حكم صب الماء الحار في الحمام والبالوعات وعلاقته بأذية الجن
تعرف على حكم صب الماء الحار في الحمام والبالوعات في الإسلام، وهل يؤذي الجن؟ نعرض الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، مع بيان التحصينات النبوية لحماية المسلم من أذى الجن والشياطين.

-
مقدمة
من القضايا التي يكثر السؤال عنها في المجتمعات الإسلامية، مسألة إفراغ الماء الحار في الحمامات أو البالوعات، وما يُثار حولها من اعتقاد أن ذلك قد يُسبب أذى للإنسان بسبب إيذاء الجن الذين يُقال إنهم يسكنون هذه المواضع. هذه المسألة تجمع بين النصوص الشرعية والتجارب المروية عن السلف وأقوال أهل العلم، وبين ما ورد من التحصينات الشرعية التي تحمي المسلم من شر الجن وأذاهم.
فما حقيقة هذه المسألة؟ وهل ورد في الشرع نهي صريح عن صب الماء الحار في الخلاء؟ وكيف نفهم أقوال العلماء في هذا الباب؟
-
النصوص الشرعية المتعلقة بالموضوع
1- حضور الشياطين في مواضع النجاسة
ثبت في الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
"إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ"
رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.قال المناوي: "محتضرة: أي يحضرها الشيطان، لأنها محل الخبث وكشف العورة وعدم ذكر الله"، مما يدل على أن الحمامات والخلاء من المواضع التي يُكثر الجن التواجد فيها.
2- النهي عن البول في الجحور
روى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله ﷺ:
"نهى أن يبال في الجحر".
وقد علل العلماء ذلك بأنه قد يكون مأوى للجن أو الهوام، ومن ذلك ما رُوي عن مقتل سعد بن عبادة رضي الله عنه بعدما بال في جحر، فقالت الجن: "نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة...".
وهذا وإن لم يكن نصاً قاطعاً، إلا أنه دليل على احتمال تضرر الجن بأفعال البشر.
-
آراء العلماء في مسألة صب الماء الحار في الحمام والبالوعات
- المناوي والكشميري وغيرهما أشاروا إلى أن الجن قد يسكنون أماكن النجاسات والحمامات، وأن إيذاءهم قد يترتب عليه رد فعل منهم.
- أهل الرقية الشرعية يذكرون أن صب الماء الحار دون تسمية قد يسبب أذىً للجن إذا صادف وجودهم، فيؤذون الإنسي كرد فعل.
- الفقهاء يرون أن الأصل في المسلم اجتناب ما قد يُلحق الأذى بمخلوقات الله، سواء كانت من الإنس أو الجن أو الحيوان، عملاً بقول النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار".
- المناوي والكشميري وغيرهما أشاروا إلى أن الجن قد يسكنون أماكن النجاسات والحمامات، وأن إيذاءهم قد يترتب عليه رد فعل منهم.
-
هل ورد نهي شرعي صريح؟
لم يرد نص صريح في الكتاب أو السنة ينهى عن صب الماء الحار في الخلاء أو البالوعات. ولكن وردت أحاديث عامة تدل على:
1. أن هذه المواضع يحضرها الشياطين.
2. أن إيذاء أي مخلوق - حتى الجن - قد يترتب عليه رد أذى.
3. أن المسلم مأمور بالتحصن بالأذكار عند دخول الخلاء أو إلقاء شيء في مواضع يُظن وجود الجن فيها.
وعليه، فإن المسألة ليست تحريماً شرعياً قاطعاً، وإنما هي باب من أبواب الاحتياط.
-
التحصينات الشرعية للسلامة من أذى الجن
1- التسمية عند دخول الخلاء
قول: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"، وهو الذكر الثابت عن النبي ﷺ.
2- ذكر الله عند إلقاء الماء
استحب العلماء أن يُسمي المسلم قبل صب الماء الحار أو البارد في أماكن الخلاء، دفعاً لما قد يكون فيه من الجن.
3- الأذكار اليومية
قال ﷺ:
"قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء"
رواه الترمذي وصححه الألباني.كما قال:
"إن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله"
رواه أحمد وصححه الألباني.4- إغلاق أبواب البيوت بالليل مع ذكر اسم الله
قال النبي ﷺ:
"أجيفوا الأبواب واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح باباً أجيف وذُكر اسم الله عليه"
رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. -
التطبيق العملي للمسألة
- المسلم غير مطالب بترك استخدام الماء الحار في الغسالات أو المطابخ أو الحمامات، فهذه من ضروريات الحياة.
- الأفضل أن يُسمي المسلم قبل صب الماء، سواء في البالوعة أو في الحمام.
- لا حاجة لرفع الصوت عند التسمية، بل يكفي الذكر سراً.
- ليس صحيحاً أن إغلاق باب الحمام وحده يمنع الجن، بل لابد من الجمع بين الإغلاق وذكر اسم الله.
- المسلم غير مطالب بترك استخدام الماء الحار في الغسالات أو المطابخ أو الحمامات، فهذه من ضروريات الحياة.
-
خاتمة
يتبين مما سبق أن الشرع لم يرد فيه نص صريح بتحريم صب الماء الحار في الحمام أو البالوعات، وإنما جاءت التوجيهات العامة التي تحث على التحصن بالأذكار والابتعاد عن ما قد يؤذي مخلوقات الله. والأقوال المنقولة عن بعض العلماء وأهل الرقية تدخل في باب الاحتياط والوقاية لا في باب الحرام والممنوع.
وعليه: يجوز صب الماء الحار في الحمام أو البالوعة، لكن الأفضل أن يُسمي المسلم قبل ذلك، التزاماً بالتحصينات النبوية، ودرءاً لما قد يترتب على ذلك من أذى.
-
مقالات ذات صلة