حكم النقاب في الإسلام بين الوجوب والاستحباب
تعرف في هذا المقال على حكم النقاب في الإسلام مع الأدلة من القرآن والسنة وأقوال المذاهب الأربعة، وفتاوى العلماء المعاصرين، وبيان القول الراجح في وجوب تغطية الوجه.
 
                                    - 
                                مقدمةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 
 يُعدّ النقاب من المسائل الشرعية التي كثر فيها الكلام وتنوعت فيها الفتاوى بين الوجوب والاستحباب، لا سيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم بين الحجاب الشرعي الكامل وبين ما هو من الزينة المباحة. وتكمن أهمية دراسة حكم النقاب في الوقوف على أقوال العلماء من المذاهب الأربعة، واستقراء الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، وصولًا إلى القول الراجح المبني على الدليل الصحيح والفهم السليم لمقاصد الشريعة.
- 
                                معنى النقاب وحقيقته الشرعيةالنقاب في اللغة مأخوذ من «النَّقْب»، وهو الفتحة الصغيرة، وسُمِّي النقاب بذلك لأن فيه نقبًا للعينين. 
 وفي الاصطلاح: هو ما تستر به المرأة وجهها، بحيث لا يظهر منه إلا العينان أو شيء منهما للرؤية.
 ويدخل النقاب ضمن مفهوم «الحجاب الشرعي» الذي أمر الله به نساء المؤمنين صيانةً لهن من الأذى والفتنة.
- 
                                أقوال الفقهاء في حكم النقاب1. القول بوجوب تغطية الوجه والكفين:وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، والمشهور من مذهب الشافعي، واختاره جماعة من أئمة السلف والخلف، ومنهم ابن تيمية وابن القيم والنووي وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله. 
 واستدلوا على الوجوب بأدلة من القرآن والسنة، وبالاعتبار العقلي والقياس على سائر أحكام العفة والحياء.ومن أبرز أدلتهم: - قوله تعالى:
 {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} 
 [الأحزاب: 59].
 فسّر المفسرون “يدنين” أي يُلقين الجلباب على وجوههن ليُعرفن بالعفة فلا يؤذين، كما قال ابن عباس ومجاهد والقرطبي وغيرهم.- قوله تعالى:
 {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} 
 [الأحزاب: 53].
 قال العلماء: إن الطهارة ليست مقصورة على أمهات المؤمنين، بل هي مطلوبة لجميع النساء، ومن باب أولى سائر نساء المؤمنين.- قوله تعالى:
 {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} 
 [النور: 31].
 قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري:
 “لما أنزلت هذه الآية أخذ نساء الأنصار أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها”.
 قال الحافظ ابن حجر: أي غطين وجوههن.- قوله تعالى:
 {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} 
 [النور: 60].
 قال المفسرون: دلّ استثناء العجائز بعدم التبرج على أن الشابات مأمورات بالستر الكامل، لأن الوجه هو موضع الزينة.- حديث النبي ﷺ:
 «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» 
 رواه الترمذي (1173).
 وفيه دلالة صريحة على أن بدن المرأة كله عورة بالنسبة للنظر، والوجه أشد مواضع الفتنة.- حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
 «لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين» 
 رواه البخاري (1838).
 قال الإمام أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي:
 “ستر الوجه بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها تُرخي خمارها على وجهها غير لاصق به”.2. القول بعدم وجوب النقاب واستحبابه:وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وبعض روايات الشافعية. 
 قالوا إن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة في الصلاة ولا في النظر، لكن يجب سترهما إذا وُجدت الفتنة أو خشيت الشهوة.
 واستدلوا بقول الله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 
 [النور: 31].
 ورجّحوا أن المراد بـ«ما ظهر منها» هو الوجه والكفان، كما قال ابن عباس وأنس رضي الله عنهما، لأن الحاجة تدعو إلى كشفهما في البيع والشراء والمعاملة.غير أنهم اتفقوا جميعًا على وجوب الستر الكامل إذا خيفت الفتنة أو فسد الزمان، وهذا ما نص عليه فقهاء الحنفية والمالكية، فقالوا: “يجب على المرأة ستر وجهها عند خشية الفتنة بها أو عليها، أو في زمنٍ فسد فيه الناس”. 
- قوله تعالى:
- 
                                الفتنة معيار الوجوب عند الجمهوراتفق الفقهاء – رغم اختلاف مذاهبهم – على أن العلة في وجوب ستر الوجه هي وجود الفتنة أو خشيتها، سواء كانت المرأة جميلة تُفتن بها الأنظار، أو كان المجتمع مليئًا بالفساد وضعف الغيرة. 
 وعليه فإن جمهور العلماء يرون أن الستر واجب عند فساد الزمان وكثرة الفساق، وهو واقع حالٍ في أكثر البيئات اليوم.
- 
                                الأدلة من السنة النبوية والسيرة العملية- ثبت عن عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري أنها قالت:
 “كنا إذا مر بنا الركبان ونحن مع رسول الله ﷺ في الحج سدلت إحدانا جلبابها من على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.” 
 وهذا دليل عملي على أن النقاب كان سلوك نساء الصحابة بعد نزول آية الحجاب.- وروت فاطمة بنت المنذر قالت:
 “كنا نُخَمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق.” 
 رواه مالك في الموطأ، مما يدل على أن النقاب عادة ملازمة لنساء الصحابة حتى في النسك، وإنما نُهي عن لبس النقاب المخيط لا عن ستر الوجه ذاته.
- ثبت عن عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري أنها قالت:
- 
                                فتاوى العلماء المعاصرين في حكم النقابأفتى سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله – بأن النقاب فرض واجب على النساء، مستدلًا بالآيات والأحاديث السابقة، وقال: “الحجاب أطهر لقلوب الرجال وقلوب النساء، وأعظم ما في المرأة من الزينة وجهها، فالواجب ستره حتى لا تُفتن ولا تفتن.” وكذلك قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –: “ستر الوجه واجب على المرأة إذا كانت في مجتمع فيه رجال أجانب، لأن الوجه هو أصل الجمال ومحل النظر.” بينما يرى الشيخ الألباني – رحمه الله – في كتابه جلباب المرأة المسلمة أن الوجه والكفين ليسا بعورة، لكنه أكد أن تغطيتهما أفضل وأكمل في الحياء والدين، ولا يجوز كشفهما إذا ترتب على ذلك فتنة. 
- 
                                منهج المسلم في التعامل مع الخلافالخلاف في حكم النقاب خلاف معتبر بين أهل العلم، مبني على اجتهاد في فهم النصوص، ولا يجوز التنازع فيه أو الإنكار على المخالف ما دام متبعًا لدليل معتبر أو قول إمام موثوق. 
 لكن القاعدة الأصولية التي نص عليها العلماء تقول:“الخروج من الخلاف مستحب”، 
 أي أن الاحتياط في الدين أولى، وستر الوجه أدعى للعفة والسلامة.كما قررت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن العامي ليس من شأنه الترجيح بين الأقوال، وإنما عليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه، فإن أفتاه بوجوب الستر عمل به، وإن أفتاه بالاستحباب فله أن يأخذ بالأكمل خروجًا من الخلاف. 
- 
                                الخلاصة والترجيحبعد النظر في الأدلة والمقاصد الشرعية، يتبين أن القول بوجوب النقاب هو الأرجح والأحوط، خاصة في زمن كثرت فيه الفتن وفسدت فيه الذمم، لأن: 1. النصوص القرآنية تدل على وجوب الستر العام. 2. السنة النبوية تؤكد على عفة المرأة وصيانتها من النظر. 3. اتفاق المذاهب الأربعة على وجوب الستر عند الفتنة، والواقع اليوم لا يخلو من الفتنة. وعليه فإن النقاب فريضة في حق المرأة المسلمة في هذا العصر، وهو شعار الحياء والعفاف، ومن ارتدته رغبة في مرضاة الله نالت أجر الطائعين والمحسنين. 
- 
                                الخاتمةإن النقاب ليس مجرد قطعة قماش تُغطي الوجه، بل هو مبدأ ديني وحصن أخلاقي يحمي المرأة من أعين المتربصين، ويرفع من مكانتها في ميزان التقوى. والمرأة التي تتقرب إلى الله بالستر والحشمة تسير على نهج أمهات المؤمنين وسلف الأمة الصالحين. 
 قال تعالى:{وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} 
 [الحج: 32].
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                                                                                                             
                                                                                                                                             
                                                                                                                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                            