حكم كشف المرأة قدميها في الصلاة

تعرف على الحكم الشرعي لكشف المرأة قدميها في الصلاة، وما قاله العلماء من المذاهب الأربعة في المسألة، مع بيان أدلة القائلين بوجوب تغطيتهما أو جواز كشفهما، وحكم الصلاة إن كشفت المرأة قدميها سهواً أو عمداً، وفق أقوال الفقهاء الموثوقة.

حكم كشف المرأة قدميها في الصلاة
حكم كشف المرأة قدميها في الصلاة
  • مقدمة

    تُعدّ مسألة ستر المرأة لقدميها في الصلاة من المسائل الفقهية التي أثارت نقاشًا واسعًا بين العلماء قديماً وحديثاً، لما فيها من تداخل بين النصوص الشرعية وقواعد العورة في الصلاة. وقد اختلفت فيها المذاهب الفقهية بين قائل بالوجوب وقائل بعدمه، مع اتفاق الجميع على استحباب الستر خروجًا من الخلاف، وهو ما سنفصله في هذا المقال وفقًا لما ورد في إسلام ويب ودار الإفتاء المصرية وموقع الإسلام سؤال وجواب، مدعومًا بالأدلة الشرعية وأقوال الأئمة.

  • الأصل في عورة المرأة في الصلاة

    أجمع الفقهاء على أن المرأة مأمورة بستر بدنها في الصلاة؛ لحديث النبي ﷺ:

    «لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخمارٍ»
    رواه أبو داود والترمذي.

    والمراد بالحائض هنا: البالغة، أي أن صلاة المرأة البالغة لا تصح إلا إذا غطّت جسدها كله بما عدا الوجه والكفين، على الراجح من أقوال العلماء.

    لكن الخلاف وقع في القدمين: هل هما من العورة التي يجب سترها في الصلاة، أم لا حرج في كشفهما؟

  • مذاهب الفقهاء في حكم ستر القدمين في الصلاة

    1. مذهب الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة)

    ذهب جمهور العلماء إلى وجوب ستر قدمي المرأة في الصلاة، سواء بالجورب أو بإطالة الثوب حتى يغطيهما.
    واستدلوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي ﷺ:

    «أتصلي المرأة في درعٍ وخمارٍ ليس عليها إزار؟»
    فقال: «إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها».
    رواه أبو داود.

    وقد جعل النبي ﷺ من شرط تمام ستر المرأة في الصلاة أن يكون الثوب سابغًا يغطي القدمين، وهو نصّ صريح في الوجوب عند جمهور الفقهاء.

    وقال الخطّابي رحمه الله:

    "في الحديث دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء، ألا تراه يقول: إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها، فجعل من شرط جواز صلاتها ألا يظهر من أعضائها شيء."
    (معالم السنن 1/159)

    وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وعليه الفتوى في أكثر كتب الفقه.

    2. مذهب الحنفية

    أما الحنفية فذهبوا إلى أن قدمي المرأة ليستا من العورة في الصلاة، فلا يجب سترهما، سواء في الصلاة أو خارجها أمام النساء والمحارم.

    واستدلوا بأن القدمين مما يظهر غالبًا في حياة النساء اليومية، ولم يثبت في وجوب تغطيتهما نصٌّ صريح لا يحتمل التأويل. كما أن كشف القدمين مظنة الحاجة والابتلاء به، فيُعفى عنه تخفيفًا ورفعًا للحرج.

    واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وصوّبه المرداوي من الحنابلة، ومال إليه ابن عثيمين رحمه الله.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:

    "القدم ليس عورة في الصلاة، لأن النساء في زمن النبي ﷺ كن في البيوت يلبسن القمص، وليس لكل امرأة إزار، وكان ذلك بحضرة النبي ﷺ فلم يُنكر عليهنّ."

  • رأي دار الإفتاء المصرية

    صرّح فضيلة الدكتور علي جمعة – مفتي الديار المصرية الأسبق – بأن:

    "ستر المرأة لقدميها محل خلاف بين الفقهاء، والأولى سترهما خروجًا من الخلاف، ومع ذلك يجوز الأخذ بقول من أجاز كشفهما، ولا إثم على المرأة في ذلك، وصلاتها صحيحة."

    وأكدت دار الإفتاء أن الخلاف في هذه المسألة سائغ شرعًا، ولا ينبغي أن يكون سببًا للنزاع، لأن القاعدة الفقهية تقول:

    "لا يُنكَر المختلف فيه، وإنما يُنكَر المتفق على تحريمه أو وجوبه."

    وعليه، فمن صلت وقدماها مكشوفتان فصلاتها صحيحة، خاصة إذا كانت تقلد مذهبًا معتمدًا كالمذهب الحنفي.

  • فتوى موقع الإسلام سؤال وجواب

    بيّن الموقع أن المسألة محل خلاف معتبر بين العلماء، وأن الأحوط للمرأة ستر قدميها في الصلاة خروجًا من الخلاف، لكن من صلت جاهلة بالحكم فلا قضاء عليها.

    وجاء في الفتوى رقم (193034):

    "من صلت وقدماها مكشوفتان وهي جاهلة بالحكم، فإنها معذورة بجهلها، ولا يلزمها قضاء الصلوات السابقة، وإنما تلتزم بالستر في المستقبل."

    كما نقل الموقع قول الشيخ ابن باز رحمه الله:

    "من صلت وقدماها مكشوفتان فعليها الإعادة إن كانت تعلم الحكم، أما إن كانت جاهلة فلا قضاء عليها، لأن الجهل عذر معتبر شرعًا."

    وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع":

    "إن المرأة حتى ولو كان لها ثوب يضرب على الأرض، فإنها إذا سجدت يظهر باطن قدميها، ولهذا فإن ستر القدمين ليس بواجبٍ وجوبًا قطعياً، وإنما هو من باب الاحتياط.

  • الجمع بين الأقوال والترجيح

    عند التأمل في الأدلة والنصوص، يظهر أن الأحوط والأكمل للمرأة أن تستر قدميها في الصلاة، لما في ذلك من امتثال النصوص واتباع الاحتياط في العبادات.
    ومع ذلك، فإن القول بعدم الوجوب له قوة من جهة التعليل والآثار، خصوصًا إذا ترتب على الستر ضرر أو مشقة.

    فمن أخذت بمذهب الحنفية أو قلّدت من أجاز كشف القدمين فلا حرج عليها، وصلاتها صحيحة بإجماع من يرى جواز التقليد في المسائل الخلافية.

  • هل تبطل صلاة من صلت وقدماها مكشوفتان؟

    اتفق العلماء على أن كشف القدمين لا يبطل الصلاة، ولو كان عن عمد، وإنما يكره عند من يرى الوجوب.
    أما من صلت جاهلة بالحكم، فلا تبطل صلاتها ولا يلزمها قضاء ما مضى. قال الإمام مالك:

    "إذا صلت المرأة وقد انكشف شعرها أو ظهور قدميها، تعيد ما دامت في الوقت، ولا إعادة عليها بعد خروج الوقت."

    وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز واللجنة الدائمة، حيث قالوا:

    "ما مضى من ظهور بعض قدميك في الصلاة فإنه معفوّ عنه من أجل الجهل، وبالله التوفيق."

  • نصائح عملية للمرأة المسلمة في هذا الباب

    1.   الحرص على ستر القدمين بجورب أو بإطالة الثوب حتى يغطيهما تمامًا، فهو الأكمل في العبادة.

    2.   عدم التشدد أو النزاع مع من تأخذ بقول آخر معتبر، فالمسألة خلافية، ولا إنكار في المختلف فيه.

    3.   تعليم النساء والأخوات في البيوت بأدبٍ ورفقٍ، مع بيان فضل الاحتياط في العبادات.

    4.   تجنب إثارة الخلاف في المساجد أو على وسائل التواصل حول هذه المسائل الفرعية.

    5.   استحضار نية التعظيم لله عند ستر العورة في الصلاة، فهو من تعظيم شعائر الله ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

  • الخاتمة

    يتبين مما سبق أن ستر المرأة لقدميها في الصلاة مستحب مؤكد وأحوط، وإن كان القول بعدم وجوبه له سنده الفقهي المعتبر. فالراجح عند التحقيق أن المسألة خلافية سائغة لا يُنكر فيها أحد على أحد، ومن أخذت بقول من أجاز كشف القدمين فلا إثم عليها، وصلاتها صحيحة بإجماع من أهل العلم.

    ويبقى الأكمل والأفضل أن تغطي المرأة قدميها خروجًا من الخلاف وتعظيمًا لشأن الصلاة، فذلك من الورع والتقوى.