حكم استعمال الحقنة الشرجية أثناء الصيام بين أقوال الفقهاء وضوء العلوم الطبية الحديثة
حكم استعمال الحقنة الشرجية (اللبوس أو السائل) للصائم. استعراض لأقوال المذاهب الأربعة وابن تيمية، وتحرير لضابط الجوف المفسد للصوم في ضوء التشريح والعلوم الطبية الحديثة، وفقاً لرأي دار الإفتاء المصرية.
-
مقدمة
تُعدّ مسألة مُفسدات الصيام من أهم القضايا التي تثار مع حلول شهر رمضان المبارك، وتزداد الحاجة إلى تحقيقها في ظل التطورات الطبية الحديثة، ومن بين هذه المسائل حكم استعمال الحقنة الشرجية (الشرج أو الدبر) أثناء الصيام. هذه الحقنة، سواء كانت سائلة أو على هيئة لَبوس (تحاميل)، تُستخدم لأغراض علاجية متعددة، أبرزها معالجة الإمساك المزمن أو إجراء الفحوصات الطبية.
-
أهمية المسألة وتحرير المصطلحات
أ. تعريف الحقنة الشرجية (Enema)
الحقنة الشرجية هي آلة أو وسيلة يتم بها ضخ سائل طبي أو إدخال جرعة صلبة (كاللَّبوس) إلى الأمعاء الغليظة (القولون) عن طريق المستقيم؛ لغرض تسهيل الإخراج، أو لأغراض طبية وفحوصات.
ب. التشريح الوظيفي للمنطقة
- المستقيم (Rectum): هو الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة، ووظيفته الأساسية هي النقل والتخزين لعملية التبرُّز، مع مشاركة يسيرة جداً في امتصاص الماء وبعض المواد.
- الأمعاء الغليظة (القولون): تقوم بسحب ما تبقى من الماء والأملاح المعدنية من الفضلات قبل طرحها.
- الصمام اللفائفي الأعوري (Ileocecal valve): صمام يفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة، يمنع رجوع محتوى القولون أو نفاذه إلى الأمعاء الدقيقة التي تسبق المعدة.
النتيجة الطبية
ما يتم إدخاله عن طريق الشرج والدبر لا يمكن أن يصل بعينه إلى المعدة والأمعاء الدقيقة بسبب وجود الصمام اللفائفي الأعوري الذي يمنع رجوع المحتوى تصاعدياً.
- المستقيم (Rectum): هو الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة، ووظيفته الأساسية هي النقل والتخزين لعملية التبرُّز، مع مشاركة يسيرة جداً في امتصاص الماء وبعض المواد.
-
تحرير ضابط الجوف المفسد للصوم عند الفقهاء
لتحديد حكم الحقنة الشرجية، يجب أولاً تحرير ضابط "الجوف" الذي إذا وصل إليه المفطر أفسد الصوم، وهو ما اتفق الفقهاء على كونه:
- باطناً: أي في باطن الجسم.
- محل الغذاء والدواء: اتفق الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) على أن الجوف المعتبر هو المعدة وما يليها من الأمعاء الدقيقة، فهو محل التغذية والاستحالة (تحويل الغذاء).
وبما أن الأمعاء الغليظة (القولون) لا تقوم بوظيفة الإحالة (الهضم والتغذية الرئيسية)، بل تقوم بعملية طرد الفضلات، ولأنها لا يتأتى وصول ما فيها إلى المعدة كما بيَّنت العلوم الطبية الحديثة، فإنها لا تأخذ حكم "الجوف" المفسد للصوم.
- باطناً: أي في باطن الجسم.
-
أقوال الفقهاء حول الاحتقان في الدبر للصائم
اختلف الفقهاء في حكم الاحتقان في الدبر (الحقنة الشرجية أو اللَّبوس) على أقوال متعددة:
المذهب/العالم
الحكم المشهور
المدرك والاستدلال
جمهور الفقهاء (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة)
مُفْسِد للصوم ويلزم القضاء.
لتيقن أو غلبة الظن بوصول الدواء إلى الجوف عبر منفذ أصلي مفتوح (الدبر).
المالكية (المشهور)
مُفْسِد للصوم، واشترطوا أن يكون الاحتقان بمائع دون الجامد.
غلبة الظن بالوصول إلى المعدة من المنفذ السفلي في المائع دون الجامد، ثم تقييد ذلك بتيقن الوصول.
الحنفية
مُفْسِد للصوم (لتيقن الوصول عبر منفذ أصلي).
الإمام أبو حنيفة: العبرة بوصول المفطر إلى الباطن. الصاحبان: العبرة بالدخول من المنفذ الأصلي لتيقن الوصول إلى الجوف.
الإمام النووي (من الشافعية)
المذهب يقتضي الإفطار، لكن نقل وجهاً للقاضي حسين بعدم الإفطار.
ابن تيمية والظاهرية وبعض المالكية (ابن عبد البر، اللخمي، ابن الجلاب)
لا يُفْسِد الصوم ولا قضاء فيه، أو القضاء للاستحباب.
ابن تيمية وابن حزم: الصيام محرم عن الأكل والشرب، وما يصل من غير الفم والأنف ليس أكلاً ولا شرباً وليس في معناهما. اللخمي: ذلك مما لا يصل إلى المعدة ولا إلى موضع يُغَذّي الجسم بحال.
-
قرار دار الإفتاء المصرية والرأي المعتمد
بعد دراسة مستفيضة لواقع الحقنة الشرجية وأغراضها، والاستماع إلى الخبراء المتخصصين في التشريح والعلوم الطبية الحديثة، خلصت دار الإفتاء المصرية إلى أن:
استخدام الحقنة الشرجية (سواء السائلة أو اللبوس) أثناء الصيام لا يؤثر في صحة الصوم، ولا يفسده؛ لأنها لا تصل إلى الجوف المعتبر شرعاً (المعدة والأمعاء الدقيقة).
وهذا القول هو الذي يتفق مع رأي المحققين من العلماء، ويتوافق مع ما استقرت عليه المعارف الطبية الدقيقة التي تبيّن:
- أن القولون ليس محلاً رئيسياً للغذاء والدواء.
- أن الصمام اللفائفي يمنع وصول محتواه إلى المعدة.
- أن العبرة في الإفطار هي بوصول المفطر إلى محل الغذاء والدواء (المعدة والأمعاء الدقيقة)، وهو ما لم يتحقق بيقين في الحقنة الشرجية.
تنبيه: ما كان يُظن في الماضي من وصول المائع من الدبر إلى المعدة أو تغذية الكبد من الأمعاء الغليظة قد أثبت العلم الحديث خلافه، حيث إن اجتذاب الكبد يحدث من الأمعاء الدقيقة وليس الغليظة (القولون).
- أن القولون ليس محلاً رئيسياً للغذاء والدواء.
-
الخلاصة الفقهية للطالب والباحث
- القول بالإفطار هو مذهب الجمهور، وهو الأحوط للخروج من الخلاف.
- القول بعدم الإفطار هو اختيار ابن تيمية وابن حزم وبعض المالكية، وهو الأقوى دليلاً بعد الاستناد إلى ضابط الجوف المعتبر شرعاً، وتأييد العلوم الطبية الحديثة.
- فتوى دار الإفتاء المصرية اعتمدت القول بعدم الإفطار، نظراً لانتفاء علة الوصول إلى الجوف المعتبر التي بُني عليها قول الجمهور.
الخلاصة النهائية
من استعمل الحقنة الشرجية وهو صائم، فصومه صحيح ولا قضاء عليه، اعتماداً على رأي دار الإفتاء المصرية وموافقة هذا الرأي للتحقيق الطبي الحديث.
- القول بالإفطار هو مذهب الجمهور، وهو الأحوط للخروج من الخلاف.