حكم الاستحمام باللبن والعسل والمواد العطرية في الإسلام
تعرف على الحكم الشرعي لاستعمال اللبن والعسل في المغاطس لأغراض التجميل، مع بيان الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء كابن باز وابن عثيمين واللجنة الدائمة، ورأي علماء الأزهر، وبيان ضوابط الزينة وفق روح الشريعة الإسلامية.

-
مقدمة
خلاصة حكم الاستحمام باللبن أكرم الله الإنسان بنعم عظيمة، وجعلها أمانة عنده، ومن أعظمها اللبن والعسل، اللذان وصفهما القرآن بأنهما غذاء وشفاء. قال تعالى عن اللبن:
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: 66].وقال سبحانه عن العسل:
﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: 69].لكن مع تطور وسائل التجميل والعناية بالبشرة، ظهر استعمال المغاطس الممزوجة باللبن والعسل والمواد العطرية لأغراض تنظيف البشرة وتفتيحها. فهل هذا جائز في الإسلام؟ أم يعد إسرافًا وامتهانًا للنعمة؟
-
الأصل الشرعي في استعمال النعم
الإسلام أباح الزينة، بل أمر بها، كما قال تعالى:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].لكنه في المقابل نهى عن الإسراف والتبذير، فقال سبحانه:
﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 26-27].وعليه، فالأصل في التجميل أنه مباح إذا لم يخرج عن دائرة الاعتدال، ولم يؤدِّ إلى إهدار نعم الله أو امتهانها.
-
أقوال العلماء في حكم الاستحمام باللبن والعسل
1- رأي الشيخ ابن باز
لم يرد عن الشيخ ابن باز نص مباشر حول الاستحمام باللبن، لكن فتاواه العامة تؤكد أن استعمال المنظفات المباحة لا حرج فيه، ما لم يكن فيه إسراف أو محرم. فالمعيار عنده هو ضبط النية والاعتدال، وعدم صرف النعمة في غير موضعها المشروع.
2- رأي الشيخ ابن عثيمين
أوضح الشيخ ابن عثيمين أن الأصل في استعمال الأطعمة للتجميل أنه مباح إذا ثبت نفعها، بشرط عدم الإسراف. لكنه أكد أن وضع اللبن في الحمامات أو الأماكن المستقذرة يعد امتهانًا، وهو غير جائز. وهذا ينسجم مع قوله: "الأصل في النعم أن يتصرف الإنسان فيها بما ينفعه، إلا إذا أدى ذلك إلى محذور شرعي."
3- رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
لم تصدر اللجنة الدائمة فتوى مباشرة حول الاستحمام باللبن، لكن منهجها واضح في قضايا مشابهة: الاستفادة من النعم فيما ينفع جائز، أما التبذير والإسراف أو الاستعمال في المحرمات فممنوع. وهذا يتفق مع قواعد الشريعة الكلية.
4- آراء علماء الأزهر
- د. سعاد صالح: اعتبرت أن الاستحمام باللبن إسراف وامتهان للنعمة.
- د. آمنة نصير: شددت على أن هذه الممارسات تخالف فقه الأولويات، خاصة مع حاجة الأطفال للبن كغذاء.
- د. رجاء حزين: رأت أن التجميل لا يصل إلى مرتبة الضرورة التي تبيح المحظور.
- د. ملكة يوسف: ربطت بين امتهان النعمة وممارسات السحرة والشعوذة، محذرة من آثارها الروحية.
5- فتوى دار الإفتاء المصرية (رأي مخالف)
أجازت دار الإفتاء المصرية سابقًا الاستحمام باللبن باعتباره نوعًا من العناية بالجسم، وهو رأي تعرّض لانتقادات واسعة من علماء الأزهر الذين اعتبروه مخالفًا لمقاصد الشريعة.
- د. سعاد صالح: اعتبرت أن الاستحمام باللبن إسراف وامتهان للنعمة.
-
فقه الأولويات
فقه الأولويات من أعظم ما يميز الشريعة الإسلامية، إذ يوازن بين الحاجات الأساسية والكماليات.
- شرب اللبن والعسل غذاء ودواء، وهو مقصد أصيل نص عليه القرآن.
- التجميل باللبن مقصد فرعي كمالي يمكن تحقيقه ببدائل أخرى.
- إهدار اللبن في المغاطس مع وجود الفقراء والجوعى يعد مخالفة للأولويات الشرعية والإنسانية.
- شرب اللبن والعسل غذاء ودواء، وهو مقصد أصيل نص عليه القرآن.
-
البعد الاجتماعي والاقتصادي
- في وقت يحتاج فيه ملايين الأطفال إلى كوب لبن يسد رمقهم، يصبح إلقاؤه في المجاري بعد الاستحمام إسرافًا مذمومًا.
- الإسلام ربط بين الترف الزائد وسقوط الأمم: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ [الإسراء: 16].
- في وقت يحتاج فيه ملايين الأطفال إلى كوب لبن يسد رمقهم، يصبح إلقاؤه في المجاري بعد الاستحمام إسرافًا مذمومًا.
-
البدائل المباحة للتجميل
يمكن العناية بالبشرة والجسم دون إسراف النعم الأساسية، عبر:
- استعمال الزيوت الطبيعية مثل زيت الزيتون.
- استخدام الأعشاب الطبية المجرَّبة.
- اللجوء إلى المستحضرات الطبية الآمنة.
- الاكتفاء بالماء الطهور الذي جعله الله أساس الطهارة.
- استعمال الزيوت الطبيعية مثل زيت الزيتون.
-
الخلاصة
- الأصل في التجميل أنه مباح إذا لم يكن فيه إسراف أو محذور شرعي.
- الاستحمام باللبن والعسل في المغاطس يدخل في باب التبذير وامتهان النعمة، خاصة مع إلقائها في المجاري.
- أقوال ابن عثيمين واللجنة الدائمة تؤكد أن الإباحة مرتبطة بالمنفعة والاعتدال، لا بالإسراف.
- أقوال علماء الأزهر تميل إلى التحريم الصريح لهذا النوع من الترف.
- فقه الأولويات يوجب صرف اللبن والعسل في الغذاء والدواء، لا في الكماليات.
- الأصل في التجميل أنه مباح إذا لم يكن فيه إسراف أو محذور شرعي.
-
الخاتمة
الإسلام دين يوازن بين الروح والجسد، وبين الزينة المشروعة والاعتدال في النعمة. قال رسول الله ﷺ:
«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» (رواه النسائي).وبناء على ما سبق، فإن الاستحمام باللبن والعسل في المغاطس لا يوافق روح الشريعة الإسلامية؛ لما فيه من إسراف وامتهان للنعمة، ولأنه يُخالف فقه الأولويات، ويُهدر ما يمكن أن يكون غذاءً وشفاءً للفقراء والمحتاجين.