حكم صوت المرأة وقراءتها للقرآن أمام الرجال الأجانب

بيان الحكم الشرعي لصوت المرأة وقراءتها للقرآن أمام الرجال الأجانب، مع التفصيل الفقهي وأقوال الأئمة وضوابط الجواز والمنع، وبيان الفرق بين الصوت المجرد والخضوع بالقول، ورد الشبهات المعاصرة.

حكم صوت المرأة وقراءتها للقرآن أمام الرجال الأجانب
حكم صوت المرأة وقراءتها للقرآن أمام الرجال الأجانب
  • مقدمة

    تُعد مسألة صوت المرأة وقراءتها للقرآن أمام الرجال الأجانب من المسائل الفقهية التي كثر حولها الجدل قديمًا وحديثًا، لا سيما في ظل توسع مجالات التعليم والدعوة والإعلام، وظهور صور جديدة من المخالطة والاختلاط.

    ويقتضي المنهج العلمي الرصين تحرير محل النزاع، والرجوع إلى الأصول الشرعية، واستقراء أقوال أهل العلم المعتبرين، مع مراعاة مقاصد الشريعة في حفظ الدين والعِرض، بعيدًا عن الإفراط الذي يضيّق ما وسّعه الشرع، والتفريط الذي يفتح أبواب الفتنة باسم التيسير.

  • الأصل الشرعي في صوت المرأة

    الأصل الذي عليه جمهور أهل العلم أن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته، وإنما يكون المنع تابعًا للكيفية والمآل، لا لمجرد صدور الصوت.

    قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:

    «صوت الأجنبية ليس عورة على الأصح، ويحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة»
    المبدع شرح المقنع

    وهذا التأصيل يقرر قاعدة فقهية كبرى:

    الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

    فحيث وُجدت الفتنة أو التلذذ، وُجد المنع، وحيث انتفت، عاد الحكم إلى أصل الإباحة المقيّدة بالضوابط.

  • الأدلة القرآنية وضبط محل الاستدلال

    قال الله تعالى:

    ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾
    [الأحزاب: 32]

    وجه الدلالة:

    • الآية لم تنهَ عن الكلام، وإنما نهت عن الخضوع بالقول.
    • ولو كان صوت المرأة عورة مطلقًا، لكان النهي عن أصل الكلام لا عن صفته.

    وقال تعالى:

    ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾
    [الأحزاب: 53]

    وفي الآية:

    • إقرار بمشروعية مخاطبة النساء.
    • مع وضع حاجز مانع من الفتنة، لا تحريمًا للصوت ذاته.

    قال ابن كثير رحمه الله:

    «هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك»
    تفسير ابن كثير

  • التطبيق العملي في عهد النبي ﷺ

    ثبت في السنة الصحيحة:

    • أن النساء كن يُكلمن النبي ﷺ.
    • ويسألنه عن أحكام الدين.
    • وكان الصحابة يسمعون أصواتهن.

    وقد طلبت النساء من النبي ﷺ مجلسًا خاصًا لهن، فاستجاب لطلبهن، وخاطبهن وعلّمهن، ولو كان صوت المرأة عورة لما أقرّ ذلك، ولاستفصل أو نهى، ولم يثبت شيء من هذا.

  • حالات صوت المرأة بالنسبة للأجنبي

    فرّق الفقهاء تفريقًا دقيقًا بين حالتين:

    الحالة الأولى: الصوت الطبيعي المعتاد

    وهو الصوت الخالي من:

    • التمطيط
    • الترقيق
    • الليونة
    • التغنّج

    حكمه:

    • يجوز للمرأة الكلام به مع الأجنبي عند الحاجة.
    • يجوز للرجل سماعه ومخاطبتها به إذا لم يحصل تلذذ أو فتنة.
    • فإن حصل التلذذ، حرم السماع عليه.

    قال الإمام أحمد في رواية:

    «ويحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة».

    الحالة الثانية: الصوت الممزوج بالنغمة والتمطيط

    وهو ما خرج عن حدّ القول المعروف إلى الخضوع بالقول.

    حكمه:

    • لا يجوز للمرأة تعمده أمام الأجانب.
    • ولا يجوز للرجل قصد استماعه أو الإصغاء إليه.

    ودليله قوله تعالى:

    ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾
    [الأحزاب: 32]

  • حكم قراءة المرأة للقرآن أمام الرجال الأجانب

    أولًا: الجهر بالقراءة

    الأصل أن القراءة غالبًا لا تخلو من تحسين صوت ونغمة، ولذلك:

    • كُره للمرأة الجهر بالقراءة بحضرة الأجانب خشية الافتتان.
    • فإن أُمنت الفتنة، زالت الكراهة.

    قال الشافعية كما في نهاية المحتاج:

    «يُكره جهرها بالقراءة في الصلاة بحضرة أجنبي؛ لخوف الافتتان».

    وقال البهوتي الحنبلي:

    «وتُسرّ بالقراءة إن كان يسمعها أجنبي»
    كشاف القناع

    ثانيًا: متى يجوز الجهر؟

    يجوز الجهر بالقراءة إذا توفرت الشروط التالية:

    • أن يكون الصوت خاليًا من التمطيط.
    • ألا تكون فيه ليونة أو ترقيق.
    • أن يُؤمن من الفتنة.
    • أن يكون الجهر لحاجة معتبرة كتعلم أو تعليم.

    وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تحسين صوت الطالبات بالقرآن أمام المدرس، فقال:

    «لا أرى أن تحسن صوتها… ويكفي أن تقرأ قراءة مرسلة عادية»
    اللقاء الشهري

  • تعليم المرأة القرآن أمام الرجال

    الأصل

    الأصل الشرعي:

    • أن تقوم النساء بتعليم النساء؛ سدًا للذرائع وأبعد عن الفتنة.

    الاستثناء

    إذا لم تجد المرأة من يعلّمها من النساء، جاز أن يعلّمها الرجل عند تحقق الضوابط:

    • عدم الخلوة.
    • الالتزام بالحجاب الشرعي.
    • غض البصر من الطرفين.
    • عدم الخضوع بالقول.
    • الاقتصار على قدر الحاجة.

    وعليه:

    • لا حرج في قراءتها القرآن أمامه بهذه الضوابط.
  • خفض صوت المرأة في ضوء التفسير

    قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى:

    ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾
    «تُندب المرأة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام»
    الجامع لأحكام القرآن

    ويدل ذلك على:

    • أن خفض الصوت من باب الأدب والاحتياط.
    • لا من باب التحريم المطلق.
  • رفع الصوت عند الضرورة

    الضرورة ترفع الحرج، ومن ذلك:

    • الاستغاثة.
    • النداء.
    • التنبيه.
    • الخوف من الضياع.

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

    «هذا حلال، لا بأس به… ما عليها إثم؛ لأنها في ضرورة».

    وقال أيضًا:

    «لا ينبغي للمرأة أن تجهر بصوتها عند الرجال إلا عند الحاجة»

  • تدريس المرأة في الجامعات المختلطة

    تدريس المرأة للرجال البالغين في الجامعات أو المدارس:

    • جائز من حيث الأصل عند انضباط الضوابط.
    • لكن الأولى تركه لما فيه من مخاطر الفتنة.

    ويتأكد المنع إذا:

    • انتشر الانحلال الخُلقي.
    • لم تكن هناك حاجة معتبرة.
    • كان الزمان زمان فتنة.

    وقد تقرر شرعًا:

    أن الذرائع إلى الفساد تُسدّ، والسلامة لا يعادلها شيء.

  • الخاتمة

    يتبيّن من مجموع النصوص وأقوال أهل العلم أن:

    • صوت المرأة ليس بعورة في ذاته.
    • وإنما يُمنع إذا اقترن بخضوع، أو أدى إلى فتنة، أو ترتب عليه تلذذ.
    • والأصل في الشريعة تحقيق الطهارة القلبية وسلامة المجتمع دون تضييق أو تساهل.

    والميزان الشرعي الدقيق هو:

    قول معروف، بقدر الحاجة، مع سد أبواب الفتنة.

  • أهم المصادر والمراجع

    • القرآن الكريم
    • ابن مفلح، المبدع شرح المقنع
    • البهوتي الحنبلي، كشاف القناع
    • الرملي، نهاية المحتاج
    • ابن كثير، تفسير القرآن العظيم
    • القرطبي، الجامع لأحكام القرآن
    • فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    • فتاوى أهل العلم الموثوقة وموقع الإسلام سؤال وجواب