حكم زغاريد النساء في الإسلام
حكم زغاريد النساء في الإسلام؟ دراسة فقهية مقارنة بين المذاهب الأربعة مع أقوال العلماء المعاصرين، وبيان متى تجوز الزغاريد ومتى تمنع.

-
مقدمة
الزغاريد من العادات الاجتماعية المنتشرة في كثير من البلدان الإسلامية، حيث تُطلقها النساء في الأعراس والمناسبات السعيدة للتعبير عن الفرح. وقد اختلف الفقهاء في حكمها، بحسب حالها ومكانها، وبحسب ما إذا كانت بحضرة الرجال أو في محيط النساء فقط.
في هذا المقال سنعرض الحكم الشرعي للزغاريد في الإسلام، مع بيان أقوال المذاهب الأربعة، وأدلة العلماء، والتفصيل في الحالات المختلفة. -
الأصل في الفرح وإعلانه في الإسلام
إظهار الفرح مشروع في الإسلام، خاصة في النكاح. فقد قال النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها حين زُفّت امرأة من الأنصار:
(يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ)
رواه البخاري (5163).وهذا يدل على مشروعية اللهو المباح، بشرط أن يكون منضبطاً بالشرع.
-
تعريف الزغاريد
- لغةً: من "الزغرطة"، وهي رفع الصوت بالصياح مع مدّ الصوت وتقطيعه.
- اصطلاحاً: صيحات تطلقها النساء في المناسبات السعيدة، خصوصاً الأعراس.
- حكمها العام: مباحة بين النساء، إذا خلت من محرم ولم يسمعها الرجال الأجانب.
- لغةً: من "الزغرطة"، وهي رفع الصوت بالصياح مع مدّ الصوت وتقطيعه.
-
أقوال المذاهب الأربعة في حكم الزغاريد
- مذهب الحنفية
- يرى الحنفية أن رفع المرأة صوتها أمام الرجال الأجانب لا يجوز؛ لأن صوتها قد يثير الفتنة، وقد شبّهوا الزغاريد بالغناء.
- أما فيما بين النساء، فإنهم لم يمنعوا منها إذا لم تتضمن كلمات باطلة أو محرمة.
- قال ابن عابدين: “وصوت المرأة عورة إذا خيفت الفتنة، لا سيما إذا كان فيه تطريب”. (رد المحتار 1/406).
الراجح عند الحنفية: جوازها بين النساء، وتحريمها إذا كان يسمعها الرجال.
2- مذهب المالكية
- نص المالكية على جواز زغاريد النساء فيما بينهن.
- قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل:
"قال النَّاصِرُ اللقاني في فتاويه: رفع صوت المرأة الذي يُخشى التلذذ بسماعه لا يجوز، لا في الجنائز ولا في الأعراس، سواء كان زغاريد أم غيرها". (شرح مختصر خليل 1/275).
- وعليه: إن كانت الزغاريد في محيط النساء جازت، أما إذا سمعها الرجال أو كان فيها فتنة منعت.
الراجح عند المالكية: الإباحة بين النساء، المنع عند الرجال.
3- مذهب الشافعية
- أجاز الشافعية الزغاريد للنساء بينهن، وعدّوها من باب اللهو المباح.
- جاء في "أسنى المطالب": “يجوز للنساء الضرب بالدف والزغاريد في العرس إذا كان بينهن، ولم يسمعهن الرجال”.
- لكنهم شددوا على المنع إن وصل الصوت 4 الرجال، لما في ذلك من الفتنة.
الراجح عند الشافعية: جوازها بين النساء فقط.
4- مذهب الحنابلة
- عند الحنابلة: صوت المرأة ليس بعورة في أصله، لكنه يمنع إذا كان فيه خضوع أو تكسر أو تطريب يؤدي للفتنة.
- قال ابن قدامة: “ولا بأس بكلام المرأة عند الحاجة إذا أمنت الفتنة، وإنما كرهوا سماع صوتها إذا خيف الفتنة”. (المغني 9/491).
- وبناءً على ذلك: الزغاريد بين النساء جائزة، أما عند سماع الرجال فهي محرمة.
الراجح عند الحنابلة: جائزة بين النساء، محرمة إن سمعها الرجال.
- يرى الحنفية أن رفع المرأة صوتها أمام الرجال الأجانب لا يجوز؛ لأن صوتها قد يثير الفتنة، وقد شبّهوا الزغاريد بالغناء.
-
أقوال العلماء المعاصرين
- ابن باز: أجازها بين النساء، ومنعها عند الرجال.
- ابن جبرين: منعها مطلقاً بحضرة الرجال، ورأى الاقتصار على الدعاء والتهنئة.
- الفوزان: اعتبرها عادة سيئة ينبغي تركها، خاصة إذا سمعها الرجال.
- اللجنة الدائمة: جعلتها في حكم الغناء، مباحة إذا خلت من محرم ولم يسمعها الرجال.
- ابن باز: أجازها بين النساء، ومنعها عند الرجال.
-
الضوابط الشرعية للزغاريد
1. أن تكون بين النساء فقط.
2. أن تخلو من كلمات شركية أو سب أو منكر.
3. أن تكون بنبرة عادية، بلا تكسر أو إثارة.
4. ألا تكون تقليداً للكفار أو عادة دخيلة.
-
خاتمة
الزغاريد عادة اجتماعية لا صلة لها بالعبادة، والأصل فيها الإباحة بين النساء إذا خلت من المنكرات.
لكنها محرمة إن سمعها الرجال، أو احتوت على كلمات شركية أو باطلة، أو كانت وسيلة للفتنة.
وعليه، فإن حكم الزغاريد يتأرجح بين الإباحة والحرمة بحسب المكان والظروف، وهذا ما أكده فقهاء المذاهب الأربعة، والعلماء المعاصرون.