حكم من فاتته صلاة الجمعة وكيف يصليها
تعرف على حكم من فاتته صلاة الجمعة: هل يقضيها ظهراً أم جمعة؟ مع بيان أقوال العلماء والراجح منها، وأحكام المسبوق يوم الجمعة، والتنبيه على الأعذار الشرعية لتركها. دليل فقهي شامل مدعم بالأدلة الشرعية."

-
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تعد صلاة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وقد اختصها الله تعالى بفضائل عظيمة وأحكام خاصة، حتى جعلها فريضة واجبة على كل مسلم مستوطن قادر يسمع النداء، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
{الجمعة: 9}.وقد أجمع العلماء على فرضيتها، وأن تركها من غير عذر كبيرة من الكبائر، كما في حديث النبي ﷺ:
"لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" (رواه مسلم).لكن السؤال الذي يكثر طرحه: ماذا يفعل المسلم إذا فاتته صلاة الجمعة؟ وهل يقضيها جمعة أم ظهراً؟
-
حكم من فاتته الخطبة أو بعض الصلاة
إذا أدرك المسلم الخطبة أو جزءًا منها، فعليه أن ينصت لما بقي منها ويصلي مع الإمام ما أدرك من الصلاة. أما إذا فاتته الخطبة كلها ولكنه أدرك الصلاة، فالحكم يختلف بحسب ما يدرك مع الإمام:
· من أدرك ركعة كاملة مع الإمام: فإنه يكون قد أدرك الجمعة، لقول النبي ﷺ:
"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (متفق عليه).
· من أدرك الركعة الثانية فقط: يصليها مع الإمام، ثم إذا سلّم الإمام يقوم ليأتي بركعة أخرى، وتكون صلاته جمعة صحيحة.
· من أدرك الإمام بعد الرفع من ركوع الركعة الثانية: لم يدرك الجمعة، وعليه أن يصليها ظهراً أربع ركعات، وهذا هو قول الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء.
-
أقوال الفقهاء في المسألة
اختلف العلماء في الحدّ الذي تدرك به صلاة الجمعة:
· القول الأول (الجمهور): أن من أدرك ركعة كاملة مع الإمام فقد أدرك الجمعة، وإلا صلاها ظهراً. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وكثير من الصحابة، منهم: ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب.
· القول الثاني (الحنفية): أن الجمعة تُدرك بإدراك التشهد قبل سلام الإمام، فمن أدرك الإمام ولو في آخر الصلاة فإنه يتمها ركعتين وتصح له جمعة.
· القول الثالث (بعض التابعين كعطاء ومجاهد وطاووس): أن من فاتته الخطبة صلى ظهراً أربع ركعات، حتى لو أدرك الصلاة مع الإمام، لكن هذا القول مرجوح أمام قوة الأدلة الواضحة.
والراجح من أقوال أهل العلم هو قول الجمهور، استناداً إلى الحديث الصحيح:
"من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى" (رواه ابن ماجه وصححه الحاكم). -
حكم من فاتته الجمعة كلها
إذا لم يدرك المسلم صلاة الجمعة مع المسلمين، لعذر شرعي كالمرض أو السفر أو الإكراه أو غير ذلك، فإنه يصليها ظهراً أربع ركعات، وهذا بإجماع أهل العلم. وكذلك المرأة وسكان البادية والمسافر، فإن فرضهم في هذا اليوم هو صلاة الظهر، لا الجمعة.
أما من ترك الجمعة عمداً وتهاوناً من غير عذر، فقد ارتكب إثماً عظيماً، ويجب عليه التوبة النصوح، ولا يجزئه أن يصليها جمعة بعد فواتها، بل يصلي ظهراً ويستغفر الله.
-
مسائل تتعلق بالمسبوق يوم الجمعة
· إذا دخل المسبوق والإمام يخطب، فإنه يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد، ثم يجلس للخطبة، لقول النبي ﷺ:
"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" (رواه مسلم).· من دخل والإمام قد رفع من الركوع الثاني، فاته إدراك الجمعة، ويصليها ظهراً أربع ركعات.
· من دخل المسجد ولم يجد جماعة يصلون الجمعة، كأن يكون قد فاتتهم الصلاة، فإنه لا يقيم جمعة بنفسه إذا كانوا أقل من العدد المشترط، بل يصلون ظهراً.
-
تنبيهات مهمة
1. صلاة الجمعة لا تُقضى بعد خروج وقتها، وإنما تُبدل بصلاة الظهر.
2. المحافظة على التبكير إلى الجمعة من السنن المؤكدة، فقد قال ﷺ:
"من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" (رواه أحمد وأبو داود).3. لا تسقط الجمعة إلا بعذر معتبر شرعاً، أما الأعذار الدنيوية كالكَسَل والانشغال بالتجارة أو الدراسة فلا تبيح تركها.
-
الخلاصة
- من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجمعة.
- من لم يدرك ركعة كاملة يصليها ظهراً أربع ركعات.
- من فاتته الجمعة كلها يصلي ظهراً، سواء بعذر أو بغير عذر، لكن من تركها بلا عذر فهو آثم وعليه التوبة.
- لا تُقضى الجمعة بعد وقتها وإنما تُبدل بصلاة الظهر.
- من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجمعة.