يأجوج ومأجوج: دراسة موسعة في ضوء القرآن والسنة والتأصيل العقدي
مقالة موسعة وشاملة عن يأجوج ومأجوج تجمع كل ما ورد عنهم في القرآن والسنة، مع تحليل علمي لأصلهم وصفاتهم وموطنهم وحقيقة السد، وأحداث خروجهم كعلامة كبرى من علامات الساعة، ورأي العلماء في أخبارهم، وصحة الروايات المتداولة، مع معالجة متكاملة لموقعهم في العقيدة الإسلامية.
جدول المحتويات
-
مقدمة
تمثل قضية يأجوج ومأجوج أحد أبرز الموضوعات التي تندرج ضمن الإيمان بالغيب وأشراط الساعة، وقد أثارت عبر العصور اهتمام العلماء والمفسرين، كما شغلت العامة بما يرتبط بها من أخبار صحيحة وأخرى موضوعة. ويهدف هذا المقال إلى تقديم معالجة موسعة ومنهجية، معتمدة على الدليل الناصع من القرآن والسنة الصحيحة، ومحررة من الخرافات والتزيد التاريخي.
-
الدلالة اللغوية لاسم يأجوج ومأجوج
اختلف أهل العلم في أصل تسميتهم على قولين:
1. أنهما اسمان أعجميان غير مشتقين، كبقية أسماء الأمم.
2. أنهما اسمان عربيان مشتقان:
o من الأجِّ أو المأج بمعنى الاضطراب.
o أو من أُجَاج النار أي تلهّبها.
وعلى كلا القولين فإن التسمية تدل على الاضطراب، والبغي، والفساد، وكثرة الحركة، وهي صفات تتسق مع ما ورد في النصوص الشرعية.
-
حقيقتهم ونسبهم
دلت النصوص الصحيحة على أنهم:
· أمتان من بني آدم.
· قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم معشر المسلمين في الجنة نصف أهلها، وذلك أنكم في الناس كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود... ومن يأجوج ومأجوج ألف) رواه البخاري ومسلم.
فهذا يدل على أنهم بشر من نسل آدم، لهم خصائص بشرية، وليسوا مخلوقات خارقة أو جنّاً أو كائنات هجينة كما ظنّت بعض الأمم.
-
ذكرهم في القرآن الكريم
1. ذكرهم في سورة الكهف
قال تعالى:
{إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ...} [الكهف: 94]
توضح هذه الآيات:
· فسادهم القديم.
· عجز الناس عن ردّ أذاهم.
· بناء ذي القرنين للسد الفاصل بينهم وبين الناس.
· أن ذلك السد باقٍ إلى أن يشاء الله فتحه.
2. ذكرهم في سورة الأنبياء
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]
تشير الآية إلى:
· فتح السد آخر الزمان.
· خروجهم بسرعة وانتشارهم في الأرض.
-
ذكرهم في السنة النبوية
1. السد وبداية الفتح
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وأشار بسبابته وإبهامه. رواه البخاري.
ويدل هذا على:
· أن السد حقيقي.
· وأن بداية الفتح قد بدأت منذ زمن النبي، لكنها بقدر لا يسمح بخروجهم بعد.
2. صفة خروجهم وعظم فسادهم
في حديث النواس بن سمعان الطويل:
· يخرجون بعد قتل الدجال.
· يأمر الله عيسى أن يتحصن بالمؤمنين في الطور.
· ينسلون من كل حدب.
· يشرب أوائلهم بحيرة طبرية، فيمر آخرهم ويقول: لقد كان بهذه ماء.
· يملؤون الأرض فساداً حتى لا يقدر أحد على قتالهم.
· يرمون سهامهم إلى السماء فيفتنهم الله بجعل السهام مخضبة بالدم.
· يهلكهم الله بالنغف (دود صغير) في رقابهم.
رواه مسلم.
3. عددهم الهائل
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) رواه مسلم.
والمقصود أن:
· أعدادهم ضخمة جداً.
· وأن أكثر أهل النار منهم.
-
صفاتهم الخلقية
الأحاديث الصحيحة لم تذكر تفاصيل دقيقة عدا ما يلي:
· عراض الوجوه.
· صغار العيون.
· شقر الشعور.
· الوجوه مدورة كالتروس. رواه أحمد.
أما الروايات التي تزعم:
· أن فيهم طوالاً كالأرز.
· أو قصاراً كشبر اليد.
· وأن أحدهم يفرش أذنه ويلتحف بالأخرى.
· وأن عدد ذرية الرجل ألف ذكر...
فكلها ضعيفة أو موضوعة باتفاق المحدثين.
-
موقع السد وحقيقته
لم يأت نص صريح يحدد موقع السد، لكن أقوى الأقوال:
1. أنه بين جبال القوقاز
بين دربند وداريال، حيث توجد سلسلة جبال قوية بين البحرين الأسود وقزوين.
2. أن السد غير مرئي اليوم
لأنه:
· قد يكون مطموراً تحت طبقات الأرض.
· أو في منطقة وعرة لا تصل إليها الحضارة.
· أو تغيرت تضاريس الأرض بمرور الزمان.
والحق أن عدم معرفتنا بموقعه لا تضر، لأن الله أخبر بوجوده وبقائه، وعدم رؤيته لا يناقض النصوص.
-
قوة يأجوج ومأجوج العسكرية
النصوص تدل على أنهم عند خروجهم يملكون:
· قوة مادية واسعة.
· سرعة الانتشار.
· كثافة عددية طاغية.
وقد رجح العلماء أحد احتمالين:
1. أنهم يدخلون العصر بأسلحة متطورة
فتنتشر قوتهم بسرعة هائلة وتنهار أمامهم البشرية.
2. أو أن الحضارة تنهار قبل خروجهم
ويعود الناس إلى الأسلحة البدائية، فيتفوق عددهم وقوتهم البدائية على ما تبقى من الأمم.
ولم يرد نص قاطع في الترجيح.
-
ترتيب خروجهم ضمن أشراط الساعة
1. خروج الدجال.
2. نزول عيسى عليه السلام.
3. قتل الدجال.
4. خروج يأجوج ومأجوج.
5. هلاكهم بالنغف.
6. عودة الأمن والرخاء.
7. إماتة الله المؤمنين بالريح.
8. قيام الساعة على شرار الخلق.
-
فناء يأجوج ومأجوج
يُهلكهم الله عز وجل بآفة صغيرة:
· يرسل عليهم النغف في أعناقهم.
· يموتون جميعاً كموت نفس واحدة.
· يُرسل الله طيراً عظيماً تحمل جثثهم بعيداً.
· تُرسل أمطار تطهر الأرض من نتنهم.
وليس لعيسى ولا للمؤمنين قتال معهم، لأن قتالهم مستحيل بشرياً.
-
هل هم موجودون الآن؟
نعم، بدلالة:
· قوله تعالى: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} وهو يدل على بقائه قبل الوعد.
· حديث: (يحفرونه كل يوم). صححه الألباني.
· حديث رمز الفتحة الصغيرة في السد.
فهم اليوم خلف السد، لا يعلم مكانهم بدقة، ولا يعلم عددهم، ولا يعلم عند الله تفصيل حياة أممهم.
-
الروايات الموضوعة حولهم
من أبرز الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع:
· أنهم أمم لا تحصى من الأمم الأربعة آلاف أمة.
· أن أحدهم طول شجرة الأرز.
· أن منهم من يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى.
· أن من مات منهم أكلوه.
· أنهم يشربون أنهار الشرق كلها.
وقد حكم عليها أئمة كابن عدي، وابن كثير، والهيثمي، وابن الجوزي بالوضع أو النكارة الشديدة.
ولا يعتمد منها شيء في العقيدة.
-
الحكمة من وجودهم
1. الإيمان بالغيب.
2. بيان قدرة الله على خلق ما يشاء.
3. تذكير البشرية بضعفها مهما بلغت قوتها.
4. جعل خروجهم علامة قاطعة على قرب قيام الساعة.
5. ابتلاء للناس وتحقيق سنن الاستبدال والتمحيص.
-
ردّ الشبهات المعاصرة
1. دعوى أنهم الشعوب الشمالية الأوروبية
هذه دعوى باطلة، لأن صفاتهم الشرعية لا تنطبق عليهم.
2. القول بأن السد أسطورة
هذا طعن في القرآن.
3. ربطهم بالأجناس غير البشرية
كالأشباح أو الكائنات الفضائية، وهذا باطل.
4. القول إنهم قبائل منغولية
لا دليل عليه، وخروجهم لم يقع بعد.
-
الخاتمة
يأجوج ومأجوج حقيقة غيبية قرآنية ثابتة، لا علاقة لها بالأساطير ولا بالمبالغات التي أُلصقت بها. هم أمتان من البشر، لهم وجود حقيقي، محتجزون خلف سدّ بناه ذو القرنين، وسيخرجون في آخر الزمان ليكون خروجهم أعظم آية من آيات الله قبل يوم القيامة. وقد بيّن القرآن والسنة الصحيحة قدر ما يحتاجه المسلم للإيمان، وكفّا عن التكلف والتخمين. وما وراء ذلك فهو من الغيب الذي استأثر الله بعلمه.