العدل بين الزوجات في الإسلام
يقدم المقال ضوابط العدل بين الزوجات في التعدد، مستندًا إلى الكتاب والسنة وإجماع العلماء ورأي الأطباء الاجتماعيين، مع تفصيل جوانب القسم والمبيت والسفر والنفقة والمسكن والمعاملة، والإجابة على أهم التساؤلات

-
مقدمة
شرع الله تعالى التعدد في الزواج لحِكم عظيمة، وجعل العدل بين الزوجات شرطًا لاستمرار هذا النظام العادل، قال تعالى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" [النساء: 3]. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميل أو الظلم في حق إحداهن يورث الإثم والعقاب في الآخرة، فقال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل".
-
الجوانب التي يجب فيها العدل بين الزوجات
1. العدل في القسم (المبيت)
- القسم الشرعي:
يتعين على الزوج أن يبيت في كل ليلة عند كل زوجة بالتساوي. - الرؤية الفقهية الحديثة:
في المادة العلمية أوضح الدكتور أحمد ريان أن بعض الفقهاء تشددوا في زمانهم على أن ينهي الزوج دوام النهار قبل غروب الشمس ليتفرغ للقسم بموعد محدد يوميًا، لكن هذا لم يعد ممكنًا في عصرنا لارتباط الرجل بظروف العمل وطلب العلم والسفر. - الرأي المعاصر الميسر:
يكفي أن يمكث الزوج مع زوجته صاحبة النوبة أكثر الليل، دون تحديد وقت دخول صارم، مع عدم تعمد الإضرار بها بتأخير الدخول أو البقاء خارج المنزل. - المرجع الفقهي:
نقول: “العبرة أكثر الليل”، إذ المقصود هو الأنس والاستمتاع، وهذا يتحقق بالبقاء بالمبيت.
2. العدل في السفر مع الزوجات
· القاعدة الشرعية:
عن النبي ﷺ:«إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ اسْمُهَا سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا»
[البخاري، مسلم]· المحظور:
- لا يجوز تكرار السفر بواحدة دون إجراء قرعة، لأن ذلك ميل ظاهِر وحرمان للغير.
· المرونة المعاصرة:
إذا رضين الزوجات بعدم القرعة أو تنازلن، فلا حرج، ولكن الأفضل ضمان العدل بالقرعة.· ما نُسأل عنه كثيرًا:
- هل يسقط حق الزوجة في السفر؟
نعم، إذا امتنعت ناشزَة عن السفر مع زوجها دون مبرر شرعي (مثل شرطت عليه في العقد ألا يخرجها من بلدها أو لم يُوفَ مهرها)، فعندها يسقط حقها في القسم والسفر. - نصوص الفقهاء في النشوز:
- ابن قدامة: “وإذا امتنعت من السفر معه أو المبيت عنده… سقط حقها من القسم” (المقنع).
- السرخسي: “إذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه… فلا نفقة لها لأنها ناشزة” (المبسوط).
3. العدل في النفقة
- القاعدة:
يجب التسوية في الطعام والكسوة والمسكن والدواء والمصروف اليومي. - تفصيل مهم:
يجوز التفريق بحسب حاجة الزوجة (كأن تكون مريضة أو ترعى أولاداً صغارًا)، شريطة ألا يضر ذلك بالأُخرى.
4. العدل في المسكن
- المسكن المستقل:
لكل زوجة مسكن خاص يراعي الخصوصية والراحة. - تحاشي الإسكان المشترك:
بخلاف الإضرار بالغيرة والصراع.
5. العدل في المعاملة والاحترام
- حسن الخلق:
يشمل اللين في الكلام والابتعاد عن الشتم والمديح المفرط أمام الأخريات. - المشاركة:
كما كان ﷺ يساعد زوجاته في المنزل ويشاركهن المأكل والمشرب.
- القسم الشرعي:
-
الأمور التي لا يجب فيها العدل بين الزوجات (لعدم القدرة)
1. الميل القلبي:
لا يُكلّف الزوج بالعدل في الحب، إذ أنه خارج عن إرادته، وكان رسول الله ﷺ يستعيذ من لوم الله فيه:«اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك.»
2. المعاشرة الخاصة (عدد المرات):
يستحبُّ التوازن، لكن لا حرج في التقصير أحيانًا حسب الحالة الصحية أو النفسية. -
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته
كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا فريدًا في حسن التعامل والعدل بين زوجاته:
- كان يقرع بينهن عند السفر.
- يوزع الأيام بدقة، ويلبي احتياجاتهن النفسية والعاطفية.
- لم يكن يضرب واحدة منهن، بل كان صبورًا حتى مع غيرتهن.
- ساعد زوجاته في شؤون البيت، وشاركهن الطعام والمشرب، وكان يقول عن السيدة خديجة: "إني رزقت حبها".
- كان يقرع بينهن عند السفر.
-
متى يسقط حق الزوجة في العدل؟
إذا نشزت الزوجة (أي خرجت عن طاعة زوجها) سقط حقها في القسم.
من صور النشوز:
رفض الانتقال مع الزوج إلى بلد آمن دون شرط مسبق.
الامتناع عن المبيت أو الاستمتاع دون سبب شرعي.
إذا أسقطت الزوجة حقها في القسم أو وهبته لضرّتها برضاها، فلا حرج على الزوج.
-
أسئلة شائعة حول العدل بين الزوجات
هل يجب استئذان الزوجة قبل الذهاب لبيت الأخرى؟
لا يُشترط الاستئذان، لكن يستحب إعلامها للطمأنينة.
هل يجوز الزيادة في النفقة لواحدة بسبب أولادها؟
نعم، إن كان ذلك لضرورة وحسب الحاجة، دون قصد التفضيل.
هل يجوز الجمع بين الزوجات في جلسة واحدة؟
يجوز إن رضين بذلك ولم يكن فيه إثارة للغيرة أو الخصام.
هل يجوز السفر بواحدة دون قرعة؟
القرعة مستحبة، فإن رضين بغيرها جاز.
-
خاتمة
العدل بين الزوجات فريضة عظيمة حفظها الله في الكتاب والسنة، وبيَّن النبي ﷺ طرق تطبيقها بمرونة وحكمة تناسب كل زمان ومكان. فالالتزام بالعدل جُنّة تحفظ استقرار الأسرة وترضي الخالق والجيران.
على كل زوج أن يتعلم ضوابط العدل ويجعل منها منارًا في حياته الزوجية، مستلهمًا سيرة النبي ﷺ وقدوته في الرحمة والمساواة.