كيفية التعامل مع الأقارب الحاسدين في الإسلام و حكم صلتهم

تعرف في هذا المقال على حكم التعامل مع الأقارب الحاسدين في الإسلام، وهل يجيز الحسد قطع صلة الرحم، وما حدود الصلة عند وجود الأذى، مع الأدلة الشرعية ووسائل الوقاية من الحسد والعين.

كيفية التعامل مع الأقارب الحاسدين في الإسلام و حكم صلتهم
كيفية التعامل مع الأقارب الحاسدين
  • مقدمة

    لا يكاد يخلو بيت من ابتلاءات تتعلق بالحسد والعين، خصوصاً عندما يكون مصدرها من أقرب الناس إلينا كالأعمام أو الأخوال أو حتى أصهار الزوج أو الزوجة. هذه المواقف تضع المسلم أمام تحدٍ كبير: كيف يوازن بين صلة الرحم التي أمر الله بها، وبين دفع الأذى والشرور التي قد تصدر من هؤلاء الأقارب؟
    إن النصوص الشرعية بيّنت حقيقة الحسد وخطورته، كما أرشدت إلى وسائل الوقاية والعلاج، وحددت حدود الصلة الواجبة. وفي هذا المقال نعرض رؤية متكاملة حول كيفية التعامل مع الأقارب الحاسدين، مع الاستناد إلى الأدلة الشرعية وأقوال العلماء.

  • حقيقة الحسد وأثره

    • الحسد ثابت بنصوص القرآن والسنة، قال تعالى:
      ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق:5].
    • وقال النبي ﷺ: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" (رواه مسلم).
    • للحسد أثر واقعي على حياة الناس، فقد يصيب الجسد بالمرض، ويجلب الفتن والمشكلات، بل ويؤدي إلى تعطيل النعم وزوال البركة.
    • لذا فإن الشريعة لم تنكر هذه الظاهرة، بل وضعت الضوابط لعلاجها والتعامل معها.
  • صلة الرحم وأحكامها

    صلة الرحم من أعظم الواجبات، قال تعالى:
    ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد:21].

    • يشمل ذلك الأعمام والأخوال والأقارب من جهة الأب والأم.
    • الصلة تتحقق بالزيارة، والاتصال، وتقديم الهدية، والدعاء لهم، والإحسان إليهم.
    • لا يشترط في الصلة أن يطلع الأقارب على كل تفاصيل حياتك أو أخبارك، بل يمكن أن تكون صلة مقيدة بما يحقق الواجب الشرعي ويمنع الضرر.
  • حدود التعامل في حال وجود الحسد

    إذا ثبت أن بعض الأقارب يحسدون الإنسان أو يفرحون لمصيبته، فإن الشرع يوازن بين أمرين: وجوب الصلة ووجوب دفع الضرر.

    • لا يجوز القطيعة المطلقة، لكن يجوز تقليل التواصل إلى الحد الأدنى الذي يحقق الصلة.
    • يكفي في بعض الحالات الاتصال الهاتفي، أو السلام في المناسبات العامة.
    • يمكن تقليل الزيارات لتجنب الاحتكاك المباشر الذي قد يثير الحسد أو يسبب الأذى.
    • يجوز كتمان الأخبار الشخصية والامتناع عن إظهار النعم أمامهم، اقتداءً بقول يعقوب عليه السلام لابنه يوسف:
      ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ [يوسف:5].
  • حدود صلة الرحم في حال وجود الحسد

    صلة الرحم واجبة بإجماع العلماء، وهي من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، لقول الله تعالى:
    ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء:1].

    لكن الشريعة ـ بما أنها شريعة عدل ورحمة ـ لم تفرض الصلة المطلقة بلا قيود، بل راعت القدرة وانتفاء الضرر، فالأمر بالصِّلة مشروط بقدرة الإنسان على أدائها دون أن يترتب عليه ضرر محقق أو فتنة عظيمة.

    1. الصلة الواجبة في حال وجود الحسد

    • حتى مع وجود الحسد، لا يجوز للمسلم أن يقطع رحمه قطعًا تامًا، وإنما يقتصر على الحد الأدنى من الصلة، مثل:
      • السلام والرد عليهم.
      • الاتصال البسيط في المناسبات.
      • إرسال هدية أو رسالة تذكر بالعلاقات الإنسانية.
    • هذا الحد الأدنى يحقق الامتثال للواجب الشرعي دون أن يفتح الباب أمام الضرر.
    • قال الإمام النووي: "صلة الرحم تكون بالمال، وبالخدمة، وبالزيارة، والسلام، وغير ذلك بحسب القدرة والحاجة" (شرح صحيح مسلم).

    2. الصلة المستحبة

    • إذا كان الحاسد ضعيف الأذى أو يسهل دفع شره، فالأفضل الزيادة في الصلة والإحسان إليه، لما فيها من الأجر العظيم.
    • قال الله تعالى:
      ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت:34].
    • الإحسان قد يحوّل العداوة إلى مودة، ويكسر حدة الحسد.
  • تفصيل الحكم الشرعي في مقاطعة الأقارب بسبب الحسد

    أجمع العلماء على أن صلة الرحم واجبة، وقطعها من الكبائر التي حذّر منها النبي ﷺ في قوله: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» (رواه البخاري ومسلم). وعليه، فالحسد أو الغيرة من الأقارب لا يبرران القطيعة التامة، لأن الواجب الشرعي يظل قائمًا مهما كان الخلاف أو الضرر.

    أولًا: التعامل مع الحسد

    • الحسد حقيقة قائمة، وقد أرشد النبي ﷺ إلى التعامل معه بالكتمان، فقال: «استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» (رواه الطبراني وصححه الألباني).
    • هناك وسائل شرعية للوقاية من الحسد، ذكرها ابن القيم وغيره، مثل: قراءة المعوذات، والرقية، والتحصين بالأذكار، والابتعاد عن إظهار النعم لمن يُخشى حسده.
    • لا يلزم أن يكون زوال النعمة بسبب الحسد مباشرة، فقد يكون بتقدير الله لحكمة، ومن الخطأ إساءة الظن بالمسلمين واتهامهم بغير بينة.

    ثانيًا: حدود صلة الرحم عند وجود الضرر

    • إذا كان الأذى شديدًا، فيجوز تقليل الصلة دون قطعها؛ مثل ترك الزيارات التي تجلب المشاكل، مع الاستمرار في أشكال أخرى من الصلة: السلام، الدعاء، الهدية، السؤال عند المرض.
    • بهذا يتحقق واجب الصلة من غير أن يلحق المكلف ضررًا بنفسه أو أهله.

    ثالثًا: حكم الكذب مع الأقارب

    • الأصل أن الكذب محرم، لكن يجوز في حالات استثنائية إذا كان هو الوسيلة الوحيدة لدفع ضرر محقق، مع عدم وجود بديل كالتورية أو الإجمال في الكلام.
    • التورية – أي استخدام ألفاظ محتملة لمعنى صحيح في الشرع – هي الخيار الأفضل قبل اللجوء للكذب.

    النتيجة
    لا يجوز مقاطعة الأقارب بسبب الحسد، لكن يجوز تنظيم العلاقة وضبطها بحيث تقلل فرص الضرر. وينبغي الجمع بين أداء حق الرحم والتحصن بالوسائل الشرعية من الحسد، مع الحذر من الوقوع في الكذب إلا عند الضرورة القصوى.

  • متى يعتبر الحسد أذى أو ضرر

     أوجه اعتبار الحسد أذى:

    1.    من جهة الشرع

    o       قال الله تعالى:
    ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق:5]، فجعل الحاسد من جملة الشر الذي يستعاذ بالله منه، مما يدل على أنه نوع من الأذى.

    o       وقال النبي ﷺ: "العين حق" (رواه مسلم)، أي أن أثر الحسد قد يصيب الإنسان حقيقة بالمرض أو الضرر.

    2.    من جهة الآثار النفسية

    o       الحسد يولِّد ضيقًا وكربًا على المحسود إذا علم أن هناك من يتمنى زوال نعمته.

    o       وقد يسبب اضطرابات في العلاقات الاجتماعية ويزرع الشحناء بين الأقارب.

    3.    من جهة الآثار الواقعية

    o       قد يتسبب الحسد في نزول البلاء بزوال نعمة أو تعطل رزق، بإذن الله، كما دلّت النصوص على أن العين قد تسبق القدر فتؤثر في المحسود.

    الفرق بين الحسد وغيره من الأذى

    • الأذى قد يكون قولًا أو فعلًا مباشرًا كالشتم أو الضرب.
    • أما الحسد فهو إيذاء قلبي يُترجَم أحيانًا بنظرة أو دعاء على النعمة بزوالها.
    • كلاهما مذموم شرعًا، لكن الحسد له خصوصية كونه خفيًّا لا يُدرك بسهولة، وقد يقع حتى من أقرب الناس.

    النتيجة

    إذن، الحسد نوع من الأذى، بل هو من أشد أنواعه لأنه يجمع بين:

    • أذى نفسي للمحسود.
    • وأذى اجتماعي بتفكيك الروابط.
    • وأذى قدري حين ينفذ أثر العين في الجسد أو المال أو الولد.

    ولهذا جاءت الشريعة بالتحصين منه بالذكر والرقية والصبر، وعدم مجازاة الحاسد بالمثل.

  • الجانب الأخلاقي في التعامل مع الحاسدين

    من أخلاق الإسلام مقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى:
    ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:34].

    • الصبر والعفو والصفح من أعظم الوسائل التي تجلب تأييد الله ونصره.
    • وفي الحديث الصحيح أن رجلاً شكا للنبي ﷺ قرابته الذين يسيئون إليه فقال له: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" (رواه مسلم).
  • الخاتمة

    إن التعامل مع الأقارب الحاسدين يحتاج إلى حكمة شرعية تقوم على التوازن بين أداء الواجب الشرعي في صلة الرحم، وبين حماية النفس والأهل من الأذى.
    فلا يجوز القطيعة المطلقة، ولا يجوز كذلك الانفتاح الكامل الذي يجلب الضرر. بل الواجب اتخاذ منهج الوسط:

    • صلة بقدر،
    • كتمان للأخبار،
    • تحصين بالذكر،
    • وإحسان يقترن بالحذر.

    وبذلك يحقق المسلم أمر الله في صلة الأرحام، ويضمن في الوقت ذاته سلامة نفسه ودينه ودنياه.