من قيد الدجال؟ ولماذا قُيّد؟ وهل هو بشر؟ وما صفة والديه؟

من هو المسيح الدجال؟ ومن الذي قيده في الجزيرة؟ ولماذا قُيِّد؟ وهل هو بشر من نسل آدم أم مخلوق آخر؟ تعرّف في هذا المقال المفصل على قصة الدجال كما وردت في السنة النبوية، وصفاته الجسدية، وصفة والديه، وسر بقائه حيًا حتى خروجه في آخر الزمان، مع توثيق الأقوال من كتب الحديث المعتمدة.

من قيد الدجال؟ ولماذا قُيّد؟ وهل هو بشر؟ وما صفة والديه؟
من قيد الدجال؟ولماذا قيده؟وما صفة والديه؟
  • مقدمة

    المسيح الدجال من أعظم الفتن التي حذّر منها النبي ﷺ، إذ قال:

    «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال»
    رواه مسلم (2946).

    وقد وردت عنه الأحاديث الكثيرة التي تصف صفاته وأفعاله وفتنته وخروجه في آخر الزمان، حتى صار الإيمان بخروجه من أصول العقيدة عند أهل السنة والجماعة. غير أن بعض التفاصيل الدقيقة — مثل: من الذي قيده؟ ولماذا؟ وأين مكانه؟ وهل هو بشر؟ وما صفة والديه؟ — هي مواضع بحثٍ عميق بين العلماء والمحدثين.

    في هذا المقال، نعرض أقوال العلماء الموثوقين ونستند إلى المصادر الصحيحة لبيان الحقيقة في هذه المسائل دون مجازفة بالرأي أو خلط بين الصحيح والضعيف.

  • قصة تميم الداري وذكر قيد الدجال

     أصل خبر قيد الدجال ورد في حديث تميم الداري رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم (2942)، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت:

    «حدثني تميم الداري أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حين غروب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر... فقالت: اذهبوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: فانطلقنا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه مكبل بالحديد...»

    ثم أخبرهم أنه هو المسيح الدجال، وسألهم عن أحوال الناس، ثم قال:

    «أما إنه أوشك أن يؤذن لي في الخروج...»

    فجاءوا وأخبروا النبي ﷺ، فقال بعد أن سمع القصة:

    «أعجبني حديث تميم، وافق الذي كنت أحدثكم عنه، عن الدجال، وعن المدينة ومكة».
    رواه مسلم.

    تحليل الحديث

    هذا الحديث أصلٌ في إثبات أن الدجال مقيد الآن في جزيرة من جزر البحر، وأن قيده بأمر الله تعالى، حتى يأذن له بالخروج في الوقت المحدد من قدر الله.

    وقد أقرّ النبي ﷺ رواية تميم الداري ولم يُنكرها، مما يدل على ثبوت أصل القيد ووجوده إلى قيام الساعة.

  • من الذي قيده؟

    لم يرد في أي حديث صحيح أن شخصاً من البشر هو الذي قيد الدجال، وإنما يُفهم من مجموع النصوص أن الله عز وجل هو الذي قيده بقدرته وحكمته حتى يأتي الوقت المقدر لخروجه.

    قال الإمام القرطبي في التذكرة (2/780):

    "وقد صحّ في الحديث أن الدجال في جزيرة من جزائر البحر في وثاقٍ عظيم، ولا يعلم موضعها أحد إلا الله، وهو المانع له من الخروج حتى يأذن له."

    وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم (18/78):

    "في هذا الحديث دليل على أن الله تعالى حبسه هناك، وأنه لا يخرج حتى يأذن الله له، كما حبس إبليس في اللعن إلى يوم الوقت المعلوم."

    إذن، فالقيد إلهيّ بأمرٍ وقدرة، لا من فعل بشر أو نبي سابق، لأن الله هو وحده القادر على ضبط هذه الفتنة الكبرى إلى حين وقتها.

  • لماذا قُيّد الدجال؟ (الحكمة من القيد)

    ذكر العلماء عدة حِكَم في هذا التقييد:

    1. حفظ البشرية من الفتنة قبل أوانها

    قال الله تعالى:

    ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: 104].

    فالقيد يضمن أن لا يظهر الدجال قبل ميقات الفتن الكبرى، لأن خروجه مبكرًا سيهلك الناس بلا استعداد، ولأن الأمة تحتاج إلى التدرج في الابتلاء حتى تبلغ أشدها في آخر الزمان.

    2. تحقيق السنن الإلهية في الاختبار

    قال تعالى:

    ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: 2].

    والدجال هو أعظم فتنة في تاريخ البشرية، فلا يُطلق إلا حين تتهيأ الأرض لاختبار الإيمان الحقيقي. فالقيد إذن مرحلة تمهيدية في قدر الله.

    3. تأجيل الفتنة الكبرى إلى وقت عودة عيسى عليه السلام

    إذ ثبت في الصحيح أن عيسى عليه السلام هو من يقتل الدجال عند باب لدّ في فلسطين.
    قال ﷺ:

    «فيقتل عيسى ابن مريم الدجال بباب لدّ».
    رواه مسلم (2937).

    فحبسه إلى زمن نزول عيسى عليه السلام جزء من تدبير الله في ترتيب العلامات الكبرى.

  • أين يوجد الدجال الآن؟

    لا أحد يعلم موضع جزيرته على وجه التحديد، ولا يجوز القطع في مكانه، لأن النصوص لم تحدده.

    قال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (13/328):

    "ولا يُدرى أين تلك الجزيرة، وقد أراد الله أن يُخفي مكانه، ليبقى الناس على حذرٍ منه واستعداد لفتنته."

    وقد ظهرت اجتهادات كثيرة حول موقعه — بعضها قال في بحر الشام، وبعضها في بحر اليمن، وبعضها في بحر قزوين — لكنها كلها آراء ظنية غير ثابتة، ولا يُبنى عليها يقين.

  • هل الدجال بشر؟

    اتفق جمهور العلماء على أن الدجال بشر من بني آدم، وليس من الجن أو الكائنات الغيبية.

    قال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (1/153):

    "المسيح الدجال رجل من بني آدم، خلقه الله وأطال عمره، وحبسه حيث شاء، وسيخرجه في الوقت المقدر."

    وقال النووي في شرح مسلم (18/77):

    "أجمع أهل السنة على أن الدجال شخص بعينه، يخرجه الله في آخر الزمان، ابتلاء للعباد، وليس رمزاً ولا مجازاً كما توهم بعض أهل الأهواء."

    فهو بشر، لكنه مُمكَّن بقوى خارقة من الله تعالى كإحياء الميت، وإنزال المطر، وإظهار الجنة والنار، فتنةً للناس.
    قال النبي ﷺ:

    «معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار».
    رواه مسلم (2934).

  • صفاته الجسدية كما وردت في السنة

    1.    رجل شاب، أحمر، جسيم، أعور العين اليمنى، والعين الأخرى طافية كأنها عنبة طافية.

    رواه البخاري (3055) ومسلم (2932).

    2.    مكتوب بين عينيه ك ف ر يقرأها كل مؤمن.

    رواه مسلم (2933).

    3.    يمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم.

    رواه مسلم (2937).

    وهذه الصفات تؤكد أنه إنسان مادي، وليس روحاً أو رمزاً.

  • هل وُصفت والدة الدجال ووالده؟

    ورد في بعض الآثار الضعيفة ذكر أوصافٍ لوالديه، منها:

    أن أباه طويل ضخم، وأن أمه عظيمة اليدين، طويلة الذراعين، وأنهما مكثا ثلاثين سنة لا يولد لهما، ثم وُلد لهما الدجال أعور.

    لكن هذه الروايات ضعيفة السند، لا تصح عن النبي ﷺ.

    قال الذهبي في الميزان (3/419):

    "كل ما ورد في وصف والدَي الدجال لا يصح إسناده، ولم يثبت في شيء من الصحيحين."

    وقال ابن حجر:

    "الأحاديث الواردة في نسبه ووالديه لا يعتمد عليها، إذ لم يثبت منها شيء." (فتح الباري 13/331).

    ولهذا فالعلماء يجزمون فقط بأنه رجل من البشر، دون القطع بأسماء أو صفات والديه.

  • ما الذي يؤكد أنه ما زال حيًّا إلى اليوم؟

    حديث تميم الداري يدل دلالة صريحة على أن الدجال حيٌّ محبوس في جزيرة منذ عهد النبي ﷺ إلى أن يؤذن له بالخروج.

    قال النووي:

    "فيه دليل على أن الدجال موجود حيّ محبوس في بعض جزائر البحر، وأنه سيبقى كذلك حتى يؤذن له بالخروج."
    شرح مسلم (18/78).

    كما جاء في الحديث الصحيح:

    «إنه لم يكن نبي إلا أنذر قومه الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة».
    رواه ابن ماجه (4077) وصححه الألباني.

  • هل يمكن أن يُفك قيده قبل الأوان؟

    لا، فموعد خروجه محدد بعلم الله، ولن يُفك قيده إلا بأمره سبحانه.
    قال تعالى:

    ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: 21].

    ولهذا، لا يمكن لأي إنسان أو قوة أن تُطلقه، لأن قيده من تدبير الله، لا من تدبير الخلق.

  • موقف المسلم من فتنة الدجال

    1.    الإيمان بخروجه، والتسليم بما ثبت في الأحاديث الصحيحة.

    2.    الاستعاذة منه في الصلاة، فقد قال ﷺ:

    «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال».
    رواه مسلم (588).

    3.    حفظ أول عشر آيات من سورة الكهف، فإنها عصمة من فتنته.

    رواه مسلم (809).

    4.    الثبات على الحق ومعرفة صفات الدجال حتى لا يُفتن الناس بخوارقه.

  • الخاتمة

    يتضح مما سبق أن:

    • الدجال مخلوق بشري حقيقي، حيّ محبوس في جزيرة من جزر البحر.
    • قيده الله تعالى بقدرته حتى يحين وقت خروجه في آخر الزمان.
    • لم يرد في السنة الصحيحة تحديد من قيده أو صفات والديه بدقة.
    • القيد لحكمة إلهية: تأجيل الفتنة الكبرى إلى زمن نزول عيسى عليه السلام.
    • الواجب على المسلم أن يؤمن به كما جاء في الصحيح، ويحذر من فتنته، ويستعيذ بالله منها في كل صلاة.