هل يشفع الجنين لوالديه يوم القيامة؟ نظرة شرعية شاملة
تعرف على الحكم الشرعي في مسألة شفاعة الجنين لوالديه يوم القيامة، وهل يشفع السقط قبل نفخ الروح أم بعده؟ مع بيان أقوال العلماء، ومكانة الأطفال المتوفين في الإسلام، والأجر العظيم للوالدين الصابرين على فقد الجنين.

-
مقدمة
من أشد الابتلاءات التي يمر بها الوالدان فقد الجنين أو الطفل في مرحلة مبكرة، وقد تكررت الأسئلة حول مصير هذا الجنين، وهل يشفع لوالديه يوم القيامة أم لا؟ هذه المسألة من قضايا الغيب التي لا يصح الكلام فيها إلا بدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة. وفي هذا المقال نعرض الحكم الشرعي مدعماً بالأدلة وأقوال العلماء.
-
متى تنفخ الروح في الجنين؟
ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:
"إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ... ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ" (رواه البخاري ومسلم).
واتفق العلماء على أن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، أي بعد أربعة أشهر من الحمل.
- قبل هذه المدة: الجنين لا يعد إنساناً كاملاً، وإنما هو طور من أطوار الخلق.
- بعد هذه المدة: يصبح إنساناً حيّاً له أحكام الأموات إن توفي، من الغسل والتكفين والصلاة.
- قبل هذه المدة: الجنين لا يعد إنساناً كاملاً، وإنما هو طور من أطوار الخلق.
-
حكم السقط قبل نفخ الروح
إذا سقط الجنين قبل مرور أربعة أشهر:
- فإنه لا يُعَدُّ إنساناً، بل قطعة لحم أو علقة، ولا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه.
- لا يثبت له حكم الأطفال، وبالتالي لا يشفع لوالديه يوم القيامة.
- لكن الوالدين ينالان الأجر إذا صبرا واحتسبا؛ لقوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
إذن، الأجر في هذه الحالة ثواب الصبر والاحتساب، لا شفاعة الجنين.
- فإنه لا يُعَدُّ إنساناً، بل قطعة لحم أو علقة، ولا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه.
-
حكم السقط بعد نفخ الروح
إذا سقط الجنين بعد أربعة أشهر:
- يعد إنساناً، ويغسل ويصلى عليه.
- يكون له شأن عند الله يوم القيامة، وقد وردت أحاديث تبشر بشفاعته لوالديه إذا احتسباه وصبرا على فقده.
جاء في الحديث:
"إن السقط ليجرّ أمه بسرره – أي بحبله السري – إلى الجنة إذا احتسبته" (رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه بعض أهل العلم).
وهذا الحديث يدل على أن السقط بعد نفخ الروح يشفع لوالديه يوم القيامة إذا صبرا واحتسبا، وكانا من المؤمنين.
- يعد إنساناً، ويغسل ويصلى عليه.
-
مكانة الأطفال الذين يموتون صغاراً
ثبت في السنة أن الأطفال الذين يموتون صغاراً من أهل الجنة. فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن صبي مات: "طُوبَى له، عصفور من عصافير الجنة"، فقال النبي ﷺ:
"أوَ لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، وخلق لهذه أهلًا ولهذه أهلًا؟"
واتفق العلماء على أن:
- أطفال المسلمين إذا ماتوا صغاراً فهم في الجنة.
- يكونون ذخراً لآبائهم، ويشفعون لهم يوم القيامة، ويستقبلونهم على أبواب الجنة.
- أطفال المسلمين إذا ماتوا صغاراً فهم في الجنة.
-
أقوال العلماء في المسألة
1. الشيخ ابن باز رحمه الله: أكد أن السقط قبل أربعة أشهر لا يعد طفلاً، ولا يشفع لوالديه، وإنما بعد الأربعة أشهر.
2. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قال إن الجنين قبل أربعة أشهر جماد لا يعامل معاملة الأموات.
3. دار الإفتاء المصرية: بيّنت أن شفاعة الجنين لوالديه لا تكون إلا إذا نُفخت فيه الروح، أما قبلها فللوالدين أجر الصبر فقط.
-
الحكمة من هذا الابتلاء
فقد الجنين ابتلاء عظيم، لكنه قد يكون سبباً في رفعة الدرجات وتكفير السيئات. وقد ورد في الحديث القدسي:
"ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" (رواه البخاري).
فالوالدان أمام امتحان الإيمان:
- الصبر والرضا يجلبان عظيم الأجر.
- الجزع والاعتراض قد يضيعان الفضل.
- الصبر والرضا يجلبان عظيم الأجر.
-
نصائح للوالدين المبتليين بفقد الجنين
- تجديد النية والاحتساب عند الله تعالى.
- الإكثار من الدعاء، فإن الدعاء من أنفع ما يكون في رفع البلاء.
- قراءة القرآن والصبر على قضاء الله وقدره.
- اليقين أن رحمة الله أوسع من فقد الجنين، وأن الأجر قد يكون أعظم من شفاعة السقط.
- تجديد النية والاحتساب عند الله تعالى.
-
خاتمة
يتضح مما سبق أن:
- الجنين قبل أربعة أشهر: لا يعد إنساناً، ولا يشفع لوالديه، لكن لهما أجر الصبر والاحتساب.
- الجنين بعد أربعة أشهر: يعد إنساناً، ويُرجى أن يشفع لوالديه يوم القيامة إذا صبرا واحتسبا.
- الأطفال الذين يتوفون صغاراً: هم من أهل الجنة، ويكونون ذخراً لآبائهم يوم القيامة.
فالمؤمن الحق يعلم أن الابتلاء باب من أبواب الأجر والرحمة، وأن الله عز وجل أكرم من أن يضيع صبر عبده المؤمن.
- الجنين قبل أربعة أشهر: لا يعد إنساناً، ولا يشفع لوالديه، لكن لهما أجر الصبر والاحتساب.