حكم قلب اليدين أثناء الدعاء
تعرف على الحكم الشرعي لقلب اليدين أثناء الدعاء، مع بيان الأدلة من السنة النبوية، وأقوال العلماء، وآداب رفع اليدين، في دراسة شرعية موسعة.

-
مقدمة
الدعاء عبادة جليلة، وهو صلة بين العبد وربه، وله آداب وسنن أرشدت إليها النصوص الشرعية. ومن هذه السنن رفع اليدين أثناء الدعاء، وهو ما وردت به الأحاديث الصحيحة. لكن قد يثار سؤال حول حكم قلب اليدين أثناء الدعاء، أي جعل ظهر الكفين إلى السماء وبطونهما إلى الأرض. هذه المقالة تسعى لتوضيح الحكم الشرعي لهذه المسألة، مع بيان الأدلة وأقوال العلماء.
-
مشروعية رفع اليدين في الدعاء
اتفق أهل العلم على استحباب رفع اليدين في الدعاء، واستدلوا بأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:
"لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ..."
قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه استحباب استقبال القبلة في الدعاء، ورفع اليدين فيه".
-
صفة رفع اليدين في الدعاء
بيَّنت السنة النبوية أن هيئة رفع اليدين تكون بأن يرفعهما الداعي إلى مستوى صدره، مضمومتي الأصابع، مع جعل بطون الأكف نحو السماء.
فعن مالك بن يسار السكوني رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:"إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا" (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وقال الشيخ ابن عثيمين: "الرفع في القنوت يكون باعتدال، وببطون الأكف إلى السماء، دون مبالغة في الارتفاع، ولا تفريق بين اليدين".
-
الخلاف في قلب اليدين أثناء الدعاء
. القول الأول: التفريق بين دعاء رفع البلاء ودعاء طلب النفع
ذهب بعض أهل العلم، كجماعة من الشافعية وغيرهم، إلى أن:
- إذا كان الدعاء لرفع البلاء، مثل الاستسقاء، يُجعل ظهر الكفين إلى السماء.
- إذا كان الدعاء لسؤال شيء وتحصيله، تُجعل بطون الكفين إلى السماء.
واستدلوا بحديث أنس رضي الله عنه في صحيح مسلم:
"أن النبي ﷺ استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء".
2. القول الثاني: أن جميع الدعاء يكون ببطون الأكف
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث رأى أن حديث الاستسقاء لا يدل على قلب اليدين قصداً، وإنما كان ذلك من شدة رفعهما، حتى بدت ظهور الكفين إلى السماء، والمراد أن الهيئة المعتادة هي جعل البطون إلى السماء.
قال بكر أبو زيد: "هذا الجمع يوافق جميع الأحاديث الواردة، ويبقي الأصل وهو جعل البطون إلى السماء".
3. القول الثالث: الأخذ بظاهر الحديث في الاستسقاء
اختار الإمام ابن رجب الحنبلي ظاهر حديث مسلم، فقال بجواز قلب اليدين في الاستسقاء، واعتبره قولًا محتملًا له سلف من الصحابة والتابعين، ولا إنكار على من عمل به.
- إذا كان الدعاء لرفع البلاء، مثل الاستسقاء، يُجعل ظهر الكفين إلى السماء.
-
حكم تقليب اليدين أثناء الدعاء بغير سبب
اتفق العلماء على أن تقليب اليدين أثناء الدعاء من غير سبب شرعي ولا هيئة واردة في السنة، لا أصل له.
فالهيئة المشروعة إما:- جعل البطون إلى السماء (الأصل في الدعاء).
- أو جعل الظهور إلى السماء عند طلب رفع البلاء، على قول من قال به.
- جعل البطون إلى السماء (الأصل في الدعاء).
-
ضوابط وآداب رفع اليدين في الدعاء
- أن تكون اليدان طاهرتين ونظيفتين.
- أن يرفعهما الداعي باعتدال، دون تكلف.
- أن يضم اليدين بعضهما إلى بعض، كحال المستجدي.
- أن لا يفرّق بين الأصابع أو يبالغ في رفعها إلا لضرورة.
- أن يكون توجه القلب والجوارح إلى الله مع الخشوع.
- أن تكون اليدان طاهرتين ونظيفتين.
-
خاتمة
رفع اليدين في الدعاء سنة مؤكدة، وهي من أسباب إجابة الدعاء. أما قلب اليدين، فجائز في حالة الاستسقاء أو طلب رفع البلاء على قول بعض العلماء، والأصح أنه لم يكن مقصودًا لذاته وإنما وقع من شدة الرفع. وأما تقليب اليدين عبثًا أو على غير الهيئة المشروعة، فلا أصل له في السنة.
الخلاصة: الأصل في الدعاء أن تكون بطون الأكف إلى السماء، ويجوز جعل ظهورها في حال الاستسقاء أو رفع البلاء، على قول معتبر، مع بقاء الأصل أولى وأحوط.