صلاة التسابيح: فضلها، حكمها، وكيفية أدائها

تعرف على حكم صلاة التسابيح وفضلها وكيفية أدائها خطوة بخطوة، مع أقوال المذاهب الأربعة وأدلة العلماء، وشرح الحديث الوارد فيها.

صلاة التسابيح: فضلها، حكمها، وكيفية أدائها
صلاة التسابيح: فضلها، حكمها، وكيفية أداءها
  • مقدمة

    تُعَدُّ صلاة التسابيح من الصلوات التي دار حولها نقاش واسع بين الفقهاء والمحدثين، لما ورد في فضلها من أحاديث تبشّر بمغفرة الذنوب وتكفير السيئات. ورغم أن بعض العلماء ترددوا في الحكم على الحديث الوارد فيها، إلا أن جمهور أهل العلم رجحوا استحبابها، نظرًا لما حُفَّت به من شواهد وطرق متعددة تُقوِّي الحديث، فارتقى عندهم إلى درجة الحسن. وفي هذه المقالة نستعرض حكم صلاة التسابيح، وكيفية أدائها، وفضلها، مع بيان الخلاف الفقهي وأدلة كل فريق.

  • تعريف صلاة التسابيح

    صلاة التسابيح هي أربع ركعات يتخللها تسبيحٌ محدد العدد والموضع، ورد تفصيله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث تُقال أذكار التوحيد والتحميد والتكبير "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" خمسًا وسبعين مرة في كل ركعة، موزعة على القيام، والركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين.

  • فضل صلاة التسابيح

    جاء في حديث النبي ﷺ لعمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال:

    "يا عماه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته..."

    ثم ذكر له كيفية هذه الصلاة.
    وقد نص الحديث على أن من أداها ولو مرة واحدة في عمره فاز بهذا الثواب العظيم، وأن الأفضل أن تؤدى كل يوم، فإن لم يمكن فكل جمعة، أو كل شهر، أو كل سنة، أو مرة في العمر.

  • حكم صلاة التسابيح عند الفقهاء

    1. رأي الجمهور في استحبابها

    ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة إلى استحباب صلاة التسابيح، مستندين إلى تحسين الحديث لكثرة طرقه.
    قال ابن عابدين:

    "حديثها حسن لكثرة طرقه، ووهم من زعم وضعه، وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين".

    وقال الخطيب الشربيني:

    "وما تقرر من أنها سنة هو المعتمد، كما صرح به ابن الصلاح وغيره".

    2. رأي الحنابلة في عدم سنيتها

    ذهب بعض الحنابلة، ومنهم الإمام أحمد في إحدى روايتيه، إلى أن صلاة التسابيح غير مسنونة، معللين ذلك بضعف الحديث. قال الرحيباني:

    "ولا تسن صلاة التسابيح، قال الإمام أحمد: ما يعجبني، قيل: لمَ؟ قال: يسن فيها شيء يصح".

    ومع ذلك، أجازوا فعلها لمن أراد، استنادًا إلى قاعدة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.

    3. موقف المالكية

    المشهور عند المالكية عدم استحبابها، لعدم ثبوت الحديث عندهم، لكن بعض متأخريهم أفتى بجوازها على سبيل التطوع المطلق.

  • الحديث الوارد في صلاة التسابيح

    روايته وحكمه

    رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني، وغيرهم، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    وقد اختلف العلماء في تصحيحه:

    • صححه: الدارقطني، والخطيب البغدادي، وأبو موسى المدني، والحاكم، والسيوطي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم.
    • ضعفه: ابن الجوزي، وابن تيمية، والإمام أحمد (في رواية)، وسراج الدين القزويني، وغيرهم.

    قال الحافظ ابن حجر:

    "الحق أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن لكثرة طرقه التي يتقوى بها".

  • كيفية أداء صلاة التسابيح

    صفة الصلاة كما وردت في حديث ابن عباس:

    1.   عدد الركعات: أربع ركعات.

    2.   القراءة: في كل ركعة تُقرأ الفاتحة وسورة.

    3.   عدد التسبيحات: 75 تسبيحة في كل ركعة، موزعة كالآتي:

    o       بعد القراءة في القيام: 15 مرة.

    o       في الركوع: 10 مرات.

    o       بعد الرفع من الركوع: 10 مرات.

    o       في السجود الأول: 10 مرات.

    o       بعد الرفع من السجود: 10 مرات.

    o       في السجود الثاني: 10 مرات.

    o       بعد الرفع من السجود الثاني: 10 مرات.

    ملاحظات على أدائها:

    • وقت أدائها: يمكن صلاتها في أي وقت لا تُكره فيه الصلاة.
    • وصل الركعات أو فصلها:
      • يرى بعض العلماء وصل الأربع ركعات بسلام واحد.
      • ويرى آخرون، كابن المبارك، أن الأفضل في الليل أن تُصلَّى ركعتين ركعتين، وفي النهار يُخيَّر المصلي بين الوصل والفصل.
    • التشهد: إذا وصلت الركعات، يكون التشهد في الأخيرة فقط، وإن فصلت فيكون التشهد في الثانية والأخيرة.
  • أقوال العلماء في الحكمة من هذه الصلاة

    ذكر بعض العلماء أن كثرة التسبيح الموزع على أركان الصلاة في صلاة التسابيح تجمع بين الذكر والخشوع، وتربية النفس على دوام تعظيم الله في كل حال، مما يجعلها عبادة قلبية ولسانية وجسدية في آن واحد.

  • خلاصة القول

    • جمهور العلماء يرى استحباب صلاة التسابيح، خاصة لمن استطاع المداومة عليها، أو فعلها ولو مرة في العمر.
    • الخلاف في صحتها مبني على اختلاف الحكم على الحديث الوارد فيها.
    • العمل بها مشروع لمن أخذ بتصحيح جمهور المحدثين، خاصة في فضائل الأعمال حيث يُتسامح في الحديث الضعيف.

    قال الإمام السيوطي:

    "من واظب عليها كان من الفائزين، ومن تركها لم يضر إلا نفسه".

  • خاتمة

    صلاة التسابيح من السنن التي أثارت جدلًا فقهيًا، لكنها تبقى عند جمهور العلماء عبادة مستحبة، لما فيها من ذكرٍ لله وتعظيمٍ لشأنه ومغفرةٍ للذنوب، وهي فرصة عظيمة لكل مسلم لاغتنام الأجر والثواب. والموفق من وفقه الله لأدائها بصدق وخشوع، محتسبًا الأجر عند الله تعالى.