قصة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها(أم عمارة)

سيرة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها، الصحابية المجاهدة التي شهدت بيعة العقبة وغزوة أحد واليمامة، وقدمت أبناءها في سبيل الله ونالت دعاء النبي ﷺ بمرافقته في الجنة.

قصة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها(أم عمارة)
نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها(أم عمارة)
  • مقدمة

    تتجاوز سيرة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها حدود السرد التاريخي لتتحول إلى نموذج رسالي متكامل، يجمع بين صدق الإيمان، ووضوح الهدف، والقدرة على تحمّل التكاليف مهما عظمت. فهي ليست صحابية حضرت الأحداث من بعيد، بل فاعلة في صناعة الموقف، حاضرة في اللحظات المفصلية، ثابتة حين اضطرب غيرها، حتى استحقت شهادة النبي ﷺ ودعاءه، ونالت مكانة رفيعة في الذاكرة الإسلامية.

  • نسبها وبيئتها الإيمانية

    هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف المازنية النجارية الأنصارية، من بني النجار، أخوال رسول الله ﷺ. نشأت في بيت عرف بالمروءة والشجاعة، ثم ازداد شرفه بالإسلام.

    • زوجها: زيد بن عاصم الأنصاري، صحابي جليل
    • أبناؤها:
      • حبيب بن زيد: رسول النبي ﷺ إلى مسيلمة الكذاب، استشهد صبرًا
      • عبد الله بن زيد: من كبار الصحابة، شهد المشاهد، وقتل مسيلمة يوم اليمامة
    • أسرتها: أسرة سبق وإيمان وتضحية

    وهذا المحيط الإيماني لم يكن ترفًا اجتماعيًا، بل كان حاضنة لصناعة رجال ونساء يحملون الرسالة بوعي ومسؤولية.

  • نسيبة وبيعة العقبة – الوعي المبكر بالرسالة

    كانت نسيبة رضي الله عنها من المرأتين الوحيدتين اللتين شهدتا بيعة العقبة الثانية، وهي من أعظم البيعات في تاريخ الدعوة، إذ تعهّد الأنصار فيها بنصرة النبي ﷺ والدفاع عنه.

    دلالات مشاركتها في البيعة:

    • سبق إيماني نادر بين النساء
    • إدراك عميق لمعنى الالتزام الديني
    • استعداد لتحمّل التبعات دون انتظار مكاسب دنيوية
    • وعي بأن البيعة ليست شعارًا، بل عقدًا ومسؤولية

    لم تُبايع على مال ولا جاه، بل بايعت على الجنة، وكأنها أدركت منذ اللحظة الأولى أن طريق الحق لا يُفصل عن التضحية.

  • الثبات في غزوة أحد – البطولة في ذروة الخطر

    في غزوة أحد، وحين اضطربت الصفوف بعد المخالفة المعروفة، ثبتت نسيبة رضي الله عنها مع القلة التي أحاطت برسول الله ﷺ.

    مظاهر بطولتها يوم أحد:

    • باشرت القتال دفاعًا عن النبي ﷺ
    • قاتلت بالسيف ورمت بالقوس
    • تلقت جراحًا متعددة حتى بلغ عددها اثني عشر جرحًا
    • أصيبت بجرح غائر في عاتقها

    وقال النبي ﷺ في حقها:

    «ما التفتُّ يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا أراها تقاتل دوني»

    وهذه شهادة نبوية عظيمة، تُظهر أن قيمة الإنسان في الإسلام بثباته ووفائه، لا بجنسه أو موقعه الاجتماعي.

  • الدعاء النبوي وبشارة الجنة

    الدعاء النبوي وبشارة الجنة
    دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لنسيبة المازنية

    بعد أحد، قالت نسيبة رضي الله عنها للنبي ﷺ:

    ادعُ الله أن نرافقك في الجنة

    فقال ﷺ:

    «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة»

    فكان ردها:

    ما أبالي ما أصابني بعد ذلك في الدنيا

    وهنا تتجلى قمة النضج الإيماني؛ إذ انتقل اهتمامها من تقلبات الدنيا إلى ضمان المصير الأخروي.

  • الصبر عند الفقد – استشهاد حبيب بن زيد

    أرسل النبي ﷺ ابنها حبيب بن زيد برسالة إلى مسيلمة الكذاب، فطالبه مسيلمة أن يشهد له بالنبوة، فكان جواب حبيب ثابتًا:

    • «أشهد أن محمدًا رسول الله»
    • «لا أسمع» حين سُئل عن مسيلمة

    فأمر مسيلمة بتقطيعه حتى استشهد.

    موقف نسيبة من استشهاد ابنها:

    • لم تجزع
    • لم تعترض على قدر الله
    • قالت:
      لمثل هذا أعددته، وعند الله احتسبته

    وكان صبرها ترجمة عملية للإيمان بالآخرة، وتصديقًا بوعد الله للصابرين.

  • استمرار الجهاد – من الحديبية إلى اليمامة

    لم تتوقف نسيبة رضي الله عنها عند مشهد أو اثنين، بل استمرت في البذل والعطاء.

    من أبرز المشاهد التي شهدتها:

    • بيعة الرضوان
    • الحديبية
    • حنين
    • اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

    وفي معركة اليمامة:

    • جُرحت اثنتي عشرة جراحة
    • قُطعت يدها
    • واصلت الثبات رغم الإصابة
    • شهدت مقتل مسيلمة الكذاب على يد ابنها عبد الله
    • سجدت لله شكرًا حين علمت بذلك

    وهنا يظهر أن جهادها لم يكن اندفاعًا عاطفيًا، بل التزامًا واعيًا استمر حتى آخر العمر.

  • مكانتها عند الخلفاء

    حظيت نسيبة رضي الله عنها بتقدير خاص من كبار الصحابة:

    • كان أبو بكر الصديق يسأل عنها ويزورها
    • وأكرمها عمر بن الخطاب، وفضّلها على غيرها في العطاء، وقال:

    «سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم أحد: ما التفت يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا أراها تقاتل دوني»

    وهذا يدل على أن مكانتها لم تكن لحظة عابرة، بل قيمة راسخة معترف بها.

  • الدروس المستفادة من سيرتها

    يمكن استخلاص جملة من الدروس التربوية والدعوية، منها:

    1.   أن المرأة المسلمة شريكة في حمل الرسالة

    2.   أن الثبات عند الشدائد هو معيار الصدق

    3.   أن التربية الإيمانية تصنع أجيالًا عظيمة

    4.   أن الجهاد مفهوم شامل، لا يقتصر على ساحة القتال

    5.   أن وضوح الهدف يخفف ثقل التضحيات

  • الخاتمة

    عاشت نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها حياة ممتلئة بالمعنى، وقدّمت نموذجًا خالدًا للمرأة المؤمنة الواعية بدورها، حتى توفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 13هـ.

    فرضوان الله عليها، وجعلنا من السائرين على درب الصادقين.

  • أهم المصادر والمراجع

    • سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي
    • الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر العسقلاني
    • أسد الغابة في معرفة الصحابة – ابن الأثير
    • الاستيعاب في معرفة الأصحاب – ابن عبد البر