أحكام السقط في الإسلام: الغسل والصلاة والدفن

تعرف على أحكام السقط في الإسلام بالتفصيل: هل يُغسّل ويُصلّى عليه؟ ومتى تجب تسميته والعقيقة عنه؟ وما حكم دفنه في مقابر المسلمين؟ دليل شرعي شامل مع أقوال العلماء والأدلة."

أحكام السقط في الإسلام: الغسل والصلاة والدفن
أحكام السقط في الإسلام: الغسل والصلاة والدفن
  • مقدمة

    يُعدّ موضوع أحكام السقط (الجنين إذا نزل قبل اكتمال ولادته) من المسائل الفقهية الدقيقة التي تهمّ الكثير من الأسر، خصوصًا عند وقوع فقدٍ مبكر للحمل. ويثور التساؤل الشرعي: هل يُغسّل السقط؟ وهل يُصلى عليه؟ وأين يُدفن؟ هذه الأسئلة تتعلق بحقوق الجنين وحرمة المسلم بعد موته، وقد تناولها العلماء بتفصيل، مستندين إلى النصوص الشرعية والإجماع والأقوال المعتبرة في المذاهب الفقهية.

    في هذا المقال سنعرض أحكام السقط في الإسلام من حيث الغسل والصلاة والتسمية والدفن، مع بيان اختلاف العلماء وأدلتهم، بأسلوب علمي متكامل يساعد القارئ على الفهم الصحيح، ويحقق في الوقت ذاته فائدة معرفية وسلوكية.

  • حكم غسل السقط

    1. إذا خرج السقط حيًّا ثم مات

    • اتفاق العلماء: أجمع أهل العلم – كما نقل ابن المنذر – على أن الطفل إذا خرج حيًّا ثم مات، وجب غسله والصلاة عليه ودفنه كسائر المسلمين.
    • الدليل: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال:
      «السَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» (رواه أبو داود والنسائي).

    2. إذا خرج ميتًا قبل أربعة أشهر

    • اتفاق المذاهب الأربعة تقريبًا: إذا كان عمر الجنين أقل من أربعة أشهر (أي قبل نفخ الروح فيه)، فلا يُغسَّل ولا يُصلّى عليه، بل يُدفن بلا تغسيل ولا صلاة.
    • السبب: لأنه لم تُنفخ فيه الروح، فلا يُعدّ إنسانًا كاملًا له أحكام الموتى.

    3. إذا خرج ميتًا بعد أربعة أشهر

    • مذهب الجمهور (المالكية والشافعية والأحناف): لا يُصلى عليه إذا لم تظهر فيه علامة الحياة، لكنه يُغسَّل ويُلف في الكفن ويدفن.
    • مذهب الحنابلة ومن وافقهم: إذا تمّ له أربعة أشهر فأكثر، يُغسَّل ويُصلَّى عليه، حتى لو لم يتحرك، لأنه بعد نفخ الروح يُعدّ مسلمًا له حقوقه.
    • قال الإمام أحمد: "إذا أتى له أربعة أشهر، غُسّل وصُلي عليه".
    • واستدلوا بحديث المغيرة السابق، وبأن الروح قد نُفخت فيه، فأصبح له حكم الأموات من المسلمين.
  • حكم الصلاة على السقط

    1. إذا استهلّ حيًّا

    • اتفق العلماء على أنه إذا استهلّ السقط حيًّا – أي بكى أو تحرك أو ظهرت منه أمارات الحياة – وجبت الصلاة عليه.

    2. إذا لم يستهلّ

    • الجمهور: لا يُصلّى عليه إلا إذا عاش بعد خروجه حياةً مستقرة، أما إذا خرج ميتًا فلا صلاة.
    • أحمد وداود: يُصلّى عليه إذا أتم أربعة أشهر، حتى لو لم يتحرك.
    • قال النووي: "إن كان له دون أربعة أشهر لم يُصلَّ عليه بلا خلاف، وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يُصلَّ عليه عند جمهور العلماء، وقال أحمد وداود: يُصلّى عليه".
  • مكان دفن السقط

    • الأصل: يُدفن السقط في مقابر المسلمين؛ لأنه يُعدّ مسلمًا بحكم تبعيته لأبويه المسلمين.
    • الضرورة: إذا لم يوجد مكان إلا مقابر الكفار، فلا يجوز دفنه هناك إلا عند الضرورة القصوى، فإن أمكن نقله إلى مقابر المسلمين وجب نقله.
    • قال العلماء: "الأصل منع دفن المسلم في مقابر الكفار، إلا عند الضرورة".
  • التفريق بين ما قبل الأربعة أشهر وما بعدها

    1.    قبل أربعة أشهر:

    o       لم تُنفخ فيه الروح.

    o       لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه.

    o       يُدفن بلا تكليف خاص.

    2.    بعد أربعة أشهر:

    o       نُفخت فيه الروح.

    o       إذا خرج حيًّا: يُغسَّل ويُصلّى عليه وتُجرى له أحكام الميت.

    o       إذا خرج ميتًا:

    §        الجمهور: يُغسَّل ولا يُصلّى عليه.

    §        أحمد وداود: يُغسَّل ويُصلّى عليه.

    o       يُستحب تسميته والعقيقة عنه.

  • الحكمة من هذه الأحكام

    • تكريم الإنسان منذ كونه جنينًا، فالشريعة الإسلامية سبقت الأنظمة الحديثة في تقرير حقوقه.
    • مراعاة مشاعر الأبوين، والتخفيف عن مصابهما بدعاء الناس للجنين.
    • بيان أن نفخ الروح في الجنين هو الحدّ الفاصل بين كونه مضغة بلا حياة، وبين كونه إنسانًا له حقوق شرعية.
  • خاتمة

    أحكام السقط في الإسلام تتدرج بحسب عمر الجنين وعلامات حياته بعد خروجه. فإذا أتم أربعة أشهر، فقد نُفخت فيه الروح، وأصبح له أحكام الموتى من غسل وصلاة ودفن وتسمية، على قول الحنابلة، بينما ذهب الجمهور إلى عدم الصلاة عليه إلا إن استهلّ حيًّا.

    وفي جميع الحالات، فإن دفنه يجب أن يكون في مقابر المسلمين، تكريمًا له وحفظًا لحقّه الشرعي. وهكذا يتضح أن الإسلام دين شامل يراعي أحكام الإنسان منذ أن يكون جنينًا في بطن أمه، وحتى بعد وفاته.