حكم الاحتفال بالمولد النبوي وتوزيع الحلوى والطعام على الفقراء

مع اقتراب شهر ربيع الأول، يكثر الحديث بين المسلمين عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وما يترتب عليه من مظاهر مثل توزيع الطعام والحلوى، وإقامة مجالس الذكر والإنشاد. وبين من يعتبره بدعة، ومن يراه سنة حسنة، يبحث كثيرون عن الفتوى الصحيحة المبنية على الأدلة الشرعية.

في هذا المقال، نعرض آراء العلماء وفتاوى دار الإفتاء المصرية حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وحكم توزيع حلوى المولد على الفقراء سواء من مال الزكاة أو من باب الصدقة، مع بيان المقاصد الشرعية من هذه الأعمال.

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يقتصر على يوم 12 ربيع الأول فقط، بل يشمل أي عمل يُظهر الفرح بميلاد النبي ﷺ ويُعظّم مكانته، مثل:

• قراءة القرآن الكريم.
• إحياء مجالس الصلاة على النبي ﷺ.
• تدارس السيرة النبوية.
• توزيع الطعام والصدقات.
• التهادي بالحلوى وإظهار الفرح.

قال تعالى:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58].
وقد فسر كثير من العلماء "رحمة الله" بأنها النبي ﷺ، وبالتالي فالفرح بقدومه فرحٌ مشروع.

دار الإفتاء المصرية أوضحت أن الاحتفال بالمولد النبوي مشروع ومستحب، لأنه شاهد على محبة النبي ﷺ، والمحبة ركن من أركان الإيمان.

???? قال الإمام السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد:
"الاحتفال بالمولد النبوي من البدع الحسنة التي يُثاب فاعلها لما فيها من إظهار الفرح بميلاد النبي ﷺ."

???? وقال الإمام ابن حجر العسقلاني:
"أصل عمل المولد بدعة، لكنه بدعة حسنة؛ إذ يشتمل على شكر الله على نعمة ميلاد النبي ﷺ."

1. التهادي بالحلوى

أكدت دار الإفتاء أن تهادي حلوى المولد سنة حسنة، لقول النبي ﷺ:
«تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (رواه مالك).

فإهداء الحلوى بين الناس في ذكرى مولد النبي ﷺ وسيلة لغرس المحبة وصلة الأرحام، ويُعد من الأعمال المندوبة.

2. إطعام الطعام والصدقة

من أبرز المظاهر المشروعة للمولد:

• توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين.
• إقامة الولائم لإدخال السرور على الناس.
• التصدق على الأرامل واليتامى.

قال الإمام أبو شامة المقدسي في الباعث على إنكار البدع والحوادث:
"من أحسن ما ابتدع في زماننا: ما يُفعل في المولد من الصدقات وإظهار الفرح، لأنه دليل على محبة النبي ﷺ."

• الصدقة: يجوز إخراجها في صورة طعام أو حلوى، وهي مستحبة في المولد لإدخال الفرح على المسلمين.
• الزكاة: لا يجوز إخراجها في شكل حلوى، لأن الزكاة يجب أن تكون مالاً أو شيئًا يُمكّن الفقير من الانتفاع به في ضروراته الأساسية، وليس في الكماليات.

???? إذن: يجوز توزيع حلوى المولد كصدقة أو هدية، لكن لا يجوز اعتبارها من الزكاة.

دار الإفتاء المصرية ذكرت أن الاحتفال بالمولد يشمل أعمالًا تعبدية عديدة، منها:

• قراءة السيرة النبوية.
• تلاوة القرآن الكريم.
• إقامة حلقات الذكر.
• الإنشاد والمديح النبوي.
• الصلاة على النبي ﷺ.
• الصيام والقيام.

وهذه الأعمال كلها تدخل تحت قوله ﷺ:
«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» (رواه مسلم).

رغم أن جمهور العلماء ودار الإفتاء المصرية أكدوا مشروعية الاحتفال بالمولد، إلا أن الشرع وضع ضوابط تضمن بقاء الاحتفال في إطار صحيح:

1.    ألا يُخصص اليوم بعبادة لم ترد عن النبي ﷺ

o       مثل الاعتقاد أن صيام يوم 12 ربيع الأول واجب أو سنة مؤكدة خاصة به.

o       أو أداء صلاة مبتدَعة تُسمى "صلاة المولد".
???? وهذا خطأ لأن العبادة توقيفية، لا تُشرع إلا بدليل.

2.    ألا يشتمل الاحتفال على أمور تخالف العقيدة

o       مثل الاستغاثة بالنبي ﷺ أو طلب قضاء الحاجات منه.

o       أو الغلو في مدحه بألفاظ لا تجوز، كقول بعضهم: "يا من يعلم الغيب" أو "يا من بيده الرزق".
???? وهذه أمور لا تليق إلا بالله تعالى.

3.    أن يكون المقصد من الاحتفال صحيحًا

o       كتذكير الناس بسيرة النبي ﷺ.

o       غرس المحبة في قلوب الأبناء.

o       إدخال السرور على الفقراء بإطعامهم.

أمثلة عملية لما هو جائز وما هو غير جائز

 المباح والجائز في المولد:

• إقامة مجلس لتلاوة القرآن وقراءة السيرة النبوية.
• توزيع الطعام على الفقراء.
• التهادي بالحلوى بين الأهل والأقارب.
• إحياء مجالس الصلاة على النبي ﷺ.

 غير الجائز في المولد:

• اعتقاد أن ليلة المولد لها صلاة مخصوصة أو ذكر معين.
• تخصيص صيام يوم 12 ربيع الأول باعتباره عبادة شرعية.
• إقامة حلقات ذكر يختلط فيها الرجال بالنساء على نحو مخالف للشرع.
• الغلو في المدائح حتى تصل إلى مستوى الشرك أو نسبة صفات الألوهية للنبي ﷺ.

بهذا الطرح نكون قد جمعنا بين:

• إقرار الإباحة والمشروعية.
• مع التنبيه على الضوابط حتى لا يختلط المشروع بالممنوع.

بعض الناس يصفون الاحتفال بالمولد بأنه "بدعة"، لكن العلماء فرّقوا بين:

• البدعة الحسنة: مثل جمع القرآن في مصحف، وبناء المدارس، والاحتفال بالمولد، لأنها وسائل لتحقيق مقاصد شرعية.
• البدعة السيئة: ما يخالف القرآن والسنة.

قال الحافظ السخاوي:
"ما زال أهل الإسلام في سائر الأقطار يحتفلون بمولد النبي ﷺ ويظهرون السرور ويتصدقون، وهذا مما جُرِّب خيره."

• الاحتفال بالمولد النبوي: مشروع ومستحب شرعًا.
• تهادي الحلوى: جائز ومندوب لأنه يُدخل السرور ويعزز المحبة.
• توزيع الطعام والصدقات: من أفضل الأعمال في المولد.
• إخراج الحلوى من مال الزكاة: لا يجوز، والزكاة يجب أن تكون في صورة نافعة مباشرة للفقراء.