قصة البقرة في سورة البقرة: دروس وعبر خالدة
تعرف على قصة البقرة كما وردت في سورة البقرة بأسلوب مبسط ومفصل، واكتشف الدروس والعبر من هذا الحدث العظيم الذي يكشف عن معاني الطاعة وقدرة الله في إحياء الموتى، وتحذير من الجدل والتشدد في الدين.

-
مقدمة
من بين القصص العجيبة التي وردت في القرآن الكريم، تبرز قصة البقرة التي وردت في سورة البقرة، وهي القصة التي سمّيت السورة باسمها تخليدًا لها وبيانًا لما فيها من دروس عظيمة ومواقف مليئة بالعِبرة. لم تكن القصة مجرد حادثة تاريخية، بل هي رسالة إيمانية وأخلاقية ترسخ معاني الطاعة، وعدم التشدّد، وكشف الكذب والخداع.
في هذه المقالة، نتناول قصة البقرة بالتفصيل كما وردت في القرآن، ونُسلّط الضوء على دروسها بأسلوب مبسّط يسهل فهمه، ويُساعد القارئ على تأمل معانيها وتدبرها.
-
بداية القصة: مقتل غامض
تبدأ القصة عندما وُجد رجل من بني إسرائيل مقتولًا في ظروف غامضة، ولم يُعرف القاتل. فبدأ الناس يتساءلون: من الذي ارتكب هذه الجريمة؟ وكيف نعرف الحقيقة؟
ومع أنهم كانوا شعبًا يرون المعجزات ويعرفون أنبياءهم، لم يكن لديهم حل، فاتجهوا إلى نبيهم موسى عليه السلام يطلبون منه المساعدة.قال تعالى:
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً"
البقرة: 67كان هذا الأمر مفاجئًا وغريبًا بالنسبة لهم، فهم أرادوا معرفة القاتل، والله يأمرهم بذبح بقرة! فسخروا من هذا الطلب.
-
رد فعل بني إسرائيل: الاستهزاء والتشدد
بدلًا من أن يمتثلوا مباشرة للأمر الإلهي، قالوا لموسى عليه السلام:
"أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا؟"
أي: هل تسخر منا وتستهزئ بنا؟!لكن موسى عليه السلام ردّ عليهم بقوة:
"أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"فقد كان الأمر جادًا من الله، وليس فيه شيء من العبث أو المزاح.
لكن بني إسرائيل لم يرضوا بذبح أي بقرة، بل بدأوا يسألون ويتشددون ويماطلون، وكلما سألوا زادت الشروط وضاق عليهم الأمر.
-
أسئلتهم المتكررة
1. السؤال الأول: ما هي البقرة المطلوبة؟
قالوا:
"ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ"فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يجيبهم:
"إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ"
أي: ليست كبيرة جدًا في السن (فارِض)، ولا صغيرة جدًا (بِكر)، بل بين ذلك، متوسطة العمر.وكان يمكن أن يكتفوا بذلك، لكنهم لم يفعلوا.
2. السؤال الثاني: ما لونها؟
قالوا:
"ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا"فجاء الجواب:
"إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ"أي: لونها أصفر شديد الصفرة، جميلة المظهر، تفرح من ينظر إليها.
لكنهم لم يرضوا بذلك أيضًا!
3. السؤال الثالث: صفاتها التفصيلية
قالوا:
"ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ، إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا"وكأنهم يريدون التهرب من تنفيذ الأمر، فزاد الله عليهم بالتفصيل:
"إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ، مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا"
أي: ليست بقرة تُستخدم في العمل أو الحراثة، وليس فيها أي علامة أو لون آخر، سليمة تمامًا.
عند هذه النقطة، فهموا أن الأمر جاد فقالوا:
"الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ"ثم بحثوا طويلًا عن بقرة بهذه الصفات، حتى وجدوها عند رجل، واشتروها بثمن غالٍ، وقاموا أخيرًا بذبحها.
-
المعجزة: إحياء الميت وكشف الحقيقة
بعد أن ذبحوا البقرة، أمرهم الله أن يأخذوا جزءًا منها ويضربوا به الميت، وهنا وقعت المعجزة:
أحيا الله الرجل الميت، فقام وتكلم، وسمّى من قتله، ثم مات مرة أخرى.قال تعالى:
"فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"
البقرة: 73لقد كشف الله القاتل، وأظهر براءة الأبرياء، وأراهم قدرة الله العظيمة في إحياء الموتى أمام أعينهم.
-
الدروس والعبر من قصة البقرة
هذه القصة لم تُروَ عبثًا، بل جاءت لتعلّمنا دروسًا مهمة، منها:
1. وجوب طاعة أوامر الله دون تردد
الله لا يأمرنا إلا بما فيه خير لنا، والتردد والمماطلة قد يجعل الأمر أكثر صعوبة، كما حصل مع بني إسرائيل.
2. عاقبة التشدد في الدين
لو ذبحوا أي بقرة أولًا لكان كافيًا، لكن بسبب أسئلتهم الكثيرة، شُدِّد عليهم، واضطروا لشراء بقرة بثمن باهظ وشروط صعبة.
3. قدرة الله على إحياء الموتى
المعجزة في القصة تُظهر قدرة الله المطلقة، وتذكّرنا بيوم القيامة حيث يُبعث الناس بعد موتهم.
4. التحذير من الكذب والتستر
القصة بدأت بجريمة قتل، وانتهت بكشف الحقيقة أمام الجميع. فلا يضيع حق، ولا يخفى ظلم عند الله.
-
خاتمة
قصة البقرة في سورة البقرة ليست مجرد حكاية، بل هي درس عملي في الطاعة والتسليم لأمر الله، ورفض الجدل والمراء. إنها دعوة لأن نؤمن بالله ونُذعن لحكمه، ونبتعد عن التشدد الذي قد يُبعدنا عن روح الشريعة.
قال تعالى:
"وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ"
جملة قصيرة لكنها تصف بدقة كيف تعامل بني إسرائيل مع أمر بسيط، فأصبح ثقيلًا بسبب تعقيدهم.فلنتعلم من هذه القصة أن الدين يسر، وأن التسليم لأمر الله هو طريق الخير، وأن التلاعب بالأوامر الإلهية لا يؤدي إلا إلى المشقة والضياع.
-
مقالات ذات صلة