حكم غياب الزوج عن زوجته بداعي السفر في الإسلام

تعرف على حكم غياب الزوج عن زوجته في الإسلام، المدة المسموح بها شرعًا، وأقوال الصحابة والفقهاء، ورأي العلماء المعاصرين، مع توضيح الأبعاد الاجتماعية والنفسية وبيان الضوابط الشرعية لحماية الأسرة من الفتن.

حكم غياب الزوج عن زوجته بداعي السفر في الإسلام
حكم غياب الزوج عن زوجته في الإسلام
  • مقدمة

    يُعَدّ موضوع غياب الزوج عن زوجته من المسائل المهمة التي تناولها الفقهاء قديمًا وحديثًا، لما له من أثر مباشر على استقرار الأسرة وحفظ الكيان الزوجي. فقد حدد الإسلام حقوق كل طرف، وجعل للزوجة حقها المشروع في المعاشرة بالمعروف وعدم الإضرار بها بطول الغياب. ومع تطور الأزمنة واختلاف الظروف، تعددت اجتهادات العلماء في تحديد المدة التي يجوز للزوج أن يغيبها عن زوجته، وما يترتب على ذلك من أحكام.

    في هذه المقالة سنعرض الحكم الشرعي لغياب الزوج، ونذكر أقوال أهل العلم، ونبين الأبعاد الاجتماعية والنفسية المرتبطة بهذه المسألة، مع ربطها بواقعنا المعاصر.

  • الأصل الشرعي في المسألة

    الأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على المعاشرة بالمعروف كما قال تعالى:

    ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]

    والمعروف يشمل المعاشرة الجسدية والعاطفية والنفسية، ولا يتحقق ذلك مع طول الغياب إلا بقدر الحاجة والضرورة.

    كما أن القرآن الكريم أشار إلى حكم مشابه في مسألة الإيلاء، حيث قال الله تعالى:

    ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَآؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: 226]

    فقد فهم بعض الفقهاء أن هذه المدة (أربعة أشهر) يمكن أن تكون مقياسًا لأقصى ما تحتمله الزوجة من غياب زوجها.

  • أقوال الصحابة والفقهاء

    1. اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

    ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل ابنته حفصة أم المؤمنين: «كم تصبر المرأة عن زوجها؟» فقالت: "خمسة أشهر أو ستة أشهر"، فجعل عمر للمجاهدين في الغزو حدًا لا يتجاوز ستة أشهر (شهر ذهاب، أربعة أشهر إقامة، شهر إياب).

    وهذا الاجتهاد يدل على أن عمر رضي الله عنه راعى الطبيعة البشرية للمرأة وحاجتها إلى زوجها، فجعلها ضابطًا عامًا للمسألة.

    2. رأي الإمام أحمد بن حنبل

    قال الإمام أحمد رحمه الله: "يروى أن للرجل أن يغيب عن أهله ستة أشهر". وهذا ما رجحه ابن قدامة في المغني.

    3. رأي فقهاء الحنابلة

    ذكر صاحب كشاف القناع: "إن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر فطلبت زوجته قدومه، لزمه ذلك". مما يوضح أن حق الزوجة محفوظ، وأنها تستطيع المطالبة بعودته إذا طال الغياب بلا عذر.

    4. اجتهادات أخرى

    • بعض الفقهاء ربطوا المسألة بالإيلاء فجعلوا الحد أربعة أشهر.
    • آخرون تركوا المسألة لاجتهاد القاضي وفق حال الزوجين.
  • اجتهاد العلماء المعاصرين

    الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

    أفتى الشيخ ابن عثيمين أن غياب الزوج إذا كان برضا الزوجة وفي مكان آمن فلا حرج فيه ولو طال سنوات، أما إذا طلبت قدومه فللقاضي أن يلزمه بالعودة أو يفسخ النكاح إذا دعت الحاجة.

    الشيخ عطية صقر رحمه الله

    قال إن تقدير المدة يختلف باختلاف الأعراف والأزمان، فزمن عمر رضي الله عنه ليس كزماننا، حيث كثرت الفتن وضعفت عوامل الصبر. وأكد أن على الزوج أن يوازن بين الكسب المادي وحفظ العرض والشرف.

    فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله

    أكد ابن باز أن الزواج لا ينفسخ بمجرد الغياب الطويل إلا إذا فسخه الحاكم الشرعي بناءً على شكوى الزوجة، وأن الأفضل للزوج أن يجتهد في تقصير الغيبة وزيارة زوجته من حين لآخر.

  • الاعتبارات الاجتماعية والنفسية

    1.   اختلاف قدرة النساء على الصبر: فالشابة تختلف عن الكبيرة، والمتدينة تختلف عن غيرها، ومن تعيش مع أهلها ليست كمن تعيش وحدها.

    2.   خطورة الفتن في العصر الحديث: مع انفتاح وسائل التواصل وسهولة العلاقات المحرمة، أصبح طول الغياب سببًا مباشرًا في وقوع الفتنة.

    3.   أثر الغياب على الأبناء: فغياب الزوج الطويل لا يؤثر فقط على الزوجة، بل يضعف دور الأبوة ويؤثر على التربية.

    4.   التوازن بين المادة والمعنويات: المال لا يعوض الحاجة العاطفية والنفسية، ولا يساوي حفظ الأسرة وصيانتها.

  • الموقف الفقهي في العصر الحديث

    • بعض الأنظمة القضائية حددت المدة القصوى لغياب الزوج بسنة واحدة، وبعدها يحق للزوجة طلب الطلاق دفعًا للضرر.
    • الاتجاه الأرجح فقهيًا أن الأمر يختلف حسب اتفاق الزوجين: فإذا رضيت الزوجة فلا حرج، وإذا اعترضت كان لها رفع الأمر إلى القضاء.
  • رأي فريق موقع مؤمنة: جعل السفر للعمل آخر الحلول الممكنة

    في ظل الزمن الفاسد وكثرة الفتن المعاصرة التي تهدد الزوج والزوجة على حد سواء، نرى أن الأصل هو حرص الزوج على البقاء بجوار أسرته، وأن يجعل السفر للعمل آخر خيار يلجأ إليه، لا سيما مع تعدد وسائل الكسب عن بُعد وتوفر البدائل الاقتصادية. فحفظ الأسرة وصيانة العرض مقدمان على كل مكسب مادي.

  • خاتمة

    يتبين مما سبق أن الإسلام لم يجعل مدة الغياب محددة بنص قطعي، بل تركها للاجتهاد وفق الزمان والمكان والأحوال. فما كان مناسبًا في زمن الصحابة قد لا يكون مناسبًا اليوم، حيث تغيرت طبيعة الحياة وضعفت قدرة الصبر على الغياب الطويل.

    وعليه، فإن الموقف الشرعي الأقرب هو:

    • إذا غاب الزوج برضا زوجته ولم تخش الفتنة فلا حرج.
    • إذا طال الغياب واشتكت الزوجة، فللقاضي أن يلزمه بالعودة أو يفسخ النكاح.
    • من المستحب أن يحرص الزوج على زيارة زوجته وعدم الإطالة، أو أن يصطحبها معه إن تيسر.

    فالزواج ميثاق غليظ، وأعظم ما فيه المودة والرحمة، ولا يتحقق ذلك إلا بالقرب والمشاركة، لا بالغياب الطويل.