليدين في الصلاة للمرأة
  • مقدمة

    من القضايا التي تُثار بين النساء في مجال العبادات مسألة: هل يجوز للمرأة أن تُصلّي وكفّاها مكشوفان؟ وهل اليدان من العورة في الصلاة أم لا؟ هذه المسألة من المسائل الفقهية الدقيقة التي تناولها العلماء قديماً وحديثاً بالتحليل والاستدلال. وفي هذا المقال نقدم دراسةً شاملة تجمع أقوال المذاهب الأربعة، والأدلة من القرآن والسنة، مع بيان القول الراجح، بأسلوب علمي متوافق مع محركات البحث.

  • معنى العورة في الصلاة

    العورة في اصطلاح الفقهاء هي ما يجب ستره أثناء الصلاة، وهي تختلف عن العورة خارج الصلاة؛ إذ قد يكون ما يجب ستره في الصلاة أكثر أو أقل بحسب الموقف الشرعي. والمرأة مأمورة بستر بدنها كله في الصلاة إلا ما استثناه الدليل.

    قال الله تعالى:

    "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الأعراف: 31).

    قال ابن كثير في تفسيره: أي خذوا لباسكم الساتر عند كل صلاة. وهذا يشمل الرجال والنساء على السواء، مع اختلاف مقدار ما يجب ستره.

  • آراء المذاهب الأربعة في حكم كشف اليدين للمرأة في الصلاة

    1. مذهب الحنفية

    يرى الحنفية أن عورة الحرة في الصلاة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
    قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/503):

    "المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، لأن الحاجة تدعو إلى كشفهما، فهما ليسا بعورة."

    وبناء على ذلك، فإن كشف اليدين إلى الكوعين في الصلاة لا يبطلها عند الحنفية.

    2. مذهب المالكية

    يرى المالكية أن عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها عدا الوجه والكفين أيضاً، لكنهم استحبوا ستر الكفين.
    قال الدردير في الشرح الكبير (1/189):

    "وعورة الحرة في الصلاة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، ويُندب لها سترهما."

    فالمذهب المالكي يُجيز كشف اليدين، لكنه يعتبر سترهما أكمل وأفضل في حق المرأة المتعبدة.

    3. مذهب الشافعية

    يرى الشافعية أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، سواء في الصلاة أو خارجها عند عدم وجود أجانب.
    قال النووي في المجموع (3/170):

    "عورة الحرة في الصلاة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، والكف من رؤوس الأصابع إلى الكوع."

    وعليه، كشف اليدين في الصلاة عند الشافعية لا يبطلها ولا يُعد محرماً.

    4. مذهب الحنابلة

    يرى الحنابلة أن جميع بدن المرأة عورة إلا الوجه فقط في الصلاة، والكفان عورة يجب سترهما.
    قال ابن قدامة في المغني (1/351):

    "المرأة كلها عورة إلا وجهها، ولا بأس أن تُصلي مكشوفة الوجه، وليس لها أن تُصلي مكشوفة الكفين على الرواية المشهورة."

    وعليه، فالمذهب الحنبلي يشترط ستر اليدين في الصلاة، ويعدّ كشفهما من مخالفة الستر الواجب.

  • أدلة القائلين بجواز كشف الكفين

    1.   حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:
    روى أبو داود (4104) عن عائشة رضي الله عنها قالت:

    "دخلت أسماء بنت أبي بكر على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه."

    قال الإمام الألباني: الحديث حسن لغيره في حجاب المرأة المسلمة، وهو دليل على أن الكفين ليسا من العورة.

    2.    القياس على الوجه:
    كما أُبيح للمرأة كشف وجهها في الصلاة، فكذلك كفاها، إذ الحاجة تدعو إلى تحريكهما في التكبير والسجود، فسترُهما فيه مشقة.

    3.    عمل الصحابيات والتابعيات:
    نُقل أن النساء في عهد الصحابة كنّ يُصلين وثيابهن تُظهر أكفّهن دون إنكار، ولو كان حراماً لأنكره النبي ﷺ أو أصحابه.

  • أدلة القائلين بوجوب ستر الكفين

    1.   عموم قوله تعالى:

    "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" (النور: 31).
    فمن فسر "ما ظهر منها" بالثياب فقط، رأى أن الكفين من الزينة التي يجب سترها.

    2.   حديث النبي ﷺ:

    «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» (رواه الترمذي 1173 وصححه الألباني).
    قالوا: هذا يدل على أن الأصل في بدن المرأة الستر الكامل إلا ما دل الدليل على جواز كشفه.

    3.   الاحتياط في العبادة:
    قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (22/110):

    "من ستر يديه احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو أحسن، والعبادة حينئذٍ أكمل."

  • الترجيح بين الأقوال

    بعد دراسة الأدلة، يظهر أن أقوى الأقوال هو جواز كشف الكفين في الصلاة إذا لم يكن بحضرة رجال أجانب، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، لما يلي:

    • ورود الحديث الصريح المبيح لذلك.
    • أن الكفين من مواضع الحاجة في الصلاة، إذ تُحرّك بهما المرأة أثناء التكبير والسجود.
    • أن الأصل في العورة ما نُصّ عليه، ولم يرد نصّ صريح بوجوب ستر الكفين في الصلاة.

    أما من أرادت سترهما احتياطاً وخروجاً من الخلاف، فهو أكمل وأفضل وأقرب إلى الورع.

  • حكم كشف الذراعين

    إذا انكشف جزء من الذراع فوق الكف أثناء الصلاة، فالحكم يختلف:

    • إن كان يسيراً جداً ولم تتعمده المرأة، فالصلاة صحيحة.
    • أما إن انكشف جزء كبير من الذراع عن قصد، فيجب ستره، لأن الذراع عورة بإجماع العلماء.

    قال ابن عبد البر في التمهيد (6/364):

    "وأجمع العلماء على أن بدن المرأة كله عورة إلا الوجه والكفين.

  • فتاوى العلماء المعاصرين

    • اللجنة الدائمة للإفتاء (فتاوى اللجنة 17/108):

    "الواجب على المرأة أن تستر بدنها في الصلاة إلا وجهها، وأما الكفان فالأفضل سترهما، لكن لا تبطل الصلاة بكشفهما."

    • الشيخ ابن باز رحمه الله قال:

    "الصحيح أن الوجه والكفين ليسا من العورة، ولكن ستر الكفين أولى."

    • الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال في الشرح الممتع (2/163):

    "المرأة في الصلاة يجوز أن تكشف كفيها، لكن الأفضل سترهما."

  • الخاتمة

    يتضح أن مسألة كشف اليدين في الصلاة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفقهاء، وكل فريق له دليله واجتهاده، غير أن الجمهور من العلماء ذهبوا إلى جواز كشف الكفين في الصلاة، بشرط ألا يكون في موضع يُرى فيه الأجانب.
    ومن الورع والاحتياط أن تستر المرأة كفيها في الصلاة، طلباً للأكملية وخروجاً من الخلاف، إذ إن العبادة مبناها على التوقير والتعظيم.

    قال الله تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32).