الواجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان

تناول المقال ما يجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان من قضاء الصِّيام أو الفدية مع بيان مقدار الفدية، وهل تكون نقدًا أو طعامًا، وهل يَسْقُطُ عنها قضاء الصَّوم، كما بيِّنَّا حُكْمَ تأجيل قضاء رمضان إلى وقتٍ لاحقٍ.

الواجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان
  • أوَّلاً: هل يجب على الحامل أو المرضع الَّتي أفطرت قضاء الأيَّام الَّتي أفطرت فيها؟

    ·      اتَّفق الفقهاء على أنَّ الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان خوفًا على نفسيهما (من الصَّوم) فعليهما القضاء، ولا فدية عليهما كالمريض،

    ·      وكذا إن خافتا على نفسيهما وولديهما؛ لأنَّهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه،
    قال اللَّه تعالى: (فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة [184]

    ·      وبناءً عليه: يجب على الحامل أو المرضع الَّتي تفطر في رمضان (بسبب الخوف على نفسها) أن تقضي صيام جميع الأيَّام الَّتي أفطرت فيها، ولم يقل أحدٌ من الفقهاء بسقوط قضاء رمضان عنها.

  • ثانيًا: هل يجب على الحامل أو المرضع الَّتي أفطرت في رمضان إخراج فدية؟

    يجب على الحامل والمرضع الفدية إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما، وتفصيل آراء الفقهاء في المسألة كالآتي:

    يفرِّق الفقهاء في المترتِّب على إفطار الحامل أو المرضع في رمضان بين حالتين:

    الأولى: أن تخاف الحامل أو المرضع على نفسها، أو تخاف على نفسها وولدها من الصِّيام فتفطر، وذكرنا أنَّها في هذه الحالة عليها القضاء فقط؛ لأنَّها بمنزلة المريض الَّذي يفطر بسبب مرضه.

    الثَّانية: أن تخاف الحامل أو المرضع من صيامها على ولدها فقط، بحيث يضرُّ الصَّوم بالولد،

    فماذا يترتَّب على الحامل أو المرضع إذا أفطرت [في حالة الخوف على ولدها فقط]؟

    نذكر آراء الفقهاء في المسألة:

    ·      ذهب الشَّافعيَّة والحنابلة إلى أنَّه:

    يجب على الحامل أو المرضع القضاء وإطعام مسكين عن كلِّ يوم، لأنَّهما داخلتان في عموم قوله تعالى:

    (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) سورة البقرة [184]

    لأنَّه فِطْرٌ بسبب نفسٍ عاجزةٍ عن طريق الخِلْقَة (أي بسبب ضعف ابنها الَّذي لا يطيق أثر صيامها عليه) فوجبت به الفدية قياسًا على الشَّيخ الكبير الَّذي لا يطيق الصِّيام فعليه الفدية.

    ·      وذهب الحنفيَّة -وهو وجه عند الشَّافعيَّة- إلى أنَّه:

    لا تجب عليهما الفدية بل تستحبُّ لهما، لما روي عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أنَّه قال:

    (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاةِ، وَعَنِ الْحَامِلِ أَوِ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ، قَالَ الرَّاوِي: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا).

    ·      وذهب المالكيَّة -وهو قول ثالث عند الشَّافعيَّة- إلى:

    التَّفرقة في وجوب الفدية بين الحامل والمرضع، فالحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي، وسبب التَّفريق في الحكم فيما بينهما:

    o لأنَّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها، بخلاف الحامل.

    o ولأنَّ الحمل متَّصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها.

    o ولأنَّ الحامل أفطرت لمعنىً فيها، فهي كالمريض، والمرضع أفطرت لمنفصلٍ عنها، فوجب عليها الفدية.

    ·      وذهب بعض علماء السَّلف ومنهم ابن عمر وابن عبَّاس وسعيد بن جبير -رضي اللَّه عنهم- إلى أنَّهما:

    تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما.

  • ثالثًا: هل يجوز للحامل أو المرضع تأجيل قضاء صيام رمضان إلى وقت لاحق؟

    ·      نعم، يجوز للحامل أو المرضع تأجيل قضاء رمضان بسبب الحمل والرَّضاعة إذا كان في قضاء الصِّيام خوفُ ضررٍ أو هلاكٍ عليها أو على ولدها، لأنَّ الحمل والرَّضاعة عذرٌ يبيح الفطر في بعض الأحيان -كما فصَّلنا-، فجاز معه تأخير القضاء،

    ·      وقد اتَّفق الفقهاء على أنَّه إذا كان على الإنسان قضاء رمضان أو بعضه، وأخَّره إلى أن يدخل رمضان آخر، وكان معذورًا في تأخير القضاء بأن استمرَّ مرضه أو سفره ونحوهما، جاز له التَّأخير ما دام العذر (ولو بقي سنين)، ولا تلزمه الفدية بهذا التَّأخير وإن تكرَّر دخول شهر رمضان، لأنَّه يجوز تأخير أداء رمضان بهذا العذر، فتأخير القضاء أولى بالجواز.

    ·      لكن إذا وجدت الحامل أو المرضع وقتًا يمكنها القضاء فيه ولم تقض حتَّى دخل رمضان الآخر؛ فإنَّه يجب عليها القضاء مع كفَّارةٍ على قول بعض الفقهاء والكفَّارة هي: إطعام مسكينٍ عن كلِّ يومٍ.

    ·      فالخلاف في المسألة راجعٌ إلى اعتبار الحمل أو الرَّضاع عذرًا يجيز تأخير القضاء أو لا، ويعود تقدير المسألة على الحامل والمرضع لأنَّهما أعلم بنفسيهما، واللَّه تعالى يقول:

    (بَلِ ‌الْإِنْسَانُ ‌عَلَى ‌نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) سورة القيامة [14].

  • رابعًا: ما هي الكفَّارة المفروضة على الحامل أو المرضع الَّتي أفطرت في رمضان؟ وما مقدارها؟

    ·      الكفَّارة الواجبة على من يفطر في رمضان هي الفدية، وهي إطعام مسكين قال تعالى:

    (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) سورة البقرة [184].

    ·      وقد اختلف الفقهاء في مقدار الفدية عن كلِّ يوم:

    فذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة إلى أنَّ:

    o مقدار الفدية مُدٌّ من شيءٍ يقتاته النَّاس عن كلِّ يومٍ.

    o ويختلف ذلك من بلدٍ إلى بلدٍ؛ فبعض البلدان يكون قوتها الغالب التَّمر، وبعضهم الحنطة (القمح) وبعضهم الأرز.

    o والمُدُّ في الأوزان المعاصرة ما يعادل: 750 جرامًا.

    وذهب الحنفيَّة إلى أنَّ:

    o مقدار الفدية صاعٌ؛ إلَّا من الحنطة فنصف صاعٍ.

    o ومقدار الصَّاع في الأوزان المعاصرة ما يعادل أربعة أمدادٍ؛ أي ما يقارب: 3000 جرامٍ = 3 كيلو جرامٍ.

    وذهب الحنابلة إلى أنَّ:

    o مقدار الفدية نصف صاعٍ؛ إلَّا من الحنطة فمُدٌّ.

    o ونصف الصَّاع في الأوزان المعاصرة: 1500 جرامٍ = كيلو جرامٍ ونصفٍ.

  • خامسًا: هل يسقط قضاء الصِّيام عن الحامل أو المرضع؟

    الجواب كالآتي:

    ·      الوارد في أقوال المذاهب الأربعة أنَّ عليهما القضاء أو القضاء مع الفدية عند بعضهم إن خافتا على ولديهما، ولم يقل أحد من فقهاء المذاهب الأربعة بسقوط قضاء الصِّيام.

    ·      لكن ورد عن ابن عبَّاس -رضي اللَّه عنه-:

    سقوط قضاء الصِّيام (عن الحامل أو المرضع) مع وجوب دفع كفَّارة، محتجًّا بأنَّ الحمل قد يتتابع، ورمضان قد يتتابع، فلا يكون عندهما فرصة للقضاء.

  • سادسًا: هل يجوز دفع كفَّارة بدلاً عن قضاء الصِّيام للحامل والمرضع؟

    الجواب كالآتي:

    يجوز دفع كفَّارة بدلاً عن قضاء الصِّيام للحامل والمرضع الَّتي تفطر خوفًا على ولدها على قول ابن عبَّاس -رضي اللَّه عنه- كما ذكرنا سابقًا.

  • سابعًا: هل يجوز دفع فدية الصِّيام نقدًا؟

    الجواب كالآتي:

    ·      أمَّا إخراج القيمة نقدًا فمنعها المالكيَّة والشَّافعيَّة،

    ·      وأجازها أبو يوسف -صاحب أبي حنيفة- لأنَّها أيسر على الغنيِّ وأنفع للفقير،

    ·      وللحنابلة فيها روايتان:

    o الأولى: وهي الرِّواية المعتمدة في المذهب؛ إذ يقولون بعدم جواز إخراج القيمة،

    o والثَّانية: ما ذهب إليه ابن تيميَّة بجواز ذلك.

    والأخذ بمذهب أبي يوسف (من الحنفيَّة) وابن تيميَّة (من الحنابلة) في هذا العصر أرفق بالنَّاس وأوفق للمصلحة؛ لأنَّ الهدف (من الفدية) دفع حاجة الفقير والمسكين، وهذا يحصل بدفع القيمة له، بل إنَّ دفع القيمة يحصل به المقصود على وجهٍ أتمَّ وأكمل.

    تنبيه هام:

    إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.