الدعاء عند دفع الصدقة: الأحكام والآثار الشرعية

هل هناك دعاء عند دفع الصدقة؟ تعرف على الأدعية المشروعة عند إخراج الزكاة والصدقات، حكم الدعاء قبل الصدقة وبعدها، وأقوال العلماء مع الأدلة الشرعية من القرآن والسنة.

الدعاء عند دفع الصدقة: الأحكام والآثار الشرعية
الدعاء عند دفع الصدقة
  • مقدمة

    الصدقة من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وهي باب من أبواب البر، ووسيلة لمغفرة الذنوب، وسبب في نزول الرحمات ورفع البلاء. وقد يتساءل المسلم: هل هناك دعاء مخصوص عند إخراج الصدقة؟ وهل يستحب أن يقول شيئًا بعينه عند دفعها للفقراء أو المستحقين؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها في هذا المقال التفصيلي، مع بيان أقوال العلماء، والأدلة الشرعية، وأفضل الأذكار التي يمكن أن يلهج بها اللسان عند إخراج الصدقة.

  • هل ورد دعاء مخصوص عند دفع الصدقة؟

    لم يرد في السنة النبوية دعاء خاص ثابت عن النبي ﷺ يُقال عند دفع الصدقة، إلا أن العلماء ذكروا بعض الأذكار المستحبة، ومن أهمها:

    • التسمية عند دفع الصدقة: ذكر الفقهاء أنه يُستحب للمتصدق أن يُسمي الله تعالى عند إعطاء صدقته، لأنها عبادة وقربة، والتسمية مطلوبة في سائر القرب.
    • الدعاء بالقبول: كأن يقول المسلم: اللهم تقبل مني هذه الصدقة، واغفر بها ذنبي، واجعلها خالصة لوجهك الكريم.
    • دعاء مروي عن بعض الصحابة: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
      «إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا» (رواه ابن ماجه).
  • الدعاء المشروع للمتصدق

    من الأدعية المشروعة عند دفع الزكاة أو الصدقة:

    1.   اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.

    2.   اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا.

    3.   اللهم اخلفني خيرًا مما أنفقت.

    4.   اللهم طهر بها مالي، وزكِّ بها نفسي، وبارك لي فيما رزقتني.

    وهذه الأدعية لا يشترط الالتزام بها حرفيًا، وإنما يجوز للمتصدق أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ما دام الدعاء مشروعًا وخاليًا من المحظورات.

  • هل يجوز الدعاء قبل إخراج الصدقة؟

    أحيانًا يرغب المسلم في أن يتصدق ثم يدعو الله بحاجته الخاصة، فهل يجوز أن يقدم الدعاء قبل الصدقة؟

    • الأصل: لم يثبت عن النبي ﷺ أنه دعا قبل الصدقة مباشرة.
    • الجواز: يجوز للمسلم أن يدعو الله قبل الصدقة، خاصة إذا كان دعاؤه متعلقًا بقبول عمله أو بتيسير أمر معين.
    • التوسل بالعمل الصالح: يمكن أن يتخذ المسلم الصدقة وسيلة للتوسل إلى الله، كما في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح عظيم، ففرج الله عنهم الكرب.

    وعليه: إذا تصدق المسلم ثم دعا بعدها، أو دعا قبلها، فلا حرج، بل قد يكون من باب التوسل المشروع بالأعمال الصالحة.

  • الدعاء المستمر قبل كل صدقة: حكمه

    ذكر العلماء أن التزام الدعاء قبل كل صدقة على نحو مستمر ليس مشروعًا؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم. وإنما المشروع أن يدعو المسلم أحيانًا، لا أن يجعل ذلك عادة لازمة.

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
    "
    أما أن يكون ذلك باستمرار مع كل مرة يتصدق بها ففيه نظر؛ لأنه لم يشرع لنا ذلك، ولا رغبنا به نبينا صلى الله عليه وسلم" (الشرح الممتع 6/270).

  • أدعية واردة عن الملائكة في شأن النفقة

    من فضل الله تعالى أن الدعاء للمتصدق ليس مقصورًا على نفسه فقط، بل إن الملائكة تدعو له كل يوم. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
    «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا».

    وهذا يدل على أن كل من أنفق ابتغاء وجه الله، فإن دعاء الملائكة يشمله، حتى وإن لم يدع هو بنفسه عند دفع الصدقة.

  • الصدقة قبل الدعاء: التوسل بالعمل الصالح

    من الفوائد التي ذكرها العلماء: أن المسلم إذا تصدق قبل دعائه في موقف خاص – مثل الاستسقاء أو طلب تفريج الكرب – فإن ذلك أدعى لقبول الدعاء.

    • جاء في كشاف القناع (1/368): "ويقدِّم بين يدي دعائه صدقة".
    • وذكر الفقهاء أن الصدقة قبل الاستسقاء مستحبة، لأن الصدقة جالبة للرحمة، والغيث من أعظم صور الرحمة.
  • وصايا عملية للمتصدق

    1.   الإخلاص: أن تكون الصدقة خالصة لوجه الله لا رياء فيها ولا سمعة.

    2.   اختيار المال الطيب: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 267].

    3.   الدعاء بالقبول: من أعظم ما يخشاه العبد أن يُرد عمله، لذا يشرع له أن يدعو الله بالقبول.

    4.   الدعاء بالخلف والبركة: لما في ذلك من موافقة ما ورد في السنة والقرآن: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: 39].

    5.   عدم انتظار دعاء من المتصدق عليه: لأن المتصدق ينبغي أن يبتغي وجه الله وحده، لا الشكر من الناس، فإن دعا له الفقير كان خيرًا، وإن لم يفعل فلا ينقص من أجره شيء.

  • خاتمة

    خلاصة القول:

    • لم يرد دعاء مخصوص عن النبي ﷺ عند دفع الصدقة، لكن يستحب للمسلم أن يسمي الله تعالى ويدعو بما شاء.
    • من أفضل الأدعية الواردة: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا، واللهم تقبل مني.
    • يجوز الدعاء قبل الصدقة أو بعدها، لكن لا يشرع الالتزام به دائمًا على وجه العادة.
    • من رحمة الله أن الملائكة تدعو كل يوم للمنفق بالخلف والبركة.

    فالصدقة باب واسع من الخير، ويكفي المسلم أن يخرجها ابتغاء وجه الله، مستحضرًا نية الإخلاص، راجيًا القبول، وموقنًا بوعد الله بالخلف، قال تعالى:
    ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245].