الإشمام والروم بكلمة "تأمَّنَّا" في سورة يوسف
تعرف على كيفية قراءة حفص لكلمة "تأمَّنَّا" في سورة يوسف، مع شرح مفصل للإدغام الكبير، والروم، والإشمام، وبيان المعنى البلاغي والتجويدي لهذا الموضع الفريد في القرآن الكريم.

جدول المحتويات
- مقدمة
- أصل الكلمة (تأمنَّا) وتحليلها اللغوي
- التركيب الصوتي والإشكال التجويدي في الكلمة
- أوجه القراءة عند حفص
- التميّز الفني في هذه القراءة
- العلامات في المصحف
- اللمحة البلاغية والإيمانية في أداء الكلمة
- تأصيل التجويد: لماذا هذا الأداء؟
- خلاصة الوجهين
- أهم ما يُميز هذا الموضع في علم القراءات
- خاتمة
- مقالات ذات صلة
-
مقدمة
في علم التجويد والقراءات، لا توجد مفردة تُقرأ بهذا التميز الصوتي المركب كما في قوله تعالى:
{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}
[سورة يوسف: 11]كلمة "تأمَنَّا" – بحسب رواية حفص عن عاصم – تُعد حالة استثنائية، اجتمع فيها الإدغام الكبير، والإشمام، والروم، وكلها خصائص نادرة في الأداء القرآني، وبلغت أقصى مراتب البلاغة والاتساق بين المعنى والمبنى.
-
أصل الكلمة (تأمنَّا) وتحليلها اللغوي
حكم كلمة (تأمنَّا) كلمة "تأمَنَّا" مشتقة من الجذر (أ-م-ن)، وصياغتها الأصلية هي:
"تأمَنُنَا":- "تأمن": فعل مضارع من "أمِنَ"
- "نا": ضمير متصل في محل مفعول به أول، أي: "علينا"
بالتالي، الكلمة تعني:
"أتعطينا الأمان؟" أو: "أتأتمننا؟"والسياق في الآية: أبناء يعقوب يطلبون من أبيهم أن يأذن لهم بأخذ يوسف، ويبررون ذلك بأنهم أمناء عليه، رغم ما يضمرونه من نية سيئة.
- "تأمن": فعل مضارع من "أمِنَ"
-
التركيب الصوتي والإشكال التجويدي في الكلمة
الكلمة "تأمَنُنَا" عند نطقها، نجد فيها ثلاث نونات متوالية:
1. نون مضمومة (نُ) – أصل الكلمة
2. نون مفتوحة (نَ) – من الضمير
3. نون لفظية لاحقة – من الاتصال بالضمير
هذا التتابع يؤدي إلى ثقل في النطق وصعوبة في الأداء، وهو ما دعا علماء الأداء إلى تخفيفه عبر مسارين صوتيين، كلاهما واردان عن حفص:
-
أوجه القراءة عند حفص
الروم والإشمام في تأمنا ⃣ الإدغام الكامل مع الإشمام (الوجه الأول):
???? الإدغام الكبير:
- يتم تسكين النون الأولى المضمومة: (تأمَنُنَا) ← (تأمَنـْنَا)
- ثم إدغامها في النون الثانية المفتوحة: (تأمَنَّا)
- فيصبح الناتج: "تأمَنَّا"، مع إدغام كامل للنونين.
???? الإشمام:
- يُصاحب الإدغام إشارة بصرية إلى الضمة الأصلية التي كانت على النون الأولى قبل الإدغام.
- يتم ذلك من خلال ضم الشفتين بعد النطق بالنون المدغمة، دون صوت.
- وهذه الإشارة تُسمى: "الإشمام الشفوي".
???? ملاحظة:
هذا النوع من الإشمام لا يُفهم من المصحف، بل لا يُدرك إلا بالتلقي والمشافهة.2️⃣ الإخفاء والروم (الوجه الثاني):
???? الروم:
- الروم هو: النطق ببعض الحركة (ثلثها)، مع خفض الصوت.
- النون الأولى تُنطق بضمة مخففة جدًا (نُ)، ثم تليها النون المفتوحة.
???? الإخفاء أو الاختلاس:
- لا يتم الإدغام الكامل للنون الأولى في الثانية.
- بل تُنطق النونان، لكن بضمة خافتة على الأولى، وبفتحة على الثانية.
- يُسمى هذا الأسلوب بـ الاختلاس، وهو نادر جدًا في رواية حفص.
???? ملحوظة مهمة:
حفص لم يقرأ بالاختلاس إلا في كلمة واحدة فقط في القرآن كله، وهي: "تأمَنَّا". - يتم تسكين النون الأولى المضمومة: (تأمَنُنَا) ← (تأمَنـْنَا)
-
التميّز الفني في هذه القراءة
كلمة "تأمَنَّا" تتميز عن سائر الكلمات من عدة نواحٍ:
1. اجتماع الروم والإشمام في وسط الكلمة
- قاعدة التجويد العامة: الروم والإشمام لا يقعان إلا عند الوقف.
- لكن هنا، وقعت داخل الكلمة، مما جعلها الكلمة الوحيدة في القرآن التي اجتمع فيها هذا الأسلوب وسط الكلمة، لا في آخرها.
2. تتابع حروف ذات غنة وثقل في الأداء
- النون المضمومة → النون المفتوحة → نون الضمير: كلها حروف غنة.
- مما يستدعي تخفيفًا تجويديًا حتى يسهل النطق، دون الإخلال بالمعنى.
- قاعدة التجويد العامة: الروم والإشمام لا يقعان إلا عند الوقف.
-
العلامات في المصحف
لا تُرسم حركات الروم والإشمام في المصحف العثماني (رواية حفص) بشكل ظاهر، لكن يُعرف أداؤها من خلال التلقي.
- النون الأولى تُكتب خالية من التشكيل الظاهر.
- لا يُشار إلى الضمة إلا بإشارة في المصاحف التعليمية أحيانًا.
- لا توجد علامات خاصة تدل على الإشمام، لأنه بصري وليس صوتيًا.
- يضع العلماء دائرة مطموسة أو شكل المعين ليتنبه له القارئ أثناء التلاوة
???? لذلك: لا يمكن تعلم هذا الموضع إلا عبر الاستماع للقرّاء المتقنين أو التلقي المباشر من الشيوخ.
- النون الأولى تُكتب خالية من التشكيل الظاهر.
-
اللمحة البلاغية والإيمانية في أداء الكلمة
???? الإعجاز البلاغي:
تأمَّل في بلاغة الأداء:
- الروم: يدل على ضعف صوت الحركة
- الإشمام: يدل على الإشارة دون التصريح
وهذا يتناسب مع موقف أبناء يعقوب:
- يظهرون الأمانة: "وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ"
- ويضمرون الخيانة: "فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ"
فجاء الأداء الصوتي ملائمًا للنية الخفية والمكر الباطن.
"يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ"
[آل عمران: 167] - الروم: يدل على ضعف صوت الحركة
-
تأصيل التجويد: لماذا هذا الأداء؟
???? الإدغام الكبير في النونين:
- لأن الحرفين متماثلان ومتحركان، فكان الإدغام من باب التخفيف اللفظي.
???? الإشمام:
- للإشارة إلى أصل الضمة، حتى لا يُفقد المعنى الصوتي الأصلي.
???? الروم والاختلاس:
- للتخفيف عند تتابع الحركات الثقيلة، مع الإبقاء على صبغة المعنى.
- لأن الحرفين متماثلان ومتحركان، فكان الإدغام من باب التخفيف اللفظي.
-
خلاصة الوجهين
الوجه
تفاصيل الأداء
طبيعة الحركة
ملاحظات
الإدغام مع الإشمام
إدغام كامل مع ضم الشفتين دون صوت
بصري فقط
يتطلب مشافهة
الروم مع الاختلاس
نطق النونين، الأولى بضمة ضعيفة
صوتي خافت
لا يظهر في الرسم
-
أهم ما يُميز هذا الموضع في علم القراءات
1. الكلمة الوحيدة التي اجتمع فيها الروم والإشمام في وسطها.
2. حفص لم يختلس إلا في هذا الموضع فقط.
3. الإدغام الكبير ظاهر بوضوح بسبب التقاء نونين متماثلتين.
4. الأداء القرآني يعكس النية الخفية من قِبل القائلين.
-
خاتمة
كلمة "تأمَنَّا" ليست مجرد مفردة قرآنية تُتلى، بل هي نموذج صوتي فريد يجمع بين الأداء التجويدي العالي والبلاغة الدقيقة.
وما أبدعه القراء في أدائها ليس مجرد زخرفة صوتية، بل ترجمة حقيقية لما يدور في خفايا النفس البشرية، كما ظهر من خداع إخوة يوسف.وهكذا، تتجلى أعماق التعبير القرآني في الأداء قبل اللفظ، وفي الإشارة قبل التصريح، في كلمة لم ترد في مثلها قط، مما يجعلها علامة فارقة في علم التجويد والقراءات.