حكم الريح الخارجة من القُبُل: دراسة فقهية تفصيلية

اكتشف الحكم الفقهي لخروج الريح من القُبُل، وهل ينقض الوضوء؟ تعرّف على أقوال المذاهب الأربعة، مع الأدلة الشرعية والتفصيل الفقهي الدقيق وفق فتاوى العلماء.

حكم الريح الخارجة من القُبُل: دراسة فقهية تفصيلية
حكم الريح الخارجة من القبل
  • مقدمة

    تُعد نواقض الوضوء من المسائل التي يكثر السؤال عنها، لا سيّما فيما يتعلق بالخارج من السبيلين. ومن هذه المسائل الدقيقة: هل الريح الخارجة من القُبُل تُعد من نواقض الوضوء؟، وهي مسألة وقع فيها خلاف بين المذاهب الأربعة، مما يستدعي بيان الحكم الشرعي المدعوم بالنصوص والأدلة، مع عرض أقوال الفقهاء المعتمدين وتحقيق مناط الخلاف في ضوء القواعد الفقهية.

  • تمهيد فقهي: تعريف الريح ونواقض الوضوء

    الريح لغةً: هواءٌ يخرج من الجوف بسرعة، وقد يكون له صوت أو لا.
    أما في الاصطلاح الفقهي: فالريح الخارج من أحد السبيلين (الدبر أو القبل) يُنظر في كونه ناقضًا للوضوء من عدمه بحسب طبيعته ومخرجه، استنادًا إلى نصوص الكتاب والسنة.

    وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال:

    «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»
    (رواه البخاري ومسلم)

    وعنه ﷺ:

    «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»
    (رواه مسلم)

  • مواقف المذاهب الفقهية من الريح الخارجة من القُبُل

    الشافعية والحنابلة:

    ·        حكمهم: يرون أن الريح الخارجة من القبل ناقضة للوضوء، سواء من الرجل أو المرأة.

    ·        الدليل: قالوا إن الحديث النبوي الشريف: «حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، يشمل كل ريح خارجة من الجوف عبر أحد السبيلين، ولا يُشترط وجود نجاسة.

    ·        قال النووي في "المجموع":

    "الريح من القُبُل تنقض الوضوء قطعًا عندنا، وهو مذهب أحمد والجمهور".

    ·        ابن قدامة في المغني:

    "كل ما خرج من القبل أو الدبر من غائط أو بول أو ريح أو مذي أو ودي، أو دم أو حجر أو دود أو حصى... فهو ناقض للوضوء، من الرجل والمرأة".

     الحنفية:

    • حكمهم: لا يُعد الريح الخارج من القبل ناقضًا للوضوء.
    • علّتهم: لأن الريح الخارج من القبل لا يخرج من مخرج النجاسة المعتاد، بل هو اختلاج لا ريح حقيقي، ولو سُمّي ريحًا، فهو غير متنجس، فلا يُقاس على الريح الخارج من الدبر.
    • قال في "الدر المختار":

    "ريح القُبُل لا تنقض لأنه اختلاج لا ريح".

    • وقال ابن عابدين في الحاشية:

    "ولو كانت ريحًا فلا نجاسة فيها، فبقي الأصل في الطهارة".

     المالكية:

    • حكمهم: يرون أن الريح الخارجة من القبل لا تنقض الوضوء في حال الصحة؛ لأنها خارجٌ غير معتاد.
    • التفصيل عندهم: استثنوا من النواقض الخارج غير المعتاد، كالحصى أو الدم أو الريح من القبل، لأنه لا يخرج من مخرج النجاسة المعتاد.
    • جاء في "الشرح الكبير على مختصر خليل":

    "الخارج المعتاد من السبيلين ينقض، وأما الخارج غير المعتاد، فلا ينقض في حال الصحة، كالريح من القُبُل".

  • الرأي الفقهي المأخوذ به والأقرب للدليل

    الراجح -والله أعلم- أن الريح الخارجة من القُبُل ناقضة للوضوء عند التيقن من خروجها، وهذا هو قول الجمهور من الشافعية والحنابلة، ويُستأنس له بعموم النص:

    "أو يجد ريحًا".

    وقد استدلوا بأن الريح الخارج من القبل ــ وإن لم يكن متنجسًا ــ فهو خارج معتاد من أحد السبيلين، ولا يشترط لكونه ناقضًا وجود نجاسة، بل يكفي كونه خارجًا من البدن.

    أما القول بعدم نقضه، فقد بُني على أن الريح غير نجسة وغير معتادة، لكن الأقرب للدليل التوسعة في معنى "الريح" ليشمل الخارج من القبل، لأنه ثبت في الواقع وجوده عند بعض النساء، كما ورد عن ابن قدامة في "المغني":

    "وإن كنا لا نعلمه واقعًا كثيرًا، إلا أن الحكم الشرعي لا يتعلق بالكثرة".

  • خلاصة أقوال المذاهب

    الحالة

    الحكم الفقهي

    خروج ريح من القبل بيقين

    ينقض الوضوء عند الشافعية والحنابلة

    خروج ريح من القبل مع شك

    لا ينقض حتى يتحقق اليقين

    خروج ريح من القبل عند الحنفية

    لا ينقض، لأنه اختلاج لا ريح

    خروج الريح من القبل عند المالكية

    لا ينقض إن كان الخارج غير معتاد

    من يعاني من سلس دائم

    يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها فقط

  • أي مذهب تختار

    • إن كنت تتبع الحنفية أو المالكية: فلك الأخذ بعدم النقض، لكن يُستحب الوضوء احتياطًا إن توفر الوقت واليسر.
    • وإن كنت تميل إلى الشافعية أو الحنابلة: فالريح من القبل ناقضة للوضوء، ويجب إعادة الوضوء عند التيقن منها.
    • وإذا كنت في ظروف يصعب عليك فيها إعادة الوضوء فيمكنك تقليد مذهب المالكية والحنفية، أو كانت هذه مشكلة متكررة.
  • توجيه عملي عند وجود اضطراب أو استمرارية

    • من يعاني من خروج الريح من القبل بشكل متكرر أو دائم (كسلس): يُعامل كأصحاب الأعذار، فيتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يُبطل وضوءه إن خرج منه شيء أثناء الصلاة.
    • يُنصح بتجنب الوسوسة، فلا يُبنى الحكم على الظن، بل لا بد من اليقين بخروج الريح.
  • الخاتمة

    الريح الخارجة من القُبُل عند التيقن منها تُعد ناقضة للوضوء في قول جمهور العلماء، وهو الأحوط والأقرب للدليل. أما من أخذ بقول الحنفية والمالكية، فلا حرج عليه في عدم الوضوء ما لم يكن لديه يقين، خصوصًا في حال المشقة. وينبغي للمسلم أن يختار ما يبرئ ذمته ويطمئن قلبه في عباداته، فالطهارة شرط لصحة الصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بطهارة كاملة.