حكم تبييت النية في صيام النوافل وصيام الست من شوال

تعرف على حكم تبييت النية في صيام النوافل وصيام الست من شوال، وهل يجوز نية الصوم بعد الفجر؟ توضيح شامل لآراء المذاهب الفقهية وأقوال العلماء كابن تيمية والنووي وابن قدامة، مع الأدلة من السنة النبوية، وبيان الراجح في المسألة.

حكم تبييت النية في صيام النوافل وصيام الست من شوال
حكم تبييت النية في صيام النوافل وصيام الست من شوال
  • مقدمة

    تُعد النية في الصيام من أهم الأركان التي يقوم عليها صحة الصوم؛ إذ لا يُقبل عملٌ إلا إذا كان مقرونًا بالنية الخالصة لله تعالى، مصداقًا لقوله ﷺ:

    «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»
    رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    وتبرز مسألة تبييت النية في الصيام كأحد المواضيع التي دار حولها الخلاف الفقهي، خصوصًا فيما يتعلق بصيام التطوع وصيام الأيام الست من شوال، إذ تساءل المسلمون: هل يشترط تبييت النية من الليل في صيام النفل كما يُشترط في الفرض، أم يجوز عقدها في النهار؟

    في هذا المقال نستعرض الآراء الفقهية المعتمدة وأدلتها من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، مع توضيح الحكم الراجح وآداب النية في الصيام.

  • معنى تبييت النية وأهميتها في الصيام

    تبييت النية يعني أن يعقد المسلم في قلبه نية الصوم قبل طلوع الفجر، أي في جزء من الليل.
    والنية في اللغة: القصد.
    وفي الاصطلاح: عزم القلب على فعل العبادة تقرّبًا إلى الله تعالى.

    والنية شرط أساسي في صحة الصيام كما هو الحال في سائر العبادات؛ لأن الصوم عبادة خفية لا يُدرَك ظاهرها إلا بنيةٍ داخليةٍ في القلب.

    قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

    "النية شرط في كل عبادة، لقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات)".

  • حكم تبييت النية في صيام الفرض

    اتفق العلماء على أن صيام الفرض لا يصح إلا بتبييت النية من الليل، سواء كان الصيام فرض رمضان، أو نذرًا، أو كفارةً، لأن جميع النهار يجب فيه الصوم، ولابد أن تتقدمه النية.

    قال النبي ﷺ:

    «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له»
    رواه أحمد وأصحاب السنن عن حفصة رضي الله عنها.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (25/120):

    "الفرض لا يجزئ إلا بتبييت النية كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر، لأن جميع الزمان فيه الصوم، والنية لا تنعطف على الماضي".

    إذن: من نوى الصوم بعد طلوع الفجر في الفرض، لم يصح صومه بالإجماع.

  • حكم تبييت النية في صيام النفل والست من شوال

    هنا وقع الخلاف بين الفقهاء على قولين مشهورين:

    القول الأول: جواز عقد النية في النهار (وهو قول الجمهور)

    ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن صوم النافلة لا يشترط فيه تبييت النية من الليل، بل يجوز أن ينوي الصيام من النهار ما دام لم يتناول شيئًا من المفطرات بعد الفجر.

    أدلة الجمهور:

    1.   حديث عائشة رضي الله عنها قالت:

    "دخل عليّ رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا. قال: فإني إذًا صائم"
    رواه مسلم.

    وفي رواية أخرى قالت:

    "ثم أُهدي لنا طعام فأكل، فقال: كنت صائمًا".

    يدل الحديث على أن النبي ﷺ نوى الصوم بعد الفجر، فكان ذلك دليلاً على جواز نية الصوم في النهار في النفل.

    2.   حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:

    أن النبي ﷺ بعث مناديًا يوم عاشوراء فقال:
    «من كان أكل فليتم، ومن لم يكن أكل فليصم»
    رواه البخاري.

    وهذا نصٌّ صريح على أن من لم يكن نوى الصيام ثم أمسك بقية اليوم، صح صومه.

    3.   القياس:
    كما أن صلاة النفل يجوز أن تُؤدى في أي وقت بغير تقييد، فكذلك الصيام النافلة أوسع من الفرض تيسيرًا من الله على عباده.

    أقوال العلماء في ذلك:

    • قال الإمام أبو البركات النسفي في كنز الدقائق (ص 219):

    "وصح صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار".

    • وقال الشيرازي الشافعي في المهذب (1/332):

    "وأما صوم التطوع فإنه يجوز بنية قبل الزوال".

    • وقال ابن قدامة في المغني (3/113):

    "صوم التطوع يجوز بنية من النهار، ما لم يأتِ بمفطر".

    وقال في الكافي (1/440):

    "وفي أي وقت نوى من النهار أجزأه، إذا لم يكن تناول مفطرًا".

    القول الثاني: اشتراط تبييت النية في الفرض والنفل معًا (قول المالكية والمُزَني من الشافعية)

    يرى المالكية والمُزَني من الشافعية أنه لا يصح صيام التطوع إلا بنية من الليل، قياسًا على الفرض، لأن الصوم عبادة زمنية يشترط لصحتها النية قبل دخول وقتها.

    أدلتهم:

    1.   استدلوا بحديث حفصة رضي الله عنها:

    «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»
    رواه أحمد وأصحاب السنن.

    قالوا: الحديث عام يشمل الفرض والنفل.

    2.   قال ابن عبد البر في الكافي (1/335):

    "فالفرض والتطوع لا يصح صومه إلا بنية مقدمة قبل طلوع الفجر".

    3.   وقال الدردير في الشرح الكبير (1/520):

    "صحة الصوم مطلقًا فرضًا أو نفلًا بنيّة مبيّتة من الليل من الغروب إلى الفجر".

    4.   وعللوا قولهم بأن النية عمل قلبي سابق، والعبادة لا تنعقد إلا بتقدمها على أول وقتها.

  • التوفيق بين القولين

    نقل شيخ الإسلام ابن تيمية أن أوسط الأقوال أن الفرض لا يصح إلا بتبييت النية، أما النفل فيجزئ بنية من النهار، لأن الله وسّع على عباده في التطوعات.
    قال رحمه الله:

    "كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان ما لا يجب في التطوع، فكذلك الصوم".

    وهذا القول هو الذي اختارته دار الإفتاء المصرية وأفتت به لجنة الفتوى بإسلام ويب، أنه يستحب تبييت النية في صيام النفل، لكن يصح انعقادها في النهار ما لم يسبقها مفطر

  • تطبيق الحكم على صيام الست من شوال

    صيام الأيام الست من شوال من صيام التطوع الذي يُثاب عليه المسلم ثوابًا عظيمًا، لقوله ﷺ:

    «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر»
    رواه مسلم.

    وبناءً على ما سبق، فإن حكم النية في صيامها كالآتي:

    • الأفضل والأكمل: تبييت النية من الليل اقتداءً بالسنة واحتياطًا للعبادة.
    • ويجوز تأخيرها إلى النهار إذا لم يكن قد أكل أو شرب أو فعل ما يفسد الصوم، فينعقد الصوم صحيحًا بنية النهار تقليدًا لقول الجمهور.

    قالت دار الإفتاء المصرية (فتوى رقم 8135 – 10 نوفمبر 2023):

    "ينبغي على مريد صوم النافلة تبييت النية من الليل، فإن أصبح من غير أن يبيت النية وأراد الصوم، فصومه صحيح حينئذ، تقليدًا لمن أجاز، بشرط ألا يكون قد أكل أو شرب".

    وهذا هو القول الذي يوازن بين النصوص، ويجمع بين الأدلة، ويراعي يسر الشريعة ورفع الحرج.

  • الفرق بين نية الفرض ونية التطوع

    نوع الصيام

    وقت النية

    حكم تأخيرها

    الدليل

    الفرض (رمضان، كفارة، نذر)

    قبل الفجر

    لا يصح تأخيرها

    حديث حفصة: «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»

    النافلة (كصيام الست من شوال، الاثنين والخميس، عاشوراء)

    قبل الفجر أو أثناء النهار

    يجوز تأخيرها إذا لم يُفطر

    حديث عائشة: «فإني إذًا صائم»

  • الخلاصة

    • تبييت النية واجب في صوم الفرض بإجماع العلماء.
    • أما صوم النفل، فيجوز عقد النية بعد الفجر، ما لم يتناول المفطرات، وهو مذهب الجمهور.
    • صيام الست من شوال من النوافل، فيصح بنية النهار، والأفضل تبييت النية من الليل.
    • النية في الصيام عبادة قلبية لا تحتاج إلى نطق، ويكفي قصد القلب.
    • الإخلاص في النية أساس قبول العمل ورفع الدرجات.