حكم صيام الحامل والمرضع في رمضان

تناول المقال حكم صيام الحامل والمرضع في رمضان مع الدَّليل وأنَّ ذلك رخصة بشرط خوف الضَّرر أو الأذى على نفسهما أو على ولدهما مع ذكر أقوال الفقهاء في المسألة وأدلَّتهم، مع ذكر حكم صومهما إذا كانتا في حالة صحِّيَّة جيِّدة، ثمَّ فصَّلنا في الحالات الَّتي يجب على الحامل أن تمتنع فيها عن الصَّوم، وكذلك الأعراض الَّتي توجب على الحامل الفطر على الفور ولو تبقَّى للأذان وقت قليل.

حكم صيام الحامل والمرضع في رمضان
  • أوَّلاً: هل يجوز للحامل أو المرضع الإفطار في رمضان؟ وما الدَّليل؟

    ·      الأصل في صيام المرأة الحامل أو المرضع في رمضان الوجوب، ولكن قد تطرأ بعض الأسباب على المرأة الحامل أو المرضع تبيح لهما الإفطار في شهر رمضان، نظرًا للمشقَّة الحاصلة في الحمل والرَّضاع مع الصِّيام، قال اللَّه تعالى:

    (‌لا ‌يُكَلِّفُ ‌اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَها) سورة البقرة [286].

    ·      لذلك رخص اللَّه تعالى للحامل والمرضع الفطر في يوم رمضان إلَّا أنَّ ذلك ليس على الإطلاق بل هو مقيَّدٌ بشروطٍ وهي:

    o حال خوف المرأة الحامل أو المرضع على ولدها.

    o إذا غلب على ظنِّ إحداهما أنَّ الصِّيام قد يؤدِّي إلى وقوع ضررٍ على نفسها، أو على ابنها إن كانت مرضعةً، أو على الجنين إن كانت حاملاً.

    ·      وإنَّما يُبْنَى الحُكْمُ على سؤال طبيبٍ ثقةٍ، أو بما يصدِّقه الواقع من شدَّة التَّعب والإرهاق أثناء الصِّيام، كأن تشعر بالدَّوخة، أو زغللة بالعينين.

    ·      والدَّليل على جواز الفطر للحامل والمرضع:

    o قوله تعالى: (‌يُرِيدُ ‌اللهُ ‌بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة [185].

    o ما روي عن أنس -رضي اللَّه عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- قال: (إِنَّ اللهَ عز وجل وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ ‌وَالْحَامِلِ ‌وَالْمُرْضِعِ ‌الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ).

  • ثانيًا: ما هو رأي العلماء في إفطار الحامل والمرضع؟ وما الدَّليل؟

    ·      يجوز للحامل والمرضع الفطر في رمضان على قول جمهور الفقهاء بشرط وجود الخوف من الضَّرر أو الهلاك، بل وذهب الحنابلة والمالكيَّة إلى كراهة الصَّوم حال وجود الضَّرر على الحامل أو المرضع، وتفصيل قولهم مع الدَّليل:

    o اتَّفق الفقهاء على أنَّ الحامل والمرضع يباح لهما الفطر في رمضان، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته، أو الضَّرر أو الهلاك.

     

    ·      والحكمة في إباحة الفطر حال الخوف على الطِّفل أو الجنين:

     

    أنَّ الولد من الحامل أو المرضع بمنزلة عضوٍ منها، فالإشفاق عليه من الضَّرر أو الهلاك كالإشفاق على بعض أعضائها.

    o قال الدَّردير من المالكيَّة: (وَيَجِبُ [يَعْنِي الْفِطْرَ] إِنْ خَافَتَا هَلاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَيَجُوزُ إِنْ خَافَتَا عَلَيْهِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ).

    o ونصَّ الحنابلة على كراهة صومهما، لأنَّهما في حكم المريض ويكره صوم المريض.

    واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى: (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة [185].

    ووجه الاستدلال بالآية: ليس المراد من المرض المذكور في الآية صورة المرض، أو عين المرض، فإنَّ المريض الَّذي لا يضرُّه الصَّوم ليس له أن يفطر، فكان ذكر المرض كنايةً عن أمر يضرُّ الصَّوم معه، وهو معنى المرض، وقد وجد هذا المعنى في صيام الحامل والمرضع، فيدخلان تحت رخصة الإفطار.

    o وصرَّح المالكيَّة بأنَّ الحمل مرض حقيقة، والرَّضاع في حكم المرض، وليس مرضًا حقيقةً. وكذلك، من أدلَّة ترخيص الفطر لهما، حديث أنس بن مالك الكعبي -رضي اللَّه تعالى عنه- أنَّ رسول اللَّه -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- قال: (إِنَّ اللهَ عز وجل وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ ‌وَالْحَامِلِ ‌وَالْمُرْضِعِ ‌الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ).

    وفي لفظ بعضهم: (عَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ).

  • ثالثًا: هل يجوز للحامل أو المرضع الصِّيام إذا كانت حالتها الصِّحِّيَّة جيِّدةً؟

    ·      الأصل عند العلماء كما ذكرنا أنَّ الصِّيام واجبٌ على المرأة الحامل والمرضع، وهذا هو الأصل، وإنَّما رُخِّصَ لهما الفطر حال الخوف على نفسهما أو لدهما الضَّرر.

    ·      وبناءً على ذلك فإنَّ الحامل أو المرضع إذا كانت حالتهما الصِّحِّيَّة جيِّدةً يجب عليهما الصِّيام، لكنَّ ذلك مشروطٌ بانتفاء الضَّرر على الولد والجنين، لأنَّ رخصة الفطر جائزةٌ مع وجود ضررٍ عليهما أو على ولديهما فربَّما تكون المرأة بصحَّة جيِّدة، لكنَّ الصِّيام فيه ضررٌ على الولد أو الجنين ففي هذه الحالة رُخِّصَ لهما بالفطر أيضًا، مع اختلاف الفقهاء فيما بينهم فيما يجب على الحامل أو المرضع حال الخوف على الجنين أو الولد وهذا ما تناولناه في مقالة: (الواجب على الحامل والمرضع إذا افطرتا في رمضان)

  • رابعًا: ما الحالات الَّتي ينصح أن تمتنع فيها الأمُّ الحامل عن الصِّيام في شهر رمضان؟

    في بعض الحالات يجب على الحامل الفطر بدلاً من الصِّيام، ويمتنع الصِّيام في حقِّها بسبب الخطر الَّذي قد يؤدِّي إليه الصِّيام مع الحمل، وتتلخَّص هذه الحالات فيما يلي:

     

    1- القيء المستمرُّ:

     

    لأنَّ القيء المستمرَّ يؤدِّي إلى انخفاض نسبة السَّوائل في الجسم والامتناع عن شرب السَّوائل لأكثر من 15 ساعة (أو أقلَّ من ذلك في الطَّقس الحارِّ)، قد يعرِّض الحامل لخطر الجفاف، والَّذي يصاحبه التَّعب العامُّ، والإعياء، والتَّشويش في الرُّؤية.

     

    2- ارتفاع نسبة الأملاح:

     

    وتعرف زيادة نسبة الأملاح عن طريق اختبارات البول الدَّوريَّة الَّتي تجريها المرأة مدَّة الحمل والَّتي تظهر زيادةً في نسبة الأملاح أو وجود صديد أو جراثيم في البول، وفي تلك الحالة تحتاج المرأة لشرب الكثير من المياه على مدار اليوم، بالإضافة إلى المعالجة المناسبة مراعاةً لصحَّة الكلى.

     

    3- انخفاض وزن الجنين:

     

    ويحدث ذلك إذا كانت بنية الحامل الجسديَّة ضعيفةً، وتعاني أثناء صيامها من مشكلة وصول ما يكفي من الغذاء للجنين، وفي تلك الحالة تحتاج الحامل إلى تناول الطَّعام والشَّراب على فترات متقطِّعة على مدار اليوم ممَّا يضطرُّها للإفطار.

     

    4- ارتفاع ضغط الدَّم:

     

    قد يحدث ارتفاع ضغط الدَّم في الثُّلث الأخير من الحمل عادةً؛ فإذا كانت المرأة الحامل مصابةً بارتفاع ضغط الدَّم، فيحظر عليها صيام رمضان، لأنَّ حالتها الصِّحِّيَّة من الممكن أن تستدعي تناول جرعاتٍ محدَّدةٍ من الأدوية على مدار اليوم.

     

    5- سكَّريُّ الحمل:

     

    إذا كانت الحامل مصابةً بسكَّريِّ الحمل، قد لا يمكنها التَّوقُّف عن تناول الطَّعام والشَّراب لمدَّة طويلة خوفًا من انخفاض سكَّر الدَّم لديها؛ كما أنَّ حالتها الصِّحِّيَّة تستدعي تناول جرعاتٍ محدَّدةٍ من الأدوية.

     

    6- الحمل بتوأم:

     

    يحظر على الحامل بتوأم صيام شهر رمضان حفاظًا على صحَّة طفليها، خاصَّةً أنَّها معرَّضة بشكل أكبر لحدوث الإجهاض والولادة المبكِّرة.

     

    7- تسمُّم الحمل:

     

    تمنع الحامل الَّتي تصاب بتسمُّم الحمل من الصِّيام، لما يتسبَّب به تسمُّم الحمل من ارتفاع ضغط الدَّم وزيادة الوزن، نتيجة احتباس السَّوائل والأملاح بالجسم، مع ارتفاع نسبة الزُّلال (البروتين) في البول.

  • خامسًا: ما هي العلامات الَّتي تدلُّ على ضرورة إفطار الحامل على الفور أثناء الصِّيام؟

    وبمعنًى آخر: متى يجب على الحامل الإفطار بعد البدء بالصِّيام؟

    ·      نذكِّر هنا بأهمِّ العلامات والأعراض التَّحذيريَّة للحامل الَّتي توجب عليها الإفطار على الفور حتَّى لو تبقَّى وقتٌ قليلٌ على موعد الإفطار وأهمُّها:

    1. الشُّعور بالصُّداع.

    2. الشُّعور بالزَّغللة في العين.

    3. الشُّعور بالدُّوار أو الدَّوخة.

    ·      فإذا شعرت بأحد هذه الأعراض وجب عليها الإفطار على الفور؛ نظرًا لأنَّ كلَّ هذه الأعراض تعطي مؤشِّرًا لانخفاض مستوى السُّكَّر أو الضَّغط في الدَّم والَّتي تستلزم على الحامل الإفطار على الفور لتجنُّب تعرُّضها لمخاطر صحِّيَّة.

    ·      لذلك يجب على الحامل عدم اعتبار تصريح الطَّبيب لها بالصِّيام خلال الحمل قاعدةً ثابتةً، وإنَّما تنوي الصِّيام كلُّ يومٍ وتكمل صيامها على حسب حالتها الصِّحِّيَّة.

    تنبيه هام:

    إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.