قصة لوط عليه السلام
قصة لوط عليه السلام من أبرز القصص القرآنية التي تحمل دروسًا عظيمة حول خطورة الفواحش، والثبات على الحق، والنجاة بالإيمان. تعرف على أحداث القصة، أسباب هلاك قوم لوط، والحِكم المستفادة منها للمسلمين اليوم.

جدول المحتويات
-
مقدمة
تُعَدُّ قصة لوطٍ عليه السلام واحدة من أبرز القصص القرآنية التي عالجت قضية أخلاقية واجتماعية خطيرة، وهي قضية الشذوذ الجنسي والفواحش، إذ جاء ذكرها في سور متعددة من القرآن الكريم مثل: الأعراف، هود، الحجر، الشعراء، العنكبوت وغيرها. وقد تناول القرآن القصة من زوايا مختلفة، فمرة يسرد تفاصيل دعوة لوط لقومه وصبره عليهم، ومرة يركز على حوار الملائكة مع إبراهيم، ومرة ثالثة يصف لحظة نزول العذاب. كل ذلك ليبقى هذا النموذج ماثلاً أمام أعين البشرية، يحذرها من الانحراف ويعلمها أن مخالفة الفطرة تقود إلى الهلاك.
وليس الغرض من القصة مجرد التذكير التاريخي، بل هي عبرة تربوية وعظة شرعية للأمة جمعاء، خاصة في عصرنا الذي تشهد فيه المجتمعات محاولات مكثفة لتطبيع الفاحشة وتزيينها تحت مسميات الحرية أو الحقوق الفردية. لذا فإن الوقوف عند قصة لوط عليه السلام ليس ترفًا علميًا، بل ضرورة لحماية القيم والدفاع عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
-
نسب لوط عليه السلام ومكانته
لوط عليه السلام نبي كريم من ذرية إبراهيم عليه السلام، وقد هاجر معه من العراق إلى بلاد الشام. قال الله تعالى:
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: 26].
فقد آمن لوط بإبراهيم منذ البداية، وهاجر معه، ثم بعثه الله نبيًا إلى أهل سدوم، وهي مدينة تقع في منطقة الأغوار جنوب فلسطين والأردن حاليًا. -
دعوة لوط عليه السلام إلى قومه
كان لوط عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، كما كان يحذرهم من الانغماس في الفواحش التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين. قال تعالى:
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 80-81].لقد كان خطاب لوط عليه السلام واضحًا:
1. توحيد الله ونبذ الشرك.
2. النهي عن الفاحشة التي تمثلت في إتيان الذكران دون النساء.
3. التحذير من الإسراف ومجاوزة حدود الفطرة.
لكن رد قومه كان استكبارًا وسخرية، إذ قالوا له: ﴿أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82]. لقد قلبوا الحقائق، فجعلوا الطهر عيبًا والرذيلة فضيلة!
-
طبيعة جريمة قوم لوط
الجريمة التي اشتهر بها قوم لوط لم تكن مجرد انحراف جنسي عابر، بل كانت:
- إعلانًا للفاحشة بلا حياء ولا خجل.
- مخالفة صريحة للفطرة التي فطر الله البشر عليها.
- تحديًا للأنبياء والرسل ورفضًا لدعوتهم.
- إصرارًا على الجريمة حتى بعد إنذارهم بالعذاب.
ولهذا استحقت هذه الجريمة أن تصبح مضربًا للمثل في الفساد والانحراف. وقد أجمع العلماء على أن فعل قوم لوط من الكبائر العظام التي توجب العقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة.
- إعلانًا للفاحشة بلا حياء ولا خجل.
-
زيارة الملائكة إلى إبراهيم ولوط
من أبرز مشاهد القصة في القرآن: زيارة الملائكة على هيئة رجال إلى إبراهيم عليه السلام، ثم إلى بيت لوط.
- عند إبراهيم: بشروه بإسحاق ويعقوب، وأخبروه بأنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط. [هود: 69-73].
- عند لوط: دخلوا عليه في صورة فتيان، فاشتد حزنه وخوفه من قومه الذين اعتادوا الفاحشة، فقال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ﴾ [الحجر: 68-69].
لكن القوم أصروا على اقتحام بيته، وهنا كشف الملائكة عن حقيقتهم، وقالوا له:
﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ [هود: 81]. - عند إبراهيم: بشروه بإسحاق ويعقوب، وأخبروه بأنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط. [هود: 69-73].
-
نزول العذاب على قوم لوط
بعد أن استنفدت وسائل الدعوة والإنذار، جاء أمر الله بالعذاب:
- قلب الله قريتهم رأسًا على عقب.
- أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود.
قال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: 74].
فأصبحوا عبرة للأمم من بعدهم، وصار فعلهم رمزًا للانحراف الشديد الذي يستوجب الهلاك. - قلب الله قريتهم رأسًا على عقب.
-
مواقف زوجة لوط
اللافت في القصة أن زوجة لوط لم تكن مؤمنة برسالته، بل خانته بالكفر لا بالزنا، فكانت عونًا لقومها عليه. قال الله تعالى:
﴿فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10].وهذا يوضح أن القرابة لا تنفع صاحبها إن لم يكن مؤمنًا، وأن رابطة الإيمان أقوى من رابطة النسب.
-
العبر والدروس المستفادة من قصة لوط عليه السلام
1- الثبات على الحق
رغم سخرية القوم وتهديدهم، ظل لوط عليه السلام ثابتًا على الحق، يدعوهم ويجادلهم ويبين لهم قبح فعلهم. وهذه رسالة لكل داعية أن الدعوة تحتاج إلى صبر وثبات.
2- خطورة مخالفة الفطرة
الانحراف الجنسي الذي وقع فيه قوم لوط دليل على أن الإنسان إذا تجاوز حدود الفطرة فإنه يفسد في الأرض، ويعرض نفسه وأمته للهلاك.
3- قوة القيم الأخلاقية
حين قال قومه: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، أرادوا السخرية من الطهر، لكن الطهر هو جوهر الإيمان وقيمة لا يستهان بها.
4- مكانة الأسرة في مواجهة الفساد
وجود زوجة لوط في صف قومه يوضح أن التفكك الأسري خطر كبير، وأن صلاح الأسرة هو الأساس لحماية المجتمع.
5- عاقبة الظلم والفساد
جعل الله ديارهم عبرة، فلا تزال آثارها قائمة قرب البحر الميت، لتكون تذكرة للأجيال بأن الله لا يغفل عن الظالمين.
-
موقف الشريعة الإسلامية من فعل قوم لوط
أجمع الفقهاء على أن فعل قوم لوط من الكبائر، بل من أغلظ الكبائر. وقد اختلفوا في عقوبته الدنيوية:
- بعضهم قال: يرجم الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أو لا.
- وبعضهم قال: عقوبته كالزنا، فيرجم المحصن ويجلد غير المحصن.
- وهناك قول بأن الحد هو القتل مطلقًا.
واتفقوا جميعًا على أن هذه الفاحشة محرمة تحريمًا قطعيًا، وأنها سبب للفساد في الأرض وموجبة للعقاب الإلهي.
- بعضهم قال: يرجم الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أو لا.
-
الرد على الشبهات المعاصرة
في زمننا، يحاول البعض تبرير الشذوذ الجنسي تحت شعار الحرية أو الطبيعة البيولوجية. لكن قصة لوط تبطل هذه المزاعم:
- لو كان أمرًا طبيعيًا لما كان الله وصفه بـ "الفاحشة".
- لو كان مقبولاً، لما أهلك الله قومًا بأكملهم بسببه.
- الفطرة السليمة تقضي بانجذاب الذكر للأنثى، وأي انحراف عن ذلك هو فساد.
- لو كان أمرًا طبيعيًا لما كان الله وصفه بـ "الفاحشة".
-
العبرة للواقع المعاصر
إن العالم اليوم يواجه ضغوطًا لتطبيع هذه الفاحشة، لكن المؤمن يستلهم من قصة لوط الثبات على المبدأ، وعدم الانجرار وراء الشهوات.
- على الأسرة أن تربي أبناءها على الفطرة.
- على العلماء أن يبينوا الحكم الشرعي بوضوح.
- على المجتمعات المسلمة أن تحمي قيمها وهويتها.
- على الأسرة أن تربي أبناءها على الفطرة.
-
خاتمة
إن قصة لوط عليه السلام ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي درس خالد لكل الأجيال. إنها رسالة تقول: من خالف الفطرة هلك، ومن ثبت على الحق نجا.
وقد كان لوط مثال الداعية الصابر، بينما كان قومه مثال المجتمع الغارق في الرذيلة. واليوم، نحن أحوج ما نكون إلى تدبر هذه القصة، لتبقى حصنًا لنا أمام موجات الانحراف، ولتكون دليلاً على أن القيم الإلهية هي التي تحفظ الإنسان وتضمن له حياة طيبة.