قصة اليسع عليه السلام

قصة نبي الله اليسع عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل الذين ذكرهم القرآن الكريم بالثناء، تابع رسالة إلياس عليه السلام، ودعا قومه إلى التوحيد والصلاح، لكنهم أعرضوا فسلط الله عليهم الجبابرة والأعداء. تعرف على نسبه، دعوته، قصته مع ذو الكفل، والدروس المستفادة منها.

قصة اليسع عليه السلام
قصة اليسع عليه السلام
  • مقدمة

    الأنبياء عليهم السلام هم صفوة الله من خلقه، اختارهم رب العالمين لحمل رسالته وتبليغ دعوته إلى الناس، يهدونهم إلى التوحيد وينقذونهم من الضلال. ومن بين هؤلاء الأنبياء الكرام الذين ذكرهم القرآن الكريم بإجلال وثناء، نبي الله اليسع عليه السلام، الذي أرسله الله إلى بني إسرائيل بعد نبي الله إلياس عليه السلام، فتابع مسيرة الدعوة، وواجه عصيان قومه وفساد ملوكهم، داعياً إياهم إلى عبادة الله وحده والتمسك بشريعته.

    وقد جاء ذكر اليسع عليه السلام في القرآن الكريم مرتين:
    قال تعالى:
    ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 86].
    وقال سبحانه:
    ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: 48].

    فالقرآن الكريم لم يذكر تفاصيل قصته، لكن كتب التفسير والتاريخ أوردت ما يتعلق بنسبه وحياته ونبوته وما وقع في زمنه.

  • نسب نبي الله اليسع عليه السلام

    اختلف العلماء في نسبه، إلا أن الراجح أنه اليسع بن عدي بن شُويلخ بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام، فهو من ذرية يوسف الصديق عليه السلام. وقيل: هو أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب.

    وذكر وهب بن منبه أن اسمه: "اليسع بن خطوب"، ويقال: "ابن أخطوب"، وأنه كان ابن عم نبي الله إلياس عليه السلام. وقد فرق بعض العلماء بين "اليسع" الذي ذُكر في القرآن، وبين "ابن أخطوب" فاعتبروا أنهما شخصان مختلفان، بينما ذهب آخرون إلى أنهما واحد.

  • بدايات دعوته ونبوته

    كان اليسع عليه السلام رجلاً صالحاً، يتيماً ضعيفاً مبتلى بالمرض، فانقطع إلى نبي الله إلياس عليه السلام وآمن به. فدعا له إلياس، فكشف الله عنه ضُرَّه، وأكرمه بالشفاء، ثم اصطفاه بالنبوة بعد رفع إلياس إلى السماء.

    فأقام في بني إسرائيل ناصحاً لهم، متبعاً منهاج إلياس، ثابتاً على شريعته، مذكراً الناس بعبادة الله وحده، ومحذراً إياهم من طغيان ملوكهم وظلمهم وفسادهم.

  • دعوة اليسع عليه السلام

    واصل اليسع عليه السلام رسالة التوحيد، لكنه واجه بني إسرائيل الذين انغمسوا في المعاصي والذنوب، وكثر بينهم الجبابرة والملوك الظالمون، حتى وصل الحال إلى قتل الأنبياء وتكذيبهم وتشريد أتباعهم.

    وكان نبي الله اليسع صابراً ثابتاً، يعظهم ويخوفهم من عذاب الله، لكنهم قابلوا دعوته بالرفض والإعراض. وقد روي أنه كان يدعو في مدينة تُسمى بانياس من مدن بلاد الشام.

    وبالرغم من عصيانهم، ظل اليسع على عهد النبوة، قائماً بأمر الله، حتى قبضه الله تعالى.

  • معجزات نبي الله اليسع عليه السلام

    1. إحياء الموتى وشفاء المرضى
    ذكر المفسرون والمؤرخون أن اليسع عليه السلام أكرمه الله بمعجزات تشبه ما جرى على يد أستاذه إلياس، منها إحياء الموتى بإذن الله، وشفاء المرضى. وهذه من أعظم الآيات التي تبين صدق نبوته.


    2. تفجير الطعام والشراب
    روى بعض أهل العلم أن الله جعل له بركة في الطعام، فكان يطعم الجمع الكثير بالقليل من الطعام، فلا ينقص. وهذا شبيه بما حصل مع عيسى بن مريم عليه السلام من إنزال المائدة.


    3. جريان الماء من الأرض
    ذُكر أنه كان إذا دعا الله أنبع لهم الماء في الأراضي القاحلة والجدباء، حتى ترتوي الماشية والزرع.


    4. استجابة دعائه السريعة
    كان من آياته أن دعاءه لا يكاد يرد، فإذا دعا على قومه أو لأتباعه استجيب له مباشرة.


    5. معجزاته مع بني إسرائيل
    بعض الروايات ذكرت أنه كان سبباً في أن يحفظ الله تابوت العهد عند بني إسرائيل، وأنه كان سبباً في النصر على الأعداء قبل أن يسلب منهم التابوت بسبب معاصيهم.

    ملاحظة مهمة

    هذه المعجزات لم تُذكر بتفصيل في القرآن الكريم، وإنما وردت في كتب مثل تفسير الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، وبعض روايات وهب بن منبه والإسرائيليات.

    القرآن الكريم اكتفى بذكر اسم اليسع والثناء عليه، فقال تعالى:
    ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: 48].
    وهذا أعظم تكريم، حتى لو لم تُذكر تفاصيل معجزاته.

  • اليسع وذو الكفل

    يروي بعض العلماء قصة لها صلة بنبي الله اليسع، وهي قصة استخلافه لرجل صالح عُرف فيما بعد بـ ذو الكفل.

    فلما كبر اليسع عليه السلام، أراد أن يستخلف رجلاً على الناس، فجمع بني إسرائيل وقال: "من يتكفل لي بثلاث أستخلفه: أن يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب". فقام رجل بدا في أعين الناس ضعيفاً متواضعاً، وقال: "أنا أتكفل". فرده اليسع أول مرة، ثم أعاد قوله في اليوم التالي، فقام الرجل نفسه وقال: "أنا". فقبله اليسع واستخلفه على الناس.

    وحاول إبليس وجنوده أن يوقعوه في الغضب، فلم يفلحوا، حتى جاءه إبليس في صورة شيخ فقير مظلوم، يشغله عن نومه وراحته، لكنه صبر ولم يغضب، فأثبت صدقه. فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به.

  • من كان بعد اليسع عليه السلام

    بعد وفاة اليسع، اضطرب أمر بني إسرائيل، وكثرت فيهم الأحداث والفتن، حتى بعث الله لهم أنبياء آخرين مثل أشموئيل الذي بعث في زمانه طالوت ملكاً عليهم ليستعيد لهم التابوت المقدس الذي كان قد سُلب منهم.

    ويذكر التاريخ أن الفترة التي أعقبت وفاة يوشع بن نون عليه السلام وحتى عهد أشموئيل، كانت مليئة بالتقلبات؛ فتارة يتولاهم أنبياء، وتارة يقودهم قضاة، وتارة يسلط الله عليهم أعداء يذلونهم بسبب معاصيهم.

  • مكانة نبي الله اليسع في القرآن

    لم يُفصّل القرآن الكريم قصة اليسع كما فصل قصص أنبياء آخرين، وإنما اكتفى بذكر اسمه مقروناً بالثناء، مما يدل على علو منزلته عند الله تعالى. قال ابن كثير: "إن الله سبحانه وتعالى ذكره مع الأنبياء الأخيار، وهذا أعظم تكريم له".

  • الدروس والعبر من قصة اليسع عليه السلام

    قصة اليسع وإن لم تُفصّل، إلا أنها تحمل دروساً عظيمة، منها:

    1.   الثبات على الحق: فقد واصل رسالة إلياس عليه السلام رغم معاندة قومه.

    2.   الصبر على البلاء: كان في بداياته مريضاً مبتلى، لكن صبره رفع درجته حتى اصطفاه الله نبياً.

    3.   العزيمة في الإصلاح: لم يهن ولم يتراجع أمام الملوك الجبابرة، بل ظل ينصحهم ويعظ قومه.

    4.   فضل الوفاء بالعهد: إذ ارتبطت سيرته بقصة ذو الكفل الذي نجح في الوفاء بما التزم به.

    5.   عاقبة العصيان: إعراض بني إسرائيل بعده جرّ عليهم تسلط الأعداء وسلب التابوت وهزائم متكررة.

  • خاتمة

    إن نبي الله اليسع عليه السلام أحد أنبياء بني إسرائيل الذين أكرمهم الله بالنبوة، فقام بالدعوة بعد نبي الله إلياس، ودعا قومه إلى التوحيد والاستقامة، لكنهم تمادوا في المعاصي والفساد. وقد ذكره الله في كتابه العزيز مقروناً بالثناء والفضل، مما يثبت مكانته العالية بين الأنبياء.

    فبرغم قلة ما ورد عنه في القرآن، إلا أن ما نُقل من أخباره يكفي ليكون مثالاً للصبر والثبات والدعوة إلى الله في أحلك الظروف. وهو تذكير لنا جميعاً أن طريق الحق يحتاج إلى صبر، وأن العاقبة للمتقين.