قصة العزير عليه السلام: عبرة البعث والإحياء
اكتشف القصة العجيبة للعزير عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم، وتعرّف على تفاصيل بعثه بعد مائة عام، ومعجزة الطعام الذي لم يتغيّر، والحمار الذي بُعث حيًا أمام عينيه. مقال مفصل يشرح من هو العزير وهل كان نبيًا، مع دروس إيمانية وأقوال العلماء.

جدول المحتويات
-
مقدمة
من هو العزير؟ هل هو نبي أم رجل صالح؟ ما قصته التي خلّدها القرآن الكريم، وكيف كانت دليلاً حياً على قدرة الله في إحياء الموتى؟ في هذا المقال نستعرض قصة العزير كما وردت في القرآن الكريم وتفاسير العلماء، ونتأمل في معانيها العميقة ودروسها الإيمانية، بأسلوب شيق يجمع بين الرواية والتحليل، ليكون مرجعًا غنيًا لمن يبحث عن الفائدة والمتعة.
-
من هو العزير عليه السلام؟
العزير عليه السلام هو رجل صالح من بني إسرائيل، اختلف العلماء في نبوّته، فمنهم من قال إنه نبي، كما جاء عن الطبري وابن كثير، ومنهم من قال إنه رجل مؤمن عالم في بني إسرائيل. ويُعرف عنه أنه كان حافظًا للتوراة وفقيهًا بها، حتى قال بعضهم إنه أعاد كتابة التوراة لبني إسرائيل بعد أن أضاعوها بسبب الغزو والدمار.
-
هل العزير نبي؟
لم يُذكر اسم العزير في مواضع النبوة في القرآن صراحة، لكن ذكره جاء في سياق يدل على مكانته، وقد رجح بعض العلماء نبوته كالبيهقي في "دلائل النبوة"، بينما رأى آخرون أنه ليس نبيًا بل عبدٌ صالح أحياه الله لآية عظيمة.
-
قصة العزير في القرآن الكريم
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُۥ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ ۖ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[البقرة: 259]هذه الآية الكريمة هي أساس قصة العزير، حيث مرّ على قرية قد تهدمت وبادت، فقال متعجبًا: "أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟"، لا شكًا في قدرة الله، بل تعجبًا واستفهامًا لطلب اليقين، فكانت الاستجابة من الله أن أماته مائة عام، ثم بعثه، ليرى بأم عينه دلائل الإحياء والبعث.
-
أين كانت القرية التي مرّ عليها العزير؟
قال المفسرون إنها قرية بيت المقدس، حين دخلها نبوخذ نصر فخربها وسبى أهلها، فمرّ العزير عليها بعد ذلك فوجدها خرابًا. ومن هنا بدأت القصة المذهلة التي أودعها الله عبرة في كتابه الكريم.
-
معجزة البعث: ماذا رأى العزير؟
بعد أن بعثه الله، سُئل: "كم لبثت؟"، فظن أنه لبث يومًا أو بعض يوم، لكنه في الحقيقة لبث مائة عام كاملة، ليجد طعامه لم يتغير، بينما عظام حماره قد بليت. فأراه الله مشهد إعادة خلق الحمار، حيث رأى كيف تُنشر العظام وتُكسى باللحم، أمام عينيه، ليوقن بقلبه ويزداد إيمانًا.
الطعام لم يتسنه
كلمة "لم يتسنه" أي لم يتغير أو يتعفن، وهي من أعظم دلائل قدرة الله، فبقاء الطعام والشراب على حاله مائة سنة، مع فساد كل ما حوله، يدل على تدبير الله العجيب.
الحمار والعظام
رؤية العزير لحماره يُبعث حياً أمامه كانت مشهداً عظيماً، يرسخ معنى البعث في النفوس، ويؤكد على أن الله يحيي الموتى كيف يشاء، وفي الوقت الذي يشاء.
-
العزير يعود إلى قومه
عندما عاد العزير إلى قومه، بعد أن بعثه الله، لم يعرفه أحد، فقد تغير الزمان والناس، وكان الناس قد نسوا التوراة، فبدأ يقرأها عليهم من حفظه، فتعجبوا كيف يحفظها رجل بعد أن ضاعت منهم! فتيقنوا أنه هو العزير، وقال بعضهم: "إن العزير ابن الله" – حاشا لله – فذُكر ذلك في القرآن الكريم:
"وقالت اليهود عزير ابن الله"
[سورة التوبة: 30]وهذا من الكفر الذي وقع فيه بعض اليهود، لما رأوا عودته المفاجئة ومعرفته العجيبة بالتوراة.
-
دروس مستفادة من قصة العزير
الإيمان بالبعث بعد الموت: قصة العزير تجسّد هذه العقيدة الإيمانية وتجعلها حية ملموسة.
- طلب اليقين لا ينافي الإيمان: كما طلب إبراهيم عليه السلام أن يرى كيفية إحياء الموتى، فالعزير أراد يقين العين.
- قدرة الله مطلقة: ما من شيء يُعجز الله، سواء كان حفظ الطعام مائة عام أو إعادة تركيب العظام.
- العبرة من الخراب: النظر في حال الأمم السابقة وتدبر مصيرها يزيد الإنسان إيمانًا وخشية.
- ضرورة حفظ الوحي: عندما ضاعت التوراة عاد بها العزير من حفظه، فدلّ ذلك على أهمية الحفظ والصيانة للكتب السماوية.
- طلب اليقين لا ينافي الإيمان: كما طلب إبراهيم عليه السلام أن يرى كيفية إحياء الموتى، فالعزير أراد يقين العين.
-
أقوال المفسرين في قصة العزير
- الطبري: قال إن العزير مرّ على بيت المقدس، وكان من الصالحين، وأماته الله مائة عام.
- القرطبي: ذكر أن استغراب العزير لم يكن شكًا، بل تعجبًا، وأن الله أراد أن يُريه آية.
- ابن كثير: فصّل في نقله للروايات الإسرائيلية التي تتحدث عن تفاصيل عودته، وكيف عرفه الناس من خلال الشامة في كتفه.
- الطبري: قال إن العزير مرّ على بيت المقدس، وكان من الصالحين، وأماته الله مائة عام.
-
هل كانت قصة العزير خاصة به فقط؟
نعم، فكما كانت معجزة إبراهيم عليه السلام في الطيور الأربعة، كانت معجزة العزير عليه السلام في بعثه بعد موته. وكلّها آيات تؤكد أن الموت ليس نهاية، بل بداية لحياة أخرى، وأن القيامة حق لا شك فيه.
-
خاتمة: العزير.. آية على مر العصور
تظل قصة العزير عليه السلام آية تتجدد مع كل من يقرأها، تذكرنا بأن الله وحده هو المحيي والمميت، وأن ما نراه من خراب أو يأس، قد يكون بداية لحياة جديدة. فلنحمل القصة بقلوبنا، لا كحكاية تاريخية، بل كرسالة إيمانية عميقة تفتح لنا آفاق التأمل في قدرة الله وعظمته.