قصة قوم يس: عبرة خالدة لمن يعتبر

اكتشف القصة العجيبة التي وردت في سورة يس عن قوم أرسل الله إليهم ثلاثة رسل فكذبوا وأعرضوا، حتى جاءهم رجل من أقصى المدينة يدعوهم للإيمان فقتلوه، فنزل عليهم عذاب الله بصيحة واحدة أهلكتهم جميعًا. من هم هؤلاء القوم؟ وهل هم أهل أنطاكية أم غيرهم؟ وما الدروس المؤثرة التي نستخلصها من هذه القصة؟ في هذا المقال الشامل، نروي القصة بتفصيل دقيق، مدعومة بالآيات والتفاسير، ونقدم لك تحليلاً عميقًا ومعاني عظيمة تمسّ واقعنا وتُلهمنا للثبات على الحق.

قصة قوم يس: عبرة خالدة لمن يعتبر
قصة قوم يس
  • مقدمة

    في عالم غارق في الماديات والانشغال بالدنيا، تأتي قصص القرآن لتوقظ القلوب وتلفت الأنظار إلى الحقائق الكبرى. ومن هذه القصص المؤثرة، قصة قوم يس التي وردت في سورة يس، والتي تحكي عن قرية جاءها رسل الله يدعونها للتوحيد، فقوبلوا بالتكذيب، حتى جاء رجل مؤمن من أطراف المدينة لينصر الحق ويدفع ثمن ذلك حياته. إنها قصة الصراع بين الإيمان والجحود، وعاقبة من كذّب الرسل، والجزاء العظيم للمؤمنين الصادقين.

  • من هم قوم يس؟ وهل هم أهل أنطاكية؟

    ذكر القرآن هذه القصة في قوله تعالى:

    "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ"
    (سورة يس، الآية 13)

    اختلف العلماء في اسم القرية، فقيل إنها أنطاكية الواقعة في الشام، وقال آخرون إنها قرية أخرى مجهولة، واستدلوا على ذلك بأن أنطاكية آمنت لاحقاً على يد الحواريين، أما هذه القرية فقد أهلكها الله، وهو ما يرجّح أنها ليست أنطاكية، لأن الله قال:

    "إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ"
    (سورة يس، الآية 29)

    أي أنهم هلكوا تماماً ولم يبقَ منهم أحد.

  • دعوة الرسل وتكذيب القوم

    بدأت القصة بإرسال الله اثنين من الرسل، فلما كُذبوا، أيدهم الله برسول ثالث، كما قال تعالى:

    "إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ"
    (سورة يس، الآية 14)

    لكن ردّ القوم جاء جارحاً ومليئاً بالكبر:

    "مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ"
    (سورة يس، الآية 15)

    ردّ الرسل عليهم بكل ثبات وصدق:

    "رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُم لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"
    (سورة يس، الآيتان 16-17)

    لكن الكفر لم يكتفِ بالتكذيب، بل تحول إلى تهديد بالرجم والقتل:

    "قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ"
    (سورة يس، الآية 18)

  • حبيب النجار: البطل المجهول الذي أحيا الإيمان

    في خضم هذا التهديد والرفض، ظهر رجل صالح من أقصى المدينة، يسعى بحُبٍّ وحرقة لنصرة الرسل، فقال:

    "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ"
    (سورة يس، الآيتان 20-21)

    هذا الرجل هو حبيب النجار، وكان يعمل نجارًا ويُعرف بالصلاح والصدقة. عرف الحق بقلبه، فلم يسكت، بل جهر بالدعوة حتى في أشد الظروف.

    قال مخاطباً قومه بحكمة وحنان:

    "وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً..."
    (سورة يس، الآيتان 22-23)

    لكن القوم لم يرحموه، فقتلوه بوحشية أمام الناس. ومع ذلك، لم يحمل في قلبه حقدًا عليهم، بل تمنّى الخير لهم حتى بعد موته:

    "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"
    (سورة يس، الآيتان 26-27)

  • الصيحة المهلكة: نهاية من كذب الرسل

    بعد قتل الرجل الصالح وإصرار القوم على الكفر، جاء أمر الله سريعًا، لا يمهِل ولا يُهمل:

    "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلَّا ص أي وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ"
    (سورة يس، الآيتان 28-29)

    الصيحة هنا كانت صوتًا مزلزلًا أرسلَه الله – ويقال إنه كان من جبريل عليه السلام – فهلك القوم عن آخرهم، وصاروا كأن لم يكونوا.

  • الدروس والعبر من قصة قوم يس

    1. الدعوة إلى الله تحتاج إلى إخلاص لا إلى أجر

    كما قال الرسل: "وَمَا نَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ" (يس: 21)
    الداعية الحق لا ينتظر جزاءً من الناس، بل يسعى لنشر الحق طلبًا لرضا الله وحده.

    2. قوة الإيمان أعظم من قوة الجموع

    حبيب النجار وحده وقف في وجه أمة، ولم يتردد لحظة، فكان نصره من أعلى عليين.

    3. عاقبة الكافرين وخيمة مهما تأخر العذاب

    قد يتأخر العذاب، لكن إذا جاء لا يُرد، كما قال الله:

    "إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ" (البروج: 12)

    4. الحق لا يُعرف بالكثرة وإنما بالبرهان

    قوم يس كانوا كثيرين، لكنهم ضلوا. والرسل كانوا قلة، لكنهم على صراط مستقي

    م.5. المؤمن يحمل الخير في قلبه حتى لأعدائه

    تمنّى حبيب الخير لقومه بعد موته، وهو قمة الرحمة والشفقة.

  • الأسئلة الشائعة حول قصة قوم يس

    1. من هم الرسل الذين أُرسلوا إلى القرية؟
    لم يُذكروا بالاسم، لكن بعض الروايات تشير إلى أنهم كانوا من أتباع عيسى عليه السلام، أُرسلوا بدعوة من الله.

    2. هل حبيب النجار نبي؟
    الراجح أنه رجل مؤمن وليس نبيًا، لكنه كان صاحب يقين وصدق.

    3. ما سبب هلاك القوم؟
    التكذيب، الإعراض، وقتل الدعاة إلى الله، كما قال تعالى:

    "إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً" (يس: 29)

    4. ما العبرة الكبرى من القصة؟
    أن الله يُمهل ولا يُهمل، وأن نصرة الحق واجبة ولو كنت وحدك، فالله مع الصادقين.

  • خاتمة

    قوم يس مرآة لكل زمان

    ما أشبه قوم يس بكثير من الناس في عصرنا: رفضٌ للدين، سخرية من الدعاة، إصرار على المعاصي. ولكن النهاية عبرة، فمن لا يعتبر، فقد يخسر دنياه وآخرته.

    "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
    (سورة يس، الآية 83)