حكم من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر ظانًّا بقاء الليل

تعرف في هذا المقال على حكم من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر أو قبل غروب الشمس ظانًّا بقاء الليل، مع عرض أقوال جمهور العلماء، وترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمية، وحكم صيام الفرض والنفل، وحالات الجماع بعد الفجر في صيام التطوع. قراءة فقهية موسعة مدعّمة بالأدلة.

حكم من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر ظانًّا بقاء الليل
حكم من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر ظانًّا بقاء الليل
  • مقدمة

    من المسائل التي يكثر وقوعها وطرحها في زمن التكنولوجيا، ومع اختلاف البلدان في طرق حساب الفجر: مسألة الأكل أو الشرب بعد طلوع الفجر خطأً. وتتضاعف أهميتها في الدول التي لا يَسمع فيها الناس الأذان، فيعتمدون على تطبيقات أو تقاويم قد لا تكون دقيقة دائمًا.
    ومع أن النصوص الشرعية في الصيام جاءت واضحة في تحديد بداية ونهاية وقت الصوم، إلا أن أحكام الخطأ تحتاج إلى فهم عميق يجمع بين النصوص الشرعية، وأقوال السلف، والمقاصد الكبرى للشريعة في رفع الحرج.

    هذا المقال يقدم دراسة فقهية شاملة تغطي:

    • قول الجمهور.
    • قول الحنفية وتفصيل رواياتهم.
    • قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه.
    • الأدلة من القرآن وصحيح السنة.
    • تطبيقات معاصرة للمسألة.
    • حكم صيام التطوع وصيام الفرض.
    • حكم الجماع بعد الفجر خطأ أو نسيانًا.
  • الأدلة الشرعية المؤثرة في المسألة

    1. الأدلة من القرآن

    أولاً: تحديد وقت الإمساك وبداية الصيام

    قوله تعالى:
    ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴾
    [البقرة: 187]

    هذه الآية أصل في بيان بداية الصوم، وأن العبرة بالتبيّن، أي: ظهور الفجر الصادق.

    ثانيًا: وجوب إتمام الصوم

    قال تعالى:
    ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾
    [البقرة: 187]

    استدل الجمهور بهذه الآية على أن من أكل بعد الفجر فقد لم يتم صيامه.

    ثالثًا: رفع المؤاخذة عن الخطأ والنسيان

    قال تعالى:
    ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾
    [البقرة: 286]

    وهذه الآية أصل في العذر بالخطأ، وهي عمدة من قال بصحة الصوم.

  • الأدلة من السنة الصحيحة

    حديث الإفطار خطأ يوم الغيم

    روى البخاري:
    "
    أَفْطَرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ"
    ولم يثبت في الحديث أنه ﷺ أمرهم بالقضاء.

    هذا الحديث هو أقوى أدلة من قال بصحة الصوم عند الخطأ.

    حديث الخيط الأبيض والخيط الأسود

    روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، وفيه:
    "
    إنّ وسادَك لَعَريضٌ، إنما هو بياض النهار وسواد الليل"
    ولم يأمره النبي ﷺ بالقضاء رغم أكله بعد الفجر عن جهل.

    حديث عاشوراء

    في الصحيحين عن الربيع بنت معوّذ:
    "
    من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه."

    والحديث أصل في إمساك من أخطأ، مع أنه مفطر.

  • آراء المذاهب الأربعة فيمن أكل بعد طلوع الفجر خطأً

    مذهب الجمهور (المالكية، الشافعية، الحنابلة)

    يرون أن الصوم فاسد ويجب القضاء في الفرض، واستدلوا بـ:

    • وجوب إتمام الصوم.
    • أن النهار قد دخل، فلا يصح صوم يوم أكل جزءًا منه.

    هذا هو القول المشهور والمعتمد في كتب الفروع.

    2. قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه

    قوله: الصوم صحيح، ولا قضاء عليه.
    وأدلته كما ورد في النص الأصلي:

    • آية رفع الحرج.
    • قياس المخطئ على الناسي.
    • عدم أمر النبي ﷺ من أفطر يوم الغيم بالقضاء.
    • فعل الصحابة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا نقضي، فإنا لم نتجانف لإثم."

    وعدَّه شيخ الإسلام "أصح الأقوال وأقربها لأصول الشريعة".

    3. مذهب الحنفية (بتفصيل مهم)

    الحنفية لهم روايتان في المسألة:

    الرواية الأولى (وهي الأشهر عندهم):

    يلزم القضاء إذا أكل ظانًّا بقاء الليل ثم تبيّن طلوع الفجر.

    وهذه تتفق مع الجمهور.

    الرواية الثانية (وعليها فُتيا بعض الحنفية وقد رجّحها بعض المتأخرين):

    لا قضاء على من أكل بعد الفجر خطأً؛ لأن الأصل بقاء الليل حتى يتيقن طلوع الفجر، وهو نفس دلالة:

    • قول ابن مسعود.
    • قول مجاهد.
    • وقول عطاء: "إذا شك فلا قضاء عليه".

    وهذه الرواية هي التي أشار إليها الفقهاء بأنها من أقوى الوجوه داخل المذهب، وتشبه تمامًا ترجيح ابن تيمية.

    خلاصة المذهب الحنفي

    • المشهور: القضاء واجب.
    • وجه معتبر: لا قضاء، وهو الأقرب للأصول الشرعية.
  • حكم صيام التطوع عند وقوع الخطأ

    مذهب الشافعية والحنابلة وكثير من السلف

    • من أكل في النفل ظانًّا بقاء الليل:
      صومه صحيح، ولا قضاء عليه، لكن يستحب له القضاء.

    وقد جاء عن:

    • ابن عمر: "لا بأس به ما لم يكن نذرًا أو قضاء رمضان."
    • ابن عباس: "إن شاء قطعه، وإن شاء أتمه."
  • حكم الجماع بعد طلوع الفجر في حال الخطأ أو النسيان

    1. الجماع عمدًا بعد الفجر في الفرض

    • الصوم باطل.
    • القضاء والكفارة في صيام رمضان.

    2. الجماع خطأً أو نسيانًا

    • الصوم صحيح، قياسًا على الناسي.

    3. الجماع في صيام التطوع بعد الفجر عمدًا

    • الصوم يفسد.
    • الإمساك مستحب، والقضاء مستحب وليس واجبًا.
  • التفريق بين الخطأ في الفجر والخطأ في المغرب

    هذه قاعدة مهمة:

    1. الخطأ في الفجر

    الأصل بقاء الليل؛ لذا:

    • يرى ابن تيمية، مجاهد، عطاء، وابن مسعود: لا قضاء.

    2. الخطأ في المغرب

    الأصل بقاء النهار؛ لذا:

    • أكثر أهل العلم: القضاء واجب إذا أفطر قبل غروب الشمس خطأ.
  • تطبيقات معاصرة للمسألة

    1. الاعتماد على التقاويم

    كثير من البلاد تعتمد على تقاويم قد تختلف عن التوقيت الفعلي للفجر الصادق، وخاصة الفجر الفلكي، والفرق قد يصل إلى 12–18 دقيقة.

    لذلك يفضل:

    • أخذ الاحتياط قبل الفجر بـ 10 دقائق.
    • الاعتماد على تقاويم الهيئات الشرعية لا التطبيقات التجارية.

    2. النافلة أوسع

    بسبب قاعدة:
    "
    التطوع مبناه على التيسير"
    فإن صيام النفل أقل تشددًا، ويدخل في باب القُربات التطوعية.

  • الخلاصة

    في الفرض (رمضان، النذر، القضاء):

    • قول الجمهور والحنفية في المشهور: القضاء واجب.
    • قول قوي معتبر (ابن تيمية، المزني، وطائفة من السلف): الصوم صحيح ولا قضاء.

    والاحتياط القضاء.

    في النفل:

    • يصّح الصيام.
    • لا يجب القضاء، لكن يستحب.

    من جامع بعد الفجر ناسيًا أو مخطئًا:

    • صومه صحيح.
  • الخاتمة

    في الفرض (رمضان، النذر، القضاء):

    • قول الجمهور والحنفية في المشهور: القضاء واجب.
    • قول قوي معتبر (ابن تيمية، المزني، وطائفة من السلف): الصوم صحيح ولا قضاء.

    والاحتياط القضاء.

    في النفل:

    • يصّح الصيام.
    • لا يجب القضاء، لكن يستحب.

    من جامع بعد الفجر ناسيًا أو مخطئًا:

    • صومه صحيح.